أكثر من 220 وجها جديدا فازوا في انتخابات العراق.. الجماهير تعاقب الأحزاب التقليدية

Employees of Iraq's Independent High Electoral Commission count votes at the Green Zone in Baghdad
موظفو مفوضية الانتخابات أثناء فرز الأصوات في أحد مراكز الفرز في بغداد (الجزيرة نت)

الموصل– لا تزال تداعيات الانتخابات العراقية الأخيرة -التي توصف بالأكثر جدلا منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003- تتوالى.

فالمشهد السياسي -رغم إعلان أولي عن النتائج منذ أيام- لا يزال غير واضح المعالم، وسط خسارة كبيرة مُنيت بها قوى سياسية تقليدية طالما تمتعت بحضور واسع في البرلمان.

تشكيلة جديدة

أظهرت النتائج الأولية الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مفاجآت كان وقعها صادما على القوى السياسية التقليدية، التي شهدت خسارة كبيرة في عدد مقاعدها البرلمانية.

ووفقا لما نشرته المفوضية على موقعها الرسمي من بيانات حول المرشحين الذين نالوا أعلى الأصوات، فإنه ومن خلال مقارنة الأسماء مع أعضاء مجلس النواب في الدورة الأخيرة، يتبين أن البرلمان الجديد سيضم بين 220 و230 نائبا جديدا لم يدخلوا البرلمان من قبل، أو لم يكونوا نوابا في الدورة الأخيرة، من مجموع 329 هم أعضاء مجلس النواب العراقي.

ولا يقف التغيير عند هذا الحد؛ إذ كشفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن فوز 97 امرأة بمقاعد نيابية، من بينهن 57 امرأة فزن بالقوة التصويتية للناخبين، من دون الاعتماد على "الكوتا النسوية" التي نص عليها الدستور العراقي، والتي لا تقل عن 83 مقعدا نيابيا للنساء في الحد الأدنى.

أفول نجم شخصيات

لم توفر الانتخابات الأخيرة كتلة سياسية بعينها، ورغم أن تحالف "الفتح" (الشيعي) خسر عددا كبيرا من المقاعد، فإن عددا كبيرا من أبرز السياسيين السنة لم يفلحوا في الوصول لقبة البرلمان.

وجاءت النتائج الأولية لتكشف عن أن وزير الدفاع العراقي الأسبق المنحدر من مدينة الموصل (شمال) خالد العبيدي لم يفز في الانتخابات، رغم أنه كان حصل على أعلى الأصوات بالعراق في انتخابات 2018.

ليس العبيدي وحده، إذ إن السياسي السني البارز أسامة النجيفي خسر في الانتخابات الأخيرة، وهو الذي شغل منذ عام 2005 مناصب سيادية عديدة، أهمها منصب رئاسة البرلمان العراقي ونائب رئيس الجمهورية ووزير الصناعة، وهو ما حدث كذلك لرئيس البرلمان العراقي الأسبق سليم الجبوري المنحدر من محافظة ديالى (شرقي البلاد).

من مواقع التواصل الاجتماعي- السياسي المسيحي العراقي - جوزيف صليوا
صليوا رأى أن استبعاد الناخبين للقوى التقليدية يعد معاقبة لهم (مواقع التواصل)

عقوبة للسياسيين

لم تستطع أي كتلة سياسية الحفاظ على مقاعدها؛ فهناك من حقق صعودا واضحا وآخر مني بتراجع كبير؛ فالتيار الصدري حصد أعلى المقاعد بـ72 مقعدا، بعدما كان له 54 مقعدا في البرلمان المنحل، ثم يليه تحالف "تقدم الوطني" بـ37 مقعدا، كما زادت مقاعد كتلة "دولة القانون" التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من 25 إلى 37.

في المقابل، تراجعت مقاعد كتلة "الفتح" التي يتزعمها هادي العامري، وتضم قوى سياسية وفصائل من الحشد الشعبي من 48 مقعدا إلى 15 مقعدا فقط، حسب النتائج الأولية.

وفي ذلك يرى السياسي المسيحي العراقي جوزيف صليوا أن استبعاد الناخبين للقوى التقليدية كان نتيجة حتمية في معاقبة الناخبين لهذه القوى على عدم تحملها مسؤولية أفعالها السياسية والاقتصادية في السنوات السابقة.

ويتابع صليوا -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك سببا آخر يتمثل في عدم مشاركة نسبة كبيرة من العراقيين في الانتخابات الأخيرة، لافتا إلى أن ما أفضت إليه النتائج الأولية يعد مفاجأة كبيرة لهذه القوى التي لم تكن تتصور أن تحصد عددا قليلا من المقاعد.

أما السياسي العراقي المعارض أحمد الأبيض، فيرى أن خسارة القوى التقليدية يعزى لسببين: أولهما أن كثيرا من الوجوه السياسية فقدت شعبيتها حتى بين جمهورها التقليدي، وبالتالي جاءت النتائج مفاجئة لهم.

منشورة على موقع الجزيرة- السياسي العراقي المعارض - أحمد الأبيض
الأبيض يرى أن الأسماء السياسية الكبيرة التي أقصيت في الانتخابات كانت بفعل أتباعهم (الجزيرة نت)

عزوف الناخبين

ويعلق الأبيض -في حديث للجزيرة نت- بأن الوجوه التي أقصيت كانت بفعل أتباعهم، لا سيما أن المشاركة في الانتخابات كانت ضئيلة للغاية، وبالتالي فهذه الانتخابات مثيرة للجدل، وقد تهدد النتائج السلم الأهلي، "في ظل تأكيد النتائج الأولية أن المحور الإيراني خسر، وأن المحور العربي الأميركي قد حقق تقدما كبيرا".

وفي هذا الصدد، يرى الباحث السياسي الكردي عماد باجلان أن خسارة من وصفهم "بمشاهير الساسة" في العراق لها أسباب عديدة اجتماعية وقانونية.

ويقول نسبة كبيرة من الشباب العراقي لم يذهب للانتخابات، وفضّل المقاطعة لعدم قناعته بإمكانية حدوث تغيير، فضلا عن اعتقاده بأن هذا يعد نوعا من جلد العملية السياسية التي تركتهم للبطالة منذ سنوات رغم الموارد الكبيرة للبلاد.

ويضيف باجلان أن العراقيين الذي شاركوا في الانتخابات بات لديهم وعي سياسي كبير، وبالتالي اعتمد جزء كبير من العراقيين على معايير مخالفة لما اعتمدوه سابقا، لا سيما أن بعضا من هذه الأحزاب التقليدية اعتمدت في حيز كبير على شعارات وصفها بـ"الطائفية الفئوية"، حسب تعبيره.

صورة حصرية مرسلة من قبله - المحلل السياسي - عماد باجلان
باجلان يرى أن العراقيين الذي شاركوا في الانتخابات بات لديهم وعي سياسي كبير (الجزيرة نت)

قانون الانتخابات

أما عن الأسباب القانونية التي أسهمت في نتائج انتخابية مغايرة، فيرى أن قانون الانتخاب الجديد حدّ كثيرا من نسب التزوير التي حصلت في الانتخابات الماضية، لا سيما أنه اعتمد على اختيار المرشحين فقط من دون اختيار الكتلة السياسية، وبالتالي لم يعد لرئيس الكتلة السياسية أن يوزع أصوات الناخبين على من يشاء في القائمة ذاتها كما كان معمولا به في قانون الانتخابات القديم.

ويتفق هذا القول مع ما طرحه الخبير الإستراتيجي فاضل أبو رغيف، الذي أضاف أن اعتماد المفوضية في جزء كبير على بطاقات الناخب البايومترية أثر كثيرا في النتائج، مشيرا إلى أن التيار الصدري -الذي حصد أعلى الأصوات- كانت له تحضيرات كبيرة وحملات دعائية مستمرة حثّ فيها قاعدته الشعبية على تحديث بطاقات الناخب.

ويستطرد أبو رغيف في هذه الحيثية ليضيف أن الكتل الأخرى المنافسة للتيار الصدري كانت متقاعسة في حث جمهورها على تحديث بياناتهم، لافتا إلى أن هذه الكتل وأفعالها لم تترك أثرا طيبا لدى العراقيين طيلة السنوات السابقة؛ مما أدى إلى ردة فعل كبيرة تمثلت في عدم التصويت لهذه الكتل أو عدم المشاركة في الانتخابات، حسب تعبيره.

فاضل أبو رغيف
أبو رغيف يرى أن اعتماد البطاقة الانتخابية البايومترية أثر كثيرا في الانتخابات (الجزيرة نت)

وعن مقارنة النتائج الأولية بالانتخابات السابقة عام 2018، يعلق أبو رغيف بأنه لا يمكن المقارنة بين الدورتين، لا سيما أن الانتخابات السابقة شهدت عمليات تزوير منظم، وبالتالي فإن الأرقام الفلكية التي حصلت عليها الكتل التقليدية سابقا تعد غير منطقية، ولا يمكن المقارنة معها".

وفي ما إذا شهدت الانتخابات الأخيرة أية عمليات تزوير، يرى أن المفوضية كانت ملزمة وفق القانون بإعلان النتائج خلال 24 ساعة بعد إغلاق صناديق الاقتراع، وبالتالي هذا أدى إلى إرباك المشهد السياسي، وإلى نزع الثقة في مفوضية الانتخابات من قبل كثير من الكتل السياسية، لا سيما أن النتائج الانتخابية بدأت تشهد تغييرا بعد ساعات على إعلان النتائج.

صورة حصرية للموقع - الصحفي العراقي - جمال البدراني
البدراني رأى أن صعود نواب من رحم الاحتجاجات سيظل حاضرا فترة طويلة (الجزيرة نت)

تتعدد الأسباب التي يذكرها المراقبون في تفسير خسارة القوى السياسية التقليدية بالعراق، ويورد الصحفي العراقي جمال البدراني سببا آخر يتمثل في الوعي السياسي الذي أقرته مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي غيّرت كثيرا من مفاهيم السياسة لدى العراقيين.

البدراني -وفي حديثه للجزيرة نت- أضاف أن مفارقات الانتخابات الأخيرة وصعود نواب من رحم الاحتجاجات سيظل حاضرا فترة زمنية طويلة، لا سيما أن الوعود والإسقاطات الطائفية وما وصفه باستخدام العاطفة من قبل السياسيين لم يعد يجدي نفعا لدى قسم كبير من الناخبين العراقيين.

وإثر المطالبات بالتحقق من النتائج الأولية للانتخابات، وفرز المفوضية مئات الصناديق الانتخابية التي لم تحص إلكترونيا؛ تشير الأنباء إلى ارتفاع مقاعد كتلة "الفتح" إلى 16 أو 17 مقعدا، مع تراجع التيار الصدري إلى 71 مقعدا.

وحاول مراسل الجزيرة نت التواصل مع كل من المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي وحسين الهنداوي مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات للوقوف على آخر تحديث، إلا أن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.

ومع فرز نحو 96% من صناديق الاقتراع بالعراق، لا يبدو أن المتبقي يؤثر على تسلسل الكتل الفائزة، لا سيما أن التيار الصدري متقدم على أقرب منافسيه بما يقرب من الضعف.

أسباب عديدة أدت إلى خسارة القوى التقليدية جزءا كبيرا من نفوذها في البرلمان، غير أن العراقيين -ورغم إعلان النتائج الأولية- لا يزالون متخوفين من المرحلة القادمة، لا سيما أن الكتل الخاسرة ترفض النتائج؛ مما قد يمهد لمرحلة سياسية أكثر صعوبة في البلاد.

المصدر : الجزيرة