بين تعطيل الحكومة والعلاقة مع السعودية.. ما السيناريوهات المرتقبة في لبنان بعد استقالة قرداحي؟

يستبعد محللون سياسيون أن تؤسس استقالة قرداحي لعودة العلاقات اللبنانية السعودية إلى مسارها الطبيعي، لأن المسألة تتجاوز بقاء وزير أو استقالته، مستدلين بما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان من أن الأزمة أعمق من قرداحي.

Lebanese Information Minister George Kordahi arrives to meet with Maronite Patriarch Bechara Boutros Al-Rai in Bkerke
قرداحي كان ثابتا على موقفه الرافض لتقديم استقالته من دون ضمانات (رويترز)

بيروت– فتحت استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي الباب أمام تساؤلات عديدة في لبنان، بسبب تأثيرها ونتائجها على مستوى العلاقات مع السعودية ودول خليجية أخرى، وانعكاسها أيضا على جلسات الحكومة المعطلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إثر مطالبة حزب الله وحليفيه حركة أمل وتيار المردة بتنحية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.

ورأى محللون أن ثمة سعيا للمواءمة بالتوازي بين استقالة قرداحي وتنحية البيطار، ويفصلهما آخرون عن بعضهما، وذلك يفاقم الهواجس لأن الحل النهائي مشروط بسلة تسويات سياسية تأخذ طابع المقايضة بين مكونات السلطة المتخاصمة على الصعيدين الداخلي والإقليمي.

دوافع الاستقالة

وإثر تصريحات سابقة وصف فيها حرب اليمن بالعبثية، وأثارت أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بلغت حدّ القطيعة مع دول خليجية، وضع قرداحي استقالته اليوم الجمعة، في إطار ما سماه "المصلحة الوطنية"، و"منعا لاستخدامه سببا لأذية لبنان واللبنانيين في الخليج".

غير أن تعويل لبنان على الاستقالة، بتوقيتها وسياقها السياسي، صُحب بجملة تطورات، فقد ربطها البعض بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للخليج، بدءا من الإمارات ثم قطر التي زارها أخيرا الرئيس اللبناني ميشال عون ثم السعودية، خصوصا أن ماكرون طلب من رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي دفع قرداحي إلى الاستقالة، كورقة حسن نية يحملها معه إلى الرياض للبحث في الملف اللبناني.

بعض السياسيين يرون أن ميقاتي (يسار) حصل على ضمانات لنتائج الاستقالة وتحديدا من ماكرون (الفرنسية)

ما خلفيات الاستقالة؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب أن واقع العلاقة الحالية بين فرنسا والسعودية أعطى قوة دفع للملف اللبناني السعودي، فكانت استقالة قرداحي، ورافقها غض النظر من كل حلفائه اللبنانيين، وتحديدا من قبل مرجعيته السياسية رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

لذا، يجزم أيوب أن الاستقالة جاءت بطلب فرنسي، و"قد استنتج الفريق الفرنسي الذي زار الرياض تحضيرا لزيارة ماكرون أن منطلق مناقشة الملف اللبناني هي استقالة قرداحي".

أما أهداف فرنسا فيربطها أيوب بعجزها بعد سنتين ونيف عن إنجاح مبادرتها اللبنانية، فلم تربح إلا استقالة قرداحي بعد تشكيل الحكومة، وهذا أمر مؤسف لفرنسا برأيه.

من جهته، يربط الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي (مقرب من حزب الله) الاستقالة بأمور عدة، منها أن ميقاتي كان لديه موقف مبدئي منذ تصاعد الأزمة، وكان يريد إعلان الاستقالة.

كما أن سفر ميقاتي إلى الفاتيكان واتصاله بماكرون -حسب المتحدث نفسه- "حسم سعي الرئيس الفرنسي لتعزيز فرصته في لبنان بزيارته للسعودية، وأن تكون الاستقالة حافزا لإيجاد إيجابيات يُبنى عليها، فضلا عن إشارات التقطها الرئيس عون خلال زيارته الدوحة".

ويقول بزي إنه جرى بناء خريطة طريق داخلية في الأسبوع الماضي، من قبل عون وميقاتي، كما لعب رئيس مجلس النواب نبيه بري (حليف حزب الله) دورا كبيرا في موضوع الاستقالة.

بين الحكومة والسعودية

وما إن صارت الاستقالة أمرا واقعا، تمحورت الإشكالية حول نتائجها، على الصعيدين الحكومي والخليجي، ودعا كثيرون إلى عدم المبالغة بالتفاؤل، خصوصا أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان صرح مرارا بأن موقف بلاده غير مرتبط بقرداحي، بل مشكلتها نفوذ حزب الله في لبنان ودعمه الحرب ضدها في اليمن.

وتوضيحا لموقف ميقاتي، يرى عضو كتلته البرلمانية النائب علي درويش أن استقالة قرداحي في نظر ميقاتي خطوة أساسية لنزع فتيل الأزمة، ومن المرتقب استكمالها بخطوات أخرى لرأب الصدع مع دول خليجية، أملا بالتراجع عن مقاطعتها الدبلوماسية والاقتصادية.

ويلوّح درويش بحصول ميقاتي على ضمانات لنتائج الاستقالة، وتحديدا من ماكرون، قائلا إن التفاصيل قد تكشف عقب زيارته للسعودية.

من جانبه، يذكر وسيم بزي أن تصريحات بن فرحان، وطريقة تعاطي السعودية مع استقالة وزير الخارجية اللبناني السابق شربل وهبة "تشي أن المملكة تتجاوز مطالبها بالاستقالات، وتستخدمها كزوبعة لإظهار موقفها الحقيقي من تموضع لبنان الجيوسياسي في الإقليم، ونظرتها إلى حزب الله".

لذا، يعبر بزي عن عدم تفاؤله بنتائج الاستقالة، لأن واقع الاشتباك الإقليمي قائم، رغم استئناف مفاوضات فيينا وترقب المفاوضات السعودية الإيرانية، ولأن مسارها ومفعولها غامضان، على حد قوله.

ويذكر المتحدث نفسه أن لماكرون تجربة سابقة في التوسط لدى السعودية بعدما عدّته جهات سياسية لبنانية "احتجازا" لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالرياض عام 2017 وإعلانه آنذاك بيان استقالة حكومته.

وشكك بزي في أن يكون لبنان على رأس أولوياته في مباحثاته بالخليج، "في ظل سعيه لحلحلة مصالح فرنسا الضخمة والمجمدة في الخليج قبيل الانتخابات الرئاسية".

من جهته، يرجح حسين أيوب، في حديث للجزيرة نت، أن الخطوات المتدحرجة سلبا التي تلوّح بها السعودية باتت بحكم المجمدة بعد استقالة قرداحي، مستبعدا أن تؤسس استقالته لعودة العلاقات اللبنانية السعودية إلى مسارها الطبيعي، لأن المسألة تتجاوز بقاء وزير أو استقالته، مستدلا بما قاله بن فرحان من أن الأزمة أعمق من قرداحي، ومعبّرا عن قناعته بأن الوساطة الفرنسية لن تفضي إلى ما يأمله اللبنانيون ولا الفرنسيون.

رئيس الحكومة اللبنانية المكلف يبدأ مشاوراته مع الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة
بعض المراقبين يخشون أن يكون لبنان أمام واقع سياسي وأمني يحمل مفاجآت قد تطيح بالانتخابات النيابية والرئاسية معا (الجزيرة)

ما مصير جلسات الحكومة إذن؟

بالتوازي، يدور حديث في بيروت عن صياغة تسوية أخرى تفتح الطريق أمام عقد جلسات الحكومة، على قاعدة أن الخطوة التالية لاستقالة قرداحي تكون بإيجاد مخرج لتنحية البيطار، نزولا عند طلب حزب الله وبعض حلفائه، وقد تكون دعوة مجلس النواب لتفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هي الطريق، خصوصا أن الرئيس بري دعا النواب لجلسة عامة الثلاثاء المقبل.

وهنا، يوضح النائب علي درويش، للجزيرة نت، أن ميقاتي مصرّ على عدم التدخل في عمل القضاء رغم إعلانه أن الحكومة ستعاود جلساتها قريبا. ومع ذلك، لا ينفي أن ثمة مساعي وطروحات لحل أزمة ملف تحقيقات المرفأ، وأن تفعيل المجلس الأعلى هو أحدها، وإن كان برأيه يحتاج إلى مجموعة تفاهمات بين الكتل البرلمانية.

أما بزي فيرى أن تفعيل عمل الحكومة غير مرتبط بمقايضة بين قضيتي البيطار وقرداحي، لكن المناخ الإيجابي للاستقالة قد يفتح كوة بمعالجة قضية البيطار، على حد تعبيره.

ويتحدث عن معطيات تتعلق بمساع جادّة لتسوية قضية البيطار، مرجحا أن تكون دعوى الدفوع الشكلية التي قدمها قبل يومين وكلاء رئيس الحكومة السابق حسان دياب بداية المسار.

في المقابل، يقول أيوب إن استقالة قرداحي من خارج مجلس الوزراء خلافا لما كان مقررا بالأساس في إطار تأمين مخرج له تعني أن ملف الاستقالة مفصول عن الملف الحكومي المتعثر، ويستبعد الربط بينهما لأن "لكل منهما مساره، وإن كانا يلتقيان عند حدود تهدئة الملف اللبناني".

ويرجح أن تظل الأزمة السياسية اللبنانية مفتوحة ما دام لا يوجد مخرج لقضية التحقيق في تفجير المرفأ، في ظل ملفات تتراكم أمام الحكومة، من المرفأ إلى أحداث الطيونة إلى الواقع الاقتصادي والمالي والمعيشي المتدحرج نحو الأسوأ.

وقال إن الخوف الكبير أن يكون لبنان في الأشهر المقبلة أمام واقع سياسي وأمني يحمل مفاجآت غير سارّة قد تطيح بالانتخابات النيابية والرئاسية معا.

المصدر : الجزيرة