مجلس السيادة السوداني في نسخته الجديدة.. تحالف من الجنرالات وزعماء القبائل

أعاد البرهان بموجب المرسوم الذي حمل 21 تعيينا، 4 من القادة الذين كانوا في الشق العسكري لمجلس السيادة قبل حله يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وحرص على استبعاد وجوه المكون المدني السابقين. ودفع بأسماء لا تتمتع بثقل سياسي لكنها ذات رمزية مجتمعية.

البرهان يعلن تشكيل مجلس سيادة جديد
البرهان يعلن تشكيل مجلس سيادة جديد (رويترز)

الخرطوم- لم يهدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان كثيرا من الوقت وهو يسارع لأداء القسم رئيسا لمجلس السيادة، بعد وقت وجيز من إعلانه تسمية نفسه و11 عضوا، في أول تعيين لهياكل السلطة الانتقالية بعد إجراءات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي أطاحت برئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

وظهر البرهان على شاشة تلفزيون السودان وهو يؤدي اليمين الدستورية للمرة الثانية خلال عامين، مقسِما ضمن تعهدات أخرى أن يحافظ على الوثيقة الدستورية التي تتهمه قوى سياسية ومدنية بخرقها.

وخلّف إعلان مجلس السيادة بشكله الجديد ردود أفعال واسعة في الشارع السوداني والقوى السياسية، التي يبدو أنها فوجئت بالقرار بعد أن كانت تنظر التوصل إلى تسوية تضمن عودة حمدوك إلى منصبه.

عبد الفتاح البرهان يؤدي اليمين الدستوري أمام رئيس القضاء - مواقع التواصل الاجتماعي التابع لوكالة الأنباء السودانية
عبد الفتاح البرهان يؤدي اليمين الدستورية أمام رئيس القضاء (الصحافة السودانية)

بعد إخفاق الوساطات

وأخفقت الوساطات والتدخلات المحلية والدولية في منع البرهان من اتخاذ خطوات أحادية لإعلان هياكل السلطة الانتقالية دون موافقة الأطراف الأخرى. غير أن الرجل كان عازما على المضي باتجاه إقصاء أي مظهر حزبي في مفاصل الدولة.

وهو الذي يرى أن تشاكس الأحزاب وتصارعها على مدى عامين كان سببا في فشل الحكومة وعجزها عن تحقيق إنجازات.

ويؤكد الطاهر أبو هاجة مستشار رئيس مجلس السيادة أن إعادة تكوين المجلس تتوافق مع الوثيقة الدستورية واتفاق السلام، وأنه في تكوينه الجديد استجابة للمبادرات المحلية والإقليمية والدولية، وراعى تمثيل أقاليم السودان.

عسكريو المجلس السابق

وأعاد البرهان بموجب المرسوم الذي حمل 21 تعيينا، 4 من القادة العسكريين، وهم محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبا له، وشمس الدين كباشي وياسر العطا وإبراهيم جابر أعضاءً، وهو تكوين الشق العسكري نفسه بالمجلس قبل حله يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وحرص القائد العام للجيش في تعيين أعضاء المجلس الجدد المدنيين، على ضمان تمثيل 5 من أقاليم السودان، ودفع بوجوه لا تتمتع بأي ثقل سياسي لكنها ذات رمزية مجتمعية.

واحتفط المرسوم الجديد بمنح المرأة مقعدين في المجلس، حيث بقيت رجاء نيكولا في مكانها، وأُضيفت سلمي عبد الجبار المبارك، وهي أستاذة جامعية وإعلامية لتمثّل إقليم وسط السودان إذ تنحدر من أسرة صوفية معروفة.

جاء تشكيل مجلس السيادة الجديد برئاسة البرهان في وقت كان فيه السودانيون ينتظرون إعادة المكون المدني للسلطة برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك (مواقع التواصل)

مؤيّد للتطبيع

ومن الأعضاء الجدد أبو القاسم محمد أحمد برطم، ممثلا للإقليم الشمالي، ويُعد من الوجوه التي تحظى بشعبية هناك، حيث خاض الانتخابات عام 2015 في دائرة دنقلا وفاز على أحد مرشحي الحركة الإسلامية، وانضم إلى كتلة المستقلين في البرلمان. كما قاد كيان الشمال بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، ويُعتبر من أشهر مؤيدي التطبيع مع إسرائيل.

ووقع الاختيار كذلك على قاضي المحكمة العليا يوسف جاد كريم ممثلا لإقليم كردفان، إذ يعتبر من رموز قبيلة المسيرية ذائعة الصيت في الإقليم.

ولم يغفل البرهان -فيما يبدو- احتجاجات عدد من كيانات العاصمة الخرطوم بعدم تمثيلها، حيث سمّى عبد الباقي الزبير استشاري طب الأسنان والمحاضر بجامعة الخرطوم ليمثل الولاية في مجلس السيادة. وهو أحد رجالات الإدارة الأهلية المعروفين بمنطقة شرق النيل شمالي العاصمة.

وبسبب الخلافات القبلية المحتدمة في شرق السودان، أرجأ المرسوم الدستوري تسمية ممثل لإقليم الشرق حيث تتصارع قبائل البجا والبني عامر على أحقية عضوية مجلس السيادة الانتقالي.

وبالنتيجة، أبعد المرسوم الجديد فريق مجلس السيادة المدني المعزول الذي مثّله محمد الحسن التعايشي ومحمد الفكي سليمان وجلال تاور وحسن شيخ قاضي، في حين كانت العضوة المدنية الخامسة عائشة موسى تقدمت باستقالتها قبل بضعة أشهر. وكان هؤلاء قد رُشّحوا عن طريق قوى الحرية والتغيير وفقا للوثيقة الدستورية.

جاء اسم رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس ضمن تشكيلة مجلس السيادة الجديد رغم معارضته إجراءات البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (الصحافة السودانية)

مفارفة لافتة

ويلاحظ أن التمثيل لإقليم دارفور اكتفى بوجود اثنين من قادة الجبهة الثورية هما الطاهر حجر والهادي إدريس، وهما بجانب مالك عقار من قادة الحركات المسلحة التي تم تمثيلها في المجلس بموجب اتفاق السلام.

لكن المفارقة أن الرجال الثلاثة أصدروا، قبل أيام، بيانا رفضوا فيه الإجراءات التي اتخذها البرهان ووصفوها بالانقلاب، وطالبوه بالإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم عبد الله حمدوك ومستشاره ياسر عرمان.

وبحسب مصادر موثوقة تحدثت للجزيرة نت، فإن رئيس الحركة قطاع الشمال مالك عقار أبدى خلال اجتماع رسمي استياءه من المناكفات والتراشق بين المدنيين والعسكريين، وغادر بعدها إلى ولاية النيل الأزرق قبل 5 أيام من قرارات البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ولم يعد إلا هذا الأسبوع.

والتقى عقار، وفقا للمصادر، البرهان وحمدوك كلا على حدة، وتمسك بالإفراج عن المعتقلين والوصول إلى تسوية مع حمدوك تضمن تعيينه في مجلس السيادة. وهو ما لم يحدث.

الخطوة التالية.. الحكومة

ويؤكد عضو المجلس المركزي لحرية والتغيير أحمد حضرة، للجزيرة نت، أن مندوبي الجبهة الثورية شاركوا في آخر اجتماعات المجلس الثلاثاء الماضي، حيث أكدوا رفضهم "الانقلاب العسكري"، واتفقوا على التصعيد ضد القرارات، متوقعا رفض القادة الثلاثة المشاركة في مجلس السيادة الجديد.

غير أن المحلل السياسي عمار عوض رأى أن البرهان ما كان ليسمي قادة الحركات المسلحة أعضاءً في مجلس السيادة قبل حصوله على تأكيدات منهم بالموافقة، خاصة وأنهم يمثلون أطراف السلام ولم يشملهم قرار الحل السابق.

ويرى في حديثه للجزيرة نت أن تكوين مجلس السيادة الجديد بني على تحالف الجنرالات مع زعماء القبائل بدلا عن التكوين السابق الذي كان تحالفا بين العسكر والسياسيين، وأن الخطوة التالية ستكون اجتماع مجلس السيادة الأحد المقبل لتعيين رئيس الوزراء الذي بدوره سيختار وزراء حكومته.

ويتحدث المحلل عن أن العسكريين رتبوا الأوضاع لمنع أي احتجاجات في الأقاليم على اختيار هؤلاء الممثلين. وسيضمن هذا للمكونات الأخرى التمثيل في منصب الوالي وعلى مستوى الوزارات، بما يسكت الأصوات المعترضة.

وتعكس هذه التطورات، حسب عوض، عدم امتلاك المجتمع الدولي أدوات للتأثير على الأوضاع في السودان، إذ لم يتخذ قرارات قوية تمنع البرهان من تنفيذ مخططاته، في وقت ساعدته فيه القوى السياسية التي ظلت تتحرك بردود أفعال دون خطوة تؤكد إمساكها بزمام الأمور، وبقى تعويلها الأساسي على الشارع للضغط على العسكر.

وفي هذه الأثناء، يعتقد أحمد حضرة أن لا خيار سوى مواصلة التصعيد الميداني السلمي، وأن إصرار العسكريين على مصادرة إرادة الشعب مرفوض، وستتم معارضته بكل السبل خاصة إذا كانت الخطوة التالية هي إعلان الحكومة.

ورأى حضرة أنها "لن تكون معتمدة على أي شرعية ولا مرجعية"، لافتا إلى أن المجتمع الدولي منح رئيس الوزراء حمدوك الشرعية، "مما يعني أن الحكومة التي يتهيأ البرهان لإعلانها لن تجد اعترافا دوليا".

المصدر : الجزيرة