عقب قرار رئيس الصومال التخلي عن التمديد.. جلسة برلمانية حاسمة غدا لتحديد المسار الانتخابي

عاد الهدوء إلى مقديشو إثر قرار الرئيس التخلي عن تمديد ولايته، لكن المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة لا تزال تنتشر في مواقعها؛ ربما انتظارا لجلسة غد. فهل تترجَم مواقف الرئاسة والحكومة إلى أفعال تُخرج البلد من المأزق السياسي؟

Somali parliament endorses new prime minister
الرئيس محمد فرماجو (يمين) ورئيس الوزراء محمد روبلي خلال مشاركتهما سابقا في جلسة للبرلمان (الأناضول)

بارتياح يشوبه ترقب حذر؛ استقبل الشارع الصومالي قرار الرئيس محمد عبد الله فرماجو التخلي عن فكرة تمديد ولايته لعامين، وذلك بعد ضغوط داخلية وخارجية واشتباكات شهدتها العاصمة الصومالية مقديشو خلال الأيام الماضية بين قوات حكومية ومعارضة.

ويرى مراقبون أن وحدة المواقف السياسية للحكومة والولايات ومعارضتها للتمديد والعودة إلى المرجعية الأساسية بشأن الانتخابات -وهو اتفاق 17 سبتمبر/أيلول- أمر كفيل بنزع فتيل التصعيد العسكري في مقديشو، والذي كاد أن يعيد البلاد إلى المربع الأول والانزلاق في أتون الحرب الأهلية مجددا.

معارضة وتناغم

وقد أعلن -أمس الخميس- رؤساء 3 ولايات ورئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي معارضتهم قرار التمديد وتأييدهم استئناف المشاورات على أساس اتفاق 17 سبتمبر/أيلول، بينما تناغم موقف الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو -إلى حد ما- مع مواقف هؤلاء المسؤولين، إلا أنه ترك خيار إلغاء قرار التمديد وإعادة العمل باتفاق 17 سبتمبر/أيلول لقرار مجلس الشعب الصومالي الذي سيعقد جلسة غدا السبت.

ويقضي اتفاق 17 سبتمبر/أيلول من العام الماضي 2020 بإجراء انتخابات غير مباشرة للرئيس؛ بحيث يقوم مندوبون من الأقاليم باختيار أعضاء البرلمان ويقوم البرلمان باختيار الرئيس، إلا أن قرار البرلمان في فبراير/شباط الماضي بتمديد ولاية الرئيس الصومالي ألغى ذلك الاتفاق.

وإلى جانب الأصوات المرحبة بتلك المواقف -سواء من المعارضة أو من المجتمع الدولي- فإن الشارع الذي خالجته مشاعر اليأس كانت فرحته أكبر وتنفس الصعداء بمجرد أن تناهت إلى أسماعه تخلي الرئيس عن قرار التمديد أملا في تبدد حالة الاحتقان السياسي.

وبالفعل عم الهدوء في المناطق المتوترة في الساعات الـ 48 الماضية وتوقفت حركة النزوح، لكن رغم ذلك فلا تزال القوات المسلحة التابعة للمعارضة تنتشر في مواقعها، ربما لأنها تنتظر ما ستسفر عنه جلسة مجلس الشعب الصومالي وترجمة مواقف الحكومة والولايات إلى أفعال تخرج البلد من المأزق السياسي وتخلق جوا من وفاق ووئام وإجماع وطني على موعد وكيفية تنظيم الانتخابات.

مكتب الإعلامي لمكتب رئيس الوزراء / لقطات من لقاء عقده رئيس الوزرء الصومالي مع قادة بعض الولايات والمرشحين الرئاسيين ،مقديشو 28 أبريل 2021.
جانب من لقاء عقده رئيس الوزراء الصومالي مع قادة ولايات ومرشحين للرئاسة في مقديشو 28 أبريل/نيسان الجاري (الجزيرة نت)

ضغوط داخلية وخارجية

وإن المواقف الجديدة للقادة الصوماليين -على الرغم من إيجابيتها وطمأنتها الشعب الصومالي- لم تأت من محض إرادتهم، وإنما بسبب ضغوط خارجية وداخلية، وذلك حسب المحلل والإعلامي أحمد محمد جيسود.

ويُرجع جيسود -في حديثه للجزيرة نت- قرار الرئيس فرماجو إلى دعوات المجتمع الدولي المتكررة له من أجل التراجع عن قرار التمديد الذي يرون أنه يخلق حالة انقسام جديدة ويضيع المكاسب التي تحققت على مدى السنوات العشر الماضية التي عوّل عليها المجتمع الدولي، ولوّح بقطع مساعدته للصومال وفرض عقوبات على السياسيين الصوماليين.

وإلى جانب الضغوط الخارجية برزت حالة الانقسام العرقي في صفوف قوات الشرطة والجيش الصومالي، وذلك بين المكونات الداعمة للرئيس وتلك الداعمة للمعارضة، إضافة للوضع الإنساني الذي شكله نزوح آلاف من منازلهم إثر التوترات، وكل هذه العوامل لم تترك لمؤسسات الرئاسة والحكومة والولايات خيارا غير الوصول لاتفاق يضع حدا للتوترات الماثلة.

Paramedics at the Madina hospital push a soldier on a stretcher after he was injured in a suicide car explosion, at the Asluubta Prison in Darkenley district of Mogadishu
مقديشو شهدت مواجهات وأعمال عنف بسبب قرار الرئيس فرماجو تمديد ولايته وهو ما تخلى عنه لاحقا (رويترز)

جدية ومرونة

وأيا كانت الأسباب التي أدت إلى العودة لطاولة الحوار والترحيب الذي حظي به من قبل المعارضة؛ فإن ذلك يمثل انفراجا على المستوى السياسي والشعبي أبعد عن البلاد شبح الحرب حسب رأي محرر موقع "مقديشو بريس" الإخباري عبد القادر برنامج.

ويُتوقع أن يلغي مجلس الشعب الصومالي في جلسته يوم غد السبت قرار تمديد ولاية البرلمان والرئيس الصومالي لمدة عامين الذي تبناه في 12 أبريل/نيسان الجاري والعودة مرة أخرى لاتفاق 17 سبتمبر/أيلول كأساس للاستحقاق الانتخابي استكمالا للمواقف التي أعلنتها الحكومة والولايات أول أمس الأربعاء، وهي استبعاد خيار التمديد ومن ثم مباشرة المفاوضات بشأن الانتخابات.

ويقول برنامج للجزيرة نت إنه نظرا للمرحلة الخطيرة التي وصل إليه الوضع الصومالي على المستوى السياسي والأمني الذي لا يحتمل التباطؤ والاتهامات المتبادلة فإن السياسيين الصوماليين بمستوياتهم المختلفة سوف يتحلون هذه المرة بجدية ومرونة أكبر ومن دون أي فرض شروط مسبقة مع إعطاء صلاحية ودور أكبر لرئيس الوزراء روبلي لقيادة المفاوضات التي تبحث المسار الانتخابي.

نزوح سكان مديريتي هودن وهولوداج من منازلهم بمقديشو
نزوح من بعض مناطق مقديشو إثر اندلاع الاشتباكات (الجزيرة)

طرف ثالث

وفي رأي الباحث في مركز الأجندة العامة للدراسات فرحان إسحاق يوسف فإنه لا ينبغي ترك السياسيين وحدهم للمشاورات بشأن الانتخابات؛ لأن الأسباب ونقاط الخلاف التي أفشلت المشاورات السابقة بجولاتها المتعددة لا تزال قائمة دون أن يقدم الطرفان تنازلا، فالرئيس الصومالي فرماجو متمسك بتطبيق اتفاق 17 سبتمبر/أيلول بدون شروط مسبقة كما ورد في خطابه أول أمس الأربعاء.

بينما يصر رئيسا ولايتي بونتلاند وجوبالاند سعيد دني وأحمد مدوبي على عدم إمكانية تطبيق هذا الاتفاق ما لم يتم مراجعة أمور عدة منها حيادية قوات الأمن والجيش واللجان الانتخابية التي يرون أن أكثر أعضائها موالون لمعسكر الرئيس الصومالي، أضف إلى ذلك ما يشاع من حدوث شرخ في معسكر الرئيس الصومالي ونشوب خلاف بينه وبين رئيس وزرائه؛ وهو تطور يُعقّد الأمور أكثر.

لذلك يتحتم وجود طرف ثالث قادر على فرض حلول وحسم النقاط الخلافية، وهذا الطرف سيكون -من وجهة نظر الباحث- مبعوث سيعينه الاتحاد الأفريقي قريبا، لا سيما أن المجتمع الدولي أقر بأن المساعي الأفريقية هي القائدة في حل الوضع السياسي المتأزم في الصومال، وذلك حسب يوسف في حديثه للجزيرة نت.

وما يُجمع عليه المراقبون هو أن ما ستؤول إليه الحالة السياسية والأمنية في الصومال واختفاء مظاهر التسلح ووقف التصعيد العسكري؛ أمور مرهونة بتحسن الظروف السياسية وتصرفات السياسيين الصوماليين في الأيام القادمة، وإن ارتكاب أخطاء قاتلة غير محسوبة في هذا الظرف الصعب وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن الانتخابات يؤزم الوضع الأمني في البلاد أكثر.

المصدر : الجزيرة