هل توقف بريطانيا صادرات السلاح إلى إسرائيل؟

نقابيون بريطانيون يغلقون الطريق أمام مصنع أسلحة إسرائيلي منتقدين "تواطؤ" حكومتهم (الجزيرة)
نقابيون بريطانيون يحاصرون مصنع سلاح في بريطانيا مطالبين بوقف إطلاق النار (الجزيرة)

تتصاعد في الآونة الأخيرة حملةٌ متزايدةٌ ضد الحكومة البريطانية؛ لوقف صادرات السلاح للاحتلال الإسرائيلي في إطار الحراك الشعبي الكبير ضد حرب الإبادة التي تستهدف قطاع غزة منذ أكثر من ستة أشهر.

الحملات التي استهدفت مصانع السلاح وقطع الغيار العسكرية المصدَّرة إلى "إسرائيل" ليست جديدة. وقد بدأت منذ سنوات، قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والحرب الحالية التي راح ضحيتها أكثر من 33 ألفًا من المدنيين الفلسطينيين، تحت غطاء غربي، سياسي وعسكري ودبلوماسي.

احتجاج عنيف

فقد برزت منذ عدة سنوات حركة باسم "بالستاين أكشن"، نفذت العديد من النشاطات التي استهدفت مصانع السلاح البريطانية التي تتعامل مع الاحتلال. وتميّزت هذه الحركة بكونها تمارس الاحتجاج المباشر النشط (Direct Action)، مثل: تكسير البوابات، أو احتلال المباني، أو إغلاق المنافذ، أو رش الطلاء، وتخريب الممتلكات التي تعود لهذه المصانع.

لقد جلبت هذه الممارسات جدلًا واسعًا في أوساط الحركة التضامنية قبل هذه الحرب، بين مؤيد ومعترض على الطريقة الخشنة، والتي تستدعي في بعض الحالات اعتقالات ومحاسبات قضائية بحق مرتكبيها.

لكن وجهات النظر اختلفت بعد هذه الحرب التي مارس فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي كل الموبقات اللاأخلاقية وغير القانونية. فقد سارَ منهج حركة "بالستاين أكشن،" على قاعدة أن الاحتجاج من نوع الفعل. فكون هذا النوع من الممارسات الاحتجاجية، موجّهًا ضد مصانع سلاح، هي -أساسًا- أدوات قتل ودمار تنتهك القانون الدولي، فإن التعبير الاحتجاجي غير السلمي قد لا يتناقض مع الآثار الإنسانية الناتجة عن نشاط تلك الشركات.

لقد شهدت الأسابيع الأخيرة انضمامًا جماعيًا لحركة التضامن البريطانية في مطالبات مركّزة حول وقف صادرات السلاح البريطاني إلى إسرائيل. واستندت المطالبات إلى كون استمرار تصدير السلاح هو مخالفة قانونية صريحة في ظل ترجيح انتهاك إسرائيل قواعدَ القانون الدولي الإنساني خلال هذه الحرب من قبل عدة هيئات دولية. وبالتالي وفّرت هذه الحرب أرضيةً قانونيةً صلبة، ودليلًا كبيرًا على مخالفة التصدير للقواعد القانونية.

استشارة قانونية

وقد دفع هذا الحكومة البريطانية إلى أخذ هذه القضية على محمل الجد في ظل عاملين أساسيين: الأول متعلق بتراجع الدعم الغربي لحرب الإبادة بعد القناعة بمبالغة إسرائيل في عدوانها، وإمكانية ارتكابها جرائم إبادة جماعية. والثاني متعلق بتعاظم الحركة الاجتماعية المؤيدة للفلسطينيين، التي بدات لأول مرة في التاريخ السياسي البريطاني حاضرةً في الموقف الانتخابي للأحزاب السياسية.

في ضوء ما سبق، حصلت حكومة ريشي سوناك على استشارة قانونية بهذا الخصوص من المحامي الرسمي للحكومة بشكلٍ سري، قبل أن يتسرب المضمون للإعلام، الذي أشار إلى أنّ الدلائل تشير إلى عدم التزام الجيش الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني، وهو ما يمكن أن يُرتب مسؤوليةً قانونيةً على مصدري السلاح للكيان. وقد اعترفت إليزيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بأنّ "الحكومة استكملت استشاراتها القانونية بخصوص التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني، وأظهرت أنها لم تبدِ التزامًا بذلك".

كما أجرت مؤسسة "يوغوف" العريقة المتخصصة باستطلاع الرأي العام في بريطانيا، استطلاعًا حول صادرات السلاح البريطاني إلى إسرائيل، حيث أشارت نسبة 56٪ من الناخبين الإنجليز إلى أنهم يؤيدون منع صادرات السلاح، بينما كشف الاستطلاع عن أنّ 59٪ من الناخبين يرون أن إسرائيل قامت بانتهاكات حقوق إنسان في غزة.

إلى جانب هذا الضغط المتعدد الجوانب على حكومة المحافظين من أجل مسألة التزامها القانوني بخصوص واردات السلاح لإسرائيل، وقّع أكثر من 600 محامٍ بريطاني على رسالة موجّهة للحكومة البريطانية تتضمن تعليقًا قانونيًا بأن استمرار واردات السلاح لإسرائيل سيُعد انتهاكًا قانونيًا.

وكان اللافت في هذه الرسالة أنها تضمنت توقيع عددٍ من قضاة المحكمة العليا البريطانية السابقين، بينهم رئيسة المحكمة السابقة، ليدي هيل. كما كان بين الموقعين حوالي 60 مستشارًا رفيع المستوى بمرتبة KC، أي مستشار ملك، إضافةً لأكاديميين وقضاة رفيعي المستوى.

حركة منظمة ومسيّسة

لو تمّت المقارنة بين هذه المعطيات كجملة واحدة، مع تعاظم تأييد حركات الاحتجاج ضد سياسات دعم إسرائيل، فإن حركة احتجاجية ذات منهج خشن مثل "بالستاين أكشن" قد تحصل على تأييد كبير، بعد أن تركت ممارساتها في السابق جدلًا واسعًا؛ نظرًا لطبيعتها غير السلمية أحيانًا.

كما أن مثل هذه المعطيات رفعت من حساسية الأحزاب السياسية التي تُجهّز نفسها لانتخاباتٍ عامة بعد حوالي 8 أشهر فقط، خاصة بعد اشتهار الشعار الذي ينادي به المتظاهرون بعنوان No Justice, No Vote، أي لا تصويت بدون عدالة.

لقد ارتبطت قضية الحرب على غزة- والانتهاكات التي مورست بغطاءٍ واسع من قبل دولة مثل بريطانيا، سواء من قبل الحكومة ممثلةً بحزب المحافظين، أو من قبل المعارضة العمالية- بمفهوم العدالة الإنسانية، رغم المحاولات الحثيثة والفاشلة من قبل النخبة السياسية، ووسائل الإعلام التقليدية الكبرى؛ لإقناع الشارع بأنها حرب ضد الإرهاب، وليس ضد المدنيين.

إن الضغط المتصاعد على الحكومة من أجل اتخاذ قرار في قضية محددة، مثل وقف صادرات السلاح، مسألة تنظيمية بالدرجة الأولى. فالحركة التضامنية مع فلسطين في بريطانيا هي حركة شديدة التنظيم، ومسيّسة بشكل عميق، وتتمتع بشكيمة قوية في التزاماتها تجاه القضايا التي تدافع عنها.

من هنا يبدو التركيز على قضية وقف صادرات السلاح، يأتي في نطاق تقديم مطالبات ذات تركيز واضح ومحدد للحصول على إنجاز فعلي على الأرض، بدل البقاء في المطالبات العامة بتعديل الموقف السياسي من الحرب.

عادةً ما ترتبط مثل هذه المطالبات لدى حركة التضامن باحتمالات التطبيق. أي أن الحركة التضامنية لا تطلق حملاتها من أجل المطالبة بالتزام حكومي صعب المنال. فهي حركة تدرك تمامًا حجم الالتزامات الغربية، والبريطانية خاصة، تجاه دولة الاحتلال. ولا تتحرك هذه المنظمات في فضاء منعزل عن إكراهات وتحديات السياسة العامة للبلاد.

إنجاز جديد

لو أضفنا إلى هذا الفهم حقيقة أن صادرات السلاح البريطاني للاحتلال، وفقًا لوزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، بلغت 53 مليون دولار فقط في عام 2022، فإن اختيار قضية الضغط تبدو واقعية من حيث الإمكانية. فهذا مبلغ زهيد، ولا يؤثر لا في الاقتصاد البريطاني، ولا في ماكينة الحرب الإسرائيلية. ويبقى أثره السياسي هو الأهم، وهو الهدف الأول من حملة الضغط.

ولذلك، فقد ألمحت الحكومة البريطانية إلى إمكانية اتخاذها إجراءات من هذا القبيل في ظل استمرار نتنياهو في حربه دون أي اعتبار لرأي داعميه المتضررين من حركة الشارع وتصاعد مطالبها.

فقد أشار سوناك خلال اتصال هاتفي مع نتنياهو، في ضوء تسريب الاستشارة القانونية آنفة الذكر، إلى أن الحكومة قد تكون مضطرة لإمكانية تصنيف إسرائيل كمنتهكة للقانون الدولي، وهو ما يمهّد الطريق لاتخاذ قرار بوقف صادرات السلاح.

إن إمكانية اتخاذ الحكومة البريطانية مثل هذا القرار مسألة ليست بعيدة أو مستحيلة. فالإشارات التي بدت حتى الآن من قبل المسؤولين الحكوميين تشير إلى استجابات ممكنة في هذا السياق. فهو من جهة، ضغط بريطاني على نتنياهو بإجراءات "ممكنة" من حيث قيمتها الجوهرية على الأرض، بحيث لا تترك آثارًا ضارة بإسرائيل ميدانيًا، وإنما تساهم في ضغط سياسي. ومن جهة أخرى، تستجيب للمطالبات الشعبية في قضية صادرات السلاح.

إن وصول هذا الملف إلى طاولة النقاش والاستشارات الحكومية والحزبية، هو بحد ذاته إنجاز جديد يُسجل لحركة التضامن العالمية مع فلسطين. فقبل الحرب كانت الحكومات ترفض مجرد الالتفات إلى مثل هذه المطالبات، وتتجاهل بفوقيّة وعناد المنظمات التي تنادي بها، إذ إن إجراءات بهذا المستوى بحق إسرائيل من قبل دولة حليفة مثل بريطانيا تُعد إجراءات غير مسبوقة، ولا يمكن أن تأتي في ظروف طبيعية. أما اليوم، فهي إجراءات تمت دراستها، وتتهيأ الحكومة لمثلها في حال استمرّ المشهد في انسداده القائم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.