ما الصعوبات التي يواجهها العراقيون في اختيار ممثليهم في الانتخابات؟

مع اقتراب موعد الانتخابات، يتبادل العراقيون التوقعات بأنها ستكون حاسمة للعملية السياسية التي تشكلت عقب الغزو الأميركي؟ وهل سيتمكن ممثلو الاحتجاجات من الفوز؟

Ahead of early elections in Iraq
جانب من الدعاية الانتخابية في العراق (الأناضول)

تعد الانتخابات العراقية القادمة من أهم الدورات وأكثرها تعقيدا منذ عام 2005 بحسب العديد من المراقبين، إذ ومع اعتماد قانون انتخابي جديد وضع الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة بديلا عن اعتبار كل محافظة دائرة بحد ذاتها، بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم.

الأسطر التالية تحاول تعريف القارئ العربي بالصعوبات التي يواجهها الناخب العراقي، وتسلط الضوء على العديد من النقاط التي قد تكون حاسمة في الانتخابات المقبلة.

من-وسائل-التواصل--المتحدثة-باسم-مفوضية-الانتخابات-العراقية---جمانة-الغلاي
جمانة الغلاي: قانون الانتخابات الجديد وزّع المرشحين وفق 83 دائرة موزعة على المحافظات (مواقع التواصل)

أعداد المرشحين

آلاف العراقيين قدموا أوراق اعتمادهم للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إلا أن مجموع من تمت المصادقة عليهم يبلغ 3249 مرشحا، وذلك بحسب المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي.

وتضيف الغلاي للجزيرة نت أن هذا العدد يعد قطعيا ولا يمكن إضافة أي مرشح آخر إليه، باستثناء الذين استبعدتهم المفوضية من الترشيح لمخالفتهم شروط المفوضية والدعاية الانتخابية، بحسبها.

وعن توزيع المرشحين، أشارت إلى أن قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لعام 2020 وزّع المرشحين وفق أعداد الدوائر الانتخابية والذي يبلغ 83 دائرة انتخابية موزعة على المحافظات وفق التعداد السكاني لكل محافظة.

رئيس مركز التفكير السياسي د. (إحسان الشمري (الجزيرة نت)
الشمري يرى أن الكثير من العراقيين غير مهتمين بالعملية الانتخابية ويجهلون مرشحي مناطقهم (الجزيرة نت)

لماذا يجهل الناخبون مرشحي دوائرهم؟

رغم اقتراب موعد الانتخابات، لا يزال كثير من العراقيين يجهلون مرشحي دوائرهم. وفي هذا الصدد، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن ذلك يعزى للدعاية الانتخابية التي لم تصل بشكل كبير وفاعل للناخبين، فضلا عن أن بعض المرشحين خارج نطاق الرقعة الجغرافية للناخب وبالتالي ومع العدد الكبير، بات من الصعوبة الاختيار من بينهم.

ويضيف الشمري للجزيرة نت عاملا آخر يتمثل بعدم اهتمام الكثيرين بالعملية الانتخابية، وهو ما يؤدي بالمجمل إلى جهل بعض الناخبين بالمرشحين والعملية الانتخابية بصورة عامة، بحسبه.

صورة حصرية - استاذ العلوم السياسية في جامعة بيان - الدكتور علي أغوان
أغوان يرى أن الناخبين ما زالوا بحاجة لمزيد من التوضيح حول تقسيم الدوائر والقانون الجديد (الجزيرة نت)

على الجانب الآخر، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيان علي أغوان أن القانون الانتخابي متعدد الدوائر يعد تجربة جديدة في العملية الانتخابية، وله إيجابيات عديدة أهمها إلغاء معادلة القانون القديم التي تحتسب الأصوات الفائضة لرئيس الكتلة الانتخابية لصالح من يليه في ذات القائمة.

وأضاف للجزيرة نت أنه ورغم الإيجابيات، فإن الناخب لا يزال بحاجة لمزيد من التوضيح حول تقسيم الدوائر الانتخابية والمرشحين فيها وطبيعة وتفاصيل القانون الجديد، وهو ما يحتاج فترة زمنية حتى تصل تفاصيل القانون للناخبين الذين باتوا مشوشين، بحسب وصفه.

ويتفق مع هذا الطرح العراقي منقذ داغر رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة غالوب الأميركية للأبحاث، حيث يقول إن عدم اهتمام الناخب بالانتخابات وعزوفه عن المشاركة فيها يعد سببا رئيسيا في ذلك.

داغر: النظام الانتخابي الجديد سيؤدي لتشتيت الأصوات وستخسر الأحزاب التقليدية مقاعد (مواقع التواصل)

مشكلات الدوائر المتعددة

وفي إفادة حصرية للجزيرة نت، يعلق داغر بالقول "النظام الانتخابي الجديد متعدد الدوائر سيؤدي إلى تشتيت الأصوات، بما يعني أن الأحزاب التقليدية الكبيرة قد لا يكون لديها ذات القدرة على الظفر بذات المقاعد التي حصلت عليها في الدورات الانتخابية السابقة، وهو ما سيقود تلك الأحزاب لشراء ولاء نواب في مرحلة ما بعد الانتخابات فيما يعرف بالمزاد السياسي".

من جانب آخر، يرى رئيس مركز مواطنة للأبحاث غيث التميمي أن المشكلة لا تكمن في قانون الانتخابات متعدد الدوائر الذي يطبق للمرة الأولى، وإنما تتعلق بطبيعة تعاطي العراقيين مع القانون الذي جعل الانتخابات المقبلة بعيدة عن القائمة الانتخابية الواحدة والزعامات السياسية.

ويتابع التميمي -في حديثه للجزيرة نت- أن طبيعية القانون جعل الانتخابات مناطقية وفق الدائرة التي يحق فيها الانتخاب. وبالتالي، ونظرا للأوضاع السياسية السنوات السابقة، فإن الناخب يعزف عن المشاركة بالانتخابات لعدم ثقته بالعملية السياسية التي يسيطر عليها الإعلام التقليدي المسير من قبل الأحزاب النافذة، بحسبه.

التميمي اعتبر أن القانون الجديد شتت جمهور الزعامات السياسية التقليدية (مواقع التواصل)

وضع الأحزاب التقليدية

وتعقيبا على وضع الأحزاب التقليدية وجمهورها الانتخابي في ظل القانون الجديد، يعلق التميمي "بحسب دراسة موسعة أعدها مركز مواطنة، وعلى مدى عامين كاملين، فإن الدوائر المتعددة سيكون لها أثر كبير في توزان القوى في البرلمان القادم بما سيؤدي لآثار إيجابية على الخارطة السياسية المقبلة".

ويتابع أن القانون الجديد شتت جمهور الزعامات السياسية التقليدية، وبالتالي بدأت هذه الزعامات بمحاولة إيجاد تخادم انتخابي لأجل السيطرة على الشارع في الدوائر الانتخابية في مختلف المناطق والمدن.

من جهة أخرى، يرى الباحث السياسي غانم العابد أن القانون الجديد لم يعد ينفع معه تسمية (المرشحين الأقوياء) للأحزاب التقليدية، موضحا أن كثيرا من المرشحين التقليديين يواجهون صعوبات "معقدة" في إقناع الناخب لإعادة انتخابهم مرة أخرى، سيما أن الشارع بات مدركا لتوزيع الدوائر ونوع المرشحين ومدى مقبوليتهم ومستوى الخدمات التي قدموها -إن كانوا نوابا سابقين- أو ما يؤهلهم لشغل مقعد نيابي من خلال سيرهم الذاتية فيما يتعلق بمن يرشح للمرة الأولى، بحسبه.

من مواقع التواصل الاجتماعي - الباحث في الشان العراقي - غانم العابد
العابد اعتبر أن العديد من المرشحين المستقلين واجهات لأحزاب تقليدية (مواقع التواصل)

لماذا لا يثق الناخب بالمستقل؟

ويتابع العابد -في حديثه للجزيرة نت- أن عدم ثقة الناخب بالمرشح المستقل تعزى لأسباب عديدة، أولها أن بعض هؤلاء المرشحين واجهات لأحزاب تقليدية دفعت بهم للترشح مستقلين من أجل كسب الأصوات الانتخابية.

ويعود الشمري ليقول إن عدم ثقة الناخب بالمرشحين المستقلين يعزى للتجارب السابقة التي أثبتت ولاء كثير منهم لكتل وأحزاب سياسية، سيما أن العراقيين تعرضوا لـ "التضليل والخداع" مما أدى بالنتيجة لاهتزاز ثقة الناخبين بالمرشحين الذين يدّعون الاستقلالية، بحسب تعبيره.

من جهته، أوضح التميمي أن كثيرا من الأحزاب التقليدية آثرت التراجع عن تقديمها للشخصيات الرئيسية للانتخابات مقابل دعم قيادات الصف الثاني والثالث كمرشحين مستقلين، وهو ما أدى لفقدان الثقة بالمرشحين الذي يدّعون الاستقلالية.

عزو: كثيرة الطرق التي يتبعها المرشحون بالحملات الانتخابية (الجزيرة نت)

دور التسقيط السياسي

كثيرة هي الطرق التي يتبعها المرشحون بالحملات الانتخابية، وهو ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو الذي يرى أن من بينها التسقيط السياسي المتبع في مختلف دول العالم.

غير أن عزو -وفي حديثه للجزيرة نت- يرى أن "التسقيط" معتمد سياسيا إن اتبع السياقات القانونية دون الدخول في التسقيط الأخلاقي والمذهبي والديني والقومي، موضحا أن التسقيط الأخلاقي غير القانوني بهذه الدورة الانتخابية بات كبيرا، خاصة فيما يتعلق بالمرشحات للانتخابات المقبلة.

من جهته، يضيف الصحفي جمال البدراني -للجزيرة نت- أن المال السياسي باتت له اليد الطولى بالدعاية الانتخابية والتسقيط السياسي في آن معا، لافتا إلى أن الشارع بات يشهد "الحرب الشاملة" بين الأحزاب السياسية وبعض المرشحين ضمن الدائرة الواحدة.

ويتابع البدراني أن التسقيط السياسي لم يقف عند حزب أو كتلة سياسية واحدة، بل يمتد لمختلف الكتل والأحزاب في جميع الدوائر الانتخابية، بحسبه.

Iraqi protesters go on a hunger strike - - BAGHDAD, IRAQ - DECEMBER 23: Protesters go on a hunger strike for their demands as they continue their anti-government demonstrations at Tahrir Square in Baghdad, Iraq on December 23, 2019.
ساحة التحرير مركز الاحتجاجات الشعبية في بغداد للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية ( الأناضول)

تأثير احتجاجات تشرين

كثيرة هي المتغيرات التي شهدها الشارع عقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 والتي خرجت مطالبة بالإصلاح، وبهذا الصدد يعلق الشمري على دورها بالانتخابات القادمة بالقول إن الحراك الشعبي شكل لحظة انقلاب في المزاج الشعبي ضد السياسيين التقليديين خاصة أن هذا الحراك كان قد كشف مدى ما يمكن تسميته "سوء الأداء" للأحزاب السياسية.

ويضيف الشمري -للجزيرة نت- أن خشية المرشحين من الانتخابات القادمة تكمن في تغير النظرة الشعبية للأحزاب والانتخابات، بما يعني فقدان الثقة بالوعود والبرامج الانتخابية مع وجود رأي عام كبير لمقاطعة الانتخابات، سيما عقب الاحتجاجات التي لم تشهد البلاد (خلالها) انفراجا سياسيا او اقتصاديا، فضلا عن انكشاف بعض الأحزاب في خرقها السيادة الوطنية وولائها لقوى خارجية وإقليمية، بحسب تعبيره.

وهو ما يتفق مع طرح العابد الذي أضاف أن حراك تشرين  أدى لاستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وأن الأحداث اللاحقة أثمرت عن انبثاق العديد من الأحزاب المدنية التي تضم نخبا شبابية قد يكون لها حظ بالانتخابات القادمة، بحسبه.

البرلمان العراقي يقر قانونا جديدا لمفوضية الانتخابات
يُنتظر أن تشغل شخصيات جديدة العديد من المقاعد بالبرلمان العراقي (الجزيرة)

هل ستقرر مصير العملية السياسية؟

مع اقتراب موعد الانتخابات، يتبادل العراقيون الآراء فيما إذا كانت الانتخابات القادمة حاسمة في العملية السياسية التي تشكلت عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، بين من يرى أنها مفصلية وآخرين يرون أنها غير ذلك.

وفي هذا الصدد، يقول التميمي إنها لن تكون مفصلية، وإن الفيصل في العملية السياسية يتمثل بالتوافق الإقليمي والدولي في العراق.

أما الشمري فله رأي آخر، حيث يقول إنه "لو أفرزت الانتخابات القادمة شخصيات سياسية جديدة لها القدرة على انتشال البلاد مما هي فيه، فإنها ستكون مفصلية وبشكل إيجابي، أما إن عادت الأحزاب التقليدية لمواضع قوتها في البرلمان والحكومة مع استمرار الفساد فإنها ستكون مفصلية بصورة سلبية، مما قد يؤدي لانهيار العملية السياسية".

على الجانب الآخر، يرى الباحث السياسي العابد أنها ستكون حاسمة ومفصلية من حيث تحديدها مصير العراق، موضحا أن المواطنين يتخوفون من المرحلة التي تعقب ظهور النتائج ومدى تقبل مختلف الأطراف السياسية لها مع وجود سلاح خارج إطار الدولة، بحسبه.

ورغم تعدد الآراء واختلاف وجهات النظر بشأن الانتخابات التشريعية القادمة، فإن مختلف الجهات ترى أنه، ومع كم المتغيرات التي شهدتها البلاد، فإنها تعد الأهم والأخطر.

المصدر : الجزيرة