هل تكون الانتخابات العراقية المقبلة مصيرية نحو التغيير؟

تختلف العملية الانتخابية هذه المرة عن سابقاتها من حيث القانون وإدارة عملية الاستحقاق الدستوري، وهذا لم يمنع البعض من التشكيك في إمكانية حدوث تزوير.

جانب من الدعاية الانتخابية للمرشحين في أحد شوارع بغداد المزدحمة (غيتي)

بغداد – يستعد العراقيون للمشاركة في اقتراع مبكر تنظمه مفوضية الانتخابات العليا المستقلة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وتختلف العملية الانتخابية هذه المرة عن سابقاتها من حيث القانون وإدارة عملية الاستحقاق الدستوري، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من التشكيك في إمكانية حدوث تزوير، خاصة في ظل انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وشراء الأصوات وتزوير لبطاقات انتخابات، إلى جانب استغلال البعض وسائل الإعلام لتشويه سمعة بعض المتنافسين.

هذه المخاوف قد تنعكس على حجم المشاركة الانتخابية للمواطنين، إذ إن ترك هذه الهواجس من دون تطمينات حكومية إضافة لمفوضية الانتخابات قد تدفع الناخب العراقي إلى العزوف عن المشاركة.

وتتجه الأنظار إلى العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري بوصف الانتخابات استحقاق مهم قد يعيد تشكيل الخارطة السياسية للنظام الديمقراطي العراقي.

مؤنس يتوقع أن تسهم الانتخابات المقبلة في زيادة تنوع الطبقة السياسية (الجزيرة نت)

ويرى حسين مؤنس رئيس حركة حقوق -المشاركة في السباق الانتخابي- أن الانتخابات المقبلة ستسهم في زيادة تنوع الطبقة السياسية ودخول الوجوه الجديدة لقبة البرلمان وربما إلى السلطة التنفيذية.

وأكد للجزيرة نت أن الانتخابات ستعيد تشكيل منظومة صناعة القرار ولن تكون الدولة عبارة عن اتفاق بين أقوياء كما هو الحال عليه الآن، وإنما سيكون التنوع هو عنوان اقتسام مراكز السلطة.

ويتفق مشرق الفريجي الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي" -المشاركة في العملية الانتخابية- مع رأي مؤنس باعتقاده أن الانتخابات المقبلة ستكون مصيرية، على اعتبار أنه لا حل لأزمة العراق إلا بتجربة ديمقراطية مثل الانتخابات.

الفريجي يرى أن الانتخابات المقبلة ستكون مصيرية (الجزيرة نت)

لكن الفريجي يخالف مؤنس في جزئية التنوع الذي ستضفيه الانتخابات، إذ يشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن فرص فوز الكتل التي تمخضت عن الاحتجاجات الشعبية مرتبط بعدد المقاعد التي ستحصل عليها في الانتخابات، وبالتالي أي مقعد تحصل عليه الكتل الناشئة يعتبر خسارة للقوى التقليدية؛ ولذلك كُتب للكتل الجديدة بأن تكون بديلة عن الأحزاب المؤسسة للنظام الحالي مستقبلا.

تحشيد ومقاطعة

وأدت المظاهرات الاحتجاجية الشعبية التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وإقرار جملة من القرارات، بينها الذهاب إلى انتخابات مبكرة بقانون جديد هو الأول من نوعه في البلاد الذي ألغى آلية "سانت ليغو" (Sainte-Laguë) التي كانت تصب في صالح الأحزاب الكبيرة عبر اقتسام أصوات الناخبين على الكتل الكبيرة وحرمان الصغيرة منها.

وآلية سانت ليغو؛ هي نظام انتخابي اعتمده مجلس النواب العراقي منذ العام 2013 ويتضمن طريقة توزيع المقاعد على القوائم المتنافسة ضمن قانون الانتخابات، واستفادت منه حينها القوائم والكتل الانتخابية الكبيرة.

كما قسم قانون الانتخابات الجديد البلاد إلى 83 دائرة انتخابية. وسيشارك فيها 21 تحالفا و167 حزبا منها 58 ضمن التحالفات المذكورة، فيما كان عدد المرشحين 3249 مرشحا بينهم 951 امرأة.

وبالرغم من اختلاف آلية الانتخابات بين السنوات السابقة والمقبلة، كانت بعض الأحزاب التقليدية تعول على عزوف الناخب للمحافظة على قاعدتها الانتخابية في حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، إلا أن البيان الذي أصدره المرجع الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني في 29 سبتمبر/أيلول الماضي -والمتضمن حث الناخبين للمشاركة الواسعة- أربك حسابات الأحزاب الكبيرة.

وفي بيانه أكد السيستاني عدم مساندته لأي مرشح أو قائمة انتخابية. ورحب الرئيس العراقي برهم صالح ببيان المرجعية، ووصفه بالبيان المهم الذي يجعل من الانتخابات مسارا للانتقال السلمي للسلطة ومعاجلة مشاكل البلد.

الفيلي اعتبر أن الانتخابات ستكون خطوة للقضاء على سيطرة القوى السياسية التقليدية (الجزيرة نت)

وفي هذا الصدد يرى الكاتب والباحث السياسي عصام الفيلي أن بيان السيستاني نابع من رغبة المرجعية التي تريد تغيير جذري يحقق للمواطنين تطلعات وطموحات جديدة.

وقال الفيلي -للجزيرة نت- إن الانتخابات المقبلة ستكون خطوة مهمة للقضاء على سيطرة القوى السياسية التقليدية، مشيرا إلى أن الدوائر المتعددة ستدفع باتجاه اختيار شخصيات مستقلة.

وعلى نقيض الدفع باتجاه المشاركة يقول فريق المؤيدين لمقاطعة الانتخابات -ومنهم الكاتب والصحفي حسن حامد- للجزيرة نت، إنه في ظل العملية الديمقراطية ليس هناك بديل سوى المقاطعة التي يعبر من خلالها المقاطعون عن رفضهم للعملية السياسية وما ستنتجه الانتخابات المقبلة.

ويضيف حامد أن المقاطعين يؤمنون بأن وجود السلاح المنفلت والمال السياسي سيوفران فرصة كبيرة لتزوير الانتخابات، ويؤكد أن وجود عوامل التزوير لن تسمح بحصول التغيير الذي يتمناه العراقيون.

البلداوي أعرب عن خشيته من وجود ثغرات في العملية الانتخابية قد تُستغل للتزوير (الجزيرة نت)

هاجس التزوير

وستدفع الأمم المتحدة بـ800 مراقب أممي للمشاركة في مراقبة الانتخابات العراقية إضافة إلى مراقبين آخرين من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، وجميعهم سيتولون مهمة تقديم الإمكانيات الفنية للمحطات الانتخابية ورصد التجاوزات وحالات التزوير.

ورغم الحجم الكبير لأعداد المراقبين والآليات التي تم توفيها؛ فإنه يُعتقد أنها لم تمنع الحديث عن إمكانية حدوث تزوير في الانتخابات المقبلة.

ويشير النائب عن محافظة صلاح الدين محمد البلداوي -في حديثه للجزيرة نت- إلى ثغرات في العملية الانتخابية، تكمن في "المال السياسي السائب" الذي يؤثر على إرادة الناخب، فضلا عن وجود بيع وشراء البطاقات الانتخابية من قبل بعض المرشحين ما قد يفتح الباب امام تزوير النتائج.

ويقول البلداوي إن بعض مسؤولي السلطة التنفيذية ممن رشحوا للانتخابات يعملون على استغلال مناصبهم بغية كسب الأصوات بطريقة غير مشروعة، وهذا يتعارض مع مبدأ الشفافية التي يفترض بالعملية الانتخابية أن تتمتع بها، إذ إن هذه الأفعال تدفع بالبرلمان والحكومة المقبلين إلى سن قرار ينهي فيه حالة التقاطع بين المرشح واستغلال منصبه في المستقبل.

حامد استبعد التغيير في مناصب الرئاسات الثلاث (الجزيرة نت)

تغيير قواعد الحكم

تقوم العملية السياسية في العراق منذ العام 2005 على توزيع الرئاسات الثلاثة، إذ يحصل المكون الشيعي على رئاسة الوزراء والسني على رئاسة البرلمان، أما الأكراد فحصتهم رئاسة الجمهورية، لكن هناك رغبات سياسية في هذه الانتخابات تتحدث عن إمكانية تبادل رئاستي البرلمان والجمهورية بين السنة والأكراد، وهو أمر يستبعد حدوثه الكاتب حسن حامد.

وأوضح حامد أن التغيير في مناصب الرئاسات الثلاث أمر مستبعد وقد يكون مستحيلا، بسبب النظام السياسي الذي تشكل على أساس المحاصصة الطائفية وتقسيم المناصب بين الطوائف، إذ لا يمكن أن تتنازل القوى السياسية عن استحقاقها حتى لو اقترحت بعضها تغيير معادلة الحكم السائدة في العراق.

المصدر : الجزيرة