من سينافسُ الرئيس قيس سعيد في انتخابات خريف 2024 الرئاسية؟

الرئيس قيس سعيد (يمين) خلال استقباله رئيس المجلس الأعلى للانتخابات التونسية المستقلة فاروق بوعسكر الشهر الجاري (الأناضول)

بعد طول صمت خرج الرئيس التونسي قيس سعيد عن صمته بشأن الموعد الانتخابي الأهمّ الذي تنتظره تونس خلال السنة الجارية ألا وهو الانتخابات الرئاسيّة.

موعد حامَ كثير من التخمينات حول موعده، وما إذا كان الرئيس التونسي سيترشح لعهدة رئاسية جديدة، والأهمّ من كل ذلك، من هم الذين سينافسونه في ذلك السباق الذي سيجري في مناخ سياسي مختلف جذريًا تقريبًا عما كان سائدًا قبل انطلاق ما بات يعرف بمسار الخامس والعشرين من يوليو/ تموز؟.

جدل الموعد

لم يعد هناك مجال للشكّ، فبحسب ما صرح به الرئيس التونسي ووثقته صفحة الرئاسة التونسية على مواقع التواصل الاجتماعي، في لقاء جمعه برئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، ستجرَى الانتخابات الرئاسية في موعدها.

الرئيس التونسي أكد في ذلك اللقاء على ضرورة التصدي للإخلالات القانونية في كل مراحل العملية الانتخابية من تقديم للترشحات، وحملة انتخابية، وفي عملية الاقتراع نفسها.

سعيد أشار في حديثه مع بوعسكر إلى أنه ليس من المقبول أن يتم اعتماد ترشحات لأشخاص تتعلق بذمتهم قضايا خطيرة من قبيل الإرهاب، دون أن يوضح كعادته من المقصود بذلك التوصيف. وأشار سعيد كذلك إلى ظاهرة "المال السياسي" ودورها في "تسميم" العملية الانتخابية؛ خدمة لمن وصفهم بالفاسدين الذين يعملون على ما سمّاه "تزوير العقول".

ولعل أهم إشارة تضمنها منشور الرئاسة التونسية هو حديث الرئيس سعيد عن مفارقة تسكن خطاب وممارسات معارضيه الذين قال؛ إنهم قاطعوا كل المحطات الانتخابية التي تلت انطلاق مسار الخامس والعشرين من يوليو/تموز وتأسست عليه، غير أنهم يصلون حاليًا الليل بالنهار في إعداد العدة للانتخابات الرئاسية القادمة.

وختم سعيد مداخلته بالقول؛ إن معارضيه ينسون وهم في غمرة التطلع إلى المنصب الرئاسي أنه تكليف وليس بتشريف، واصفًا إياه بالابتلاء والوزر الثقيل.

قراءة اعتبر الرئيس التونسي على أساسها أن معارضيه يغطّون في أحلام اليقظة، وهم غارقون فيما قال؛ إنها اجتماعات في السر والعلن لتحقيق هدفهم الأساس وهو الوصول إلى سدة الحكم عبر كرسيّ الرئاسة.

جاءت المواقف التي أطلقها سعيد بعد ما وصف من قبل مراقبين بالحملة الانتخابية المبكرة التي دشّنها من خلال زيارات ميدانية عديدة لعب فيها الرجل دور رجل الحكم والمعارضة الاحتجاجية في الآن ذاته، منتقدًا الوضع الاقتصادي في البلاد ومتعهدًا بتغييره جذريًا من خلال ما درج على تكراره من ضرورة الضرب على أيادي الفاسدين والمحتكرين والخونة وأصحاب الأجندات المرتبطة بالخارج.

قلبُ النظام

كرس الجدل الدائر حول الموعد الانتخابي مؤسّسة الرئاسة في تونس بوصفها قلب النظام وقطب الرحى في نظام الحكم؛ بفعل التغييرات الكبيرة التي أدخلها الرئيس التونسي على البناء السياسي في البلاد، فبعد أن جاءت ثورة ألفين وعشرة بنظام برلماني بأداء سياسي واقتصادي متعثّر، جمع الدستور الذي كتبه وفرضه الرئيس سعيد بنفسه صلاحيات واسعة وغير مسبوقة بيد الرئيس ليجعل من بقية السلطات مجرد وظائف تعمل في خدمة الدولة.

وبعد أن كانت عشرية الانتقال الديمقراطي مجالًا لتنافس وصراعات الأحزاب والتيارات الفكرية والاجتماعية، تمحورت الحياة السياسية في تونس حول الرئيس سعيد، حتى اتهمته المعارضة بكونه فيها الخصامَ وهو الخَصم والحكم.

ويعتبر هذا الواقع دافعًا كبيرًا وكافيًا حتى يضع الجميع بيضه في سلة المراهنات الانتخابية الرئاسية، فمن يريد أن يغير الواقع السياسي في البلاد لا يستطيع ذلك إلا إذا نال كرسيّ الرئاسة، وتمتع بما يمنحه من صلاحيات مطلقة، بقطع النظر عما إذا كان سيحتفظ بها أم سيطيح بها لفائدة قواعد مختلفة للعبة السياسية.

وإذا كانت المعارضة، قد أعلنت مقاطعتها مواعيدَ انتخابية سابقة، مثل: التشريعية وانتخابات مجلس الأقاليم، فإنها سوّقت لسبب رئيسي جعلها تلزم ذلك الموقف ألا وهو اعتبار ما أقدم عليه الرئيس سعيد انقلابًا على الثورة وعلى الانتقال الديمقراطي في تونس، وبالتالي كان رفض المواعيد الانتخابية من قبيل أن "ما بني على باطل فهو باطل".

لكن الأمر يبدو مختلفًا فيما يتعلق بالرئاسيات، ليس فقط بالنظر إلى قيمة وفاعلية مؤسسة الرئاسة ومحوريتها في الواقع السياسي الراهن، وإنما كذلك بالنظر إلى خلاصة انتخابيّة من المواعيد السابقة، تمثل في الحقيقة مفارقةً على نحو غريب، ذلك أن المعارضة التي تتهم نظام الرئيس سعيد بكونه انقلابيًا قوَّض المكتسبات الديمقراطية، لم تتهمه بتزوير نتائج تلك المواعيد مكتفية بالإشارة إلى تردّي المناخ السياسي، وتراجع الحريات على نحو فرض تصحرًا سياسيًا في البلاد، وأفرغ تلك المواعيد من أي مضمون سياسي ذي قيمة أو أثر عملي حقيقي قد يترتب عليها.

هذه المقاربة تترك الباب مواربًا أمام رهان انتخابي رئاسي قد يقود إلى ما يمكن وصفه بالمفاجأة الانتخابية المحتملة، وهو ما يفسر جدلًا تشهده المعارضة التونسية؛ بين من يرى جدوى في المشاركة، ومن يرى ذلك عبثًا وتزكية مجانية لما يعتبرونه انقلابًا يجب أن تتم مقاطعته جذريًا.

الجانب الآخر من المفارقة، يتمثل في المسافة البينية الصارخة بين استناد خطاب الرئيس سعيد إلى الشعب إلى الحد الذي يتهم فيه بالشعبوية، ونِسب المشاركة التي حصدتها المناسبات الانتخابية والاستشارات التي أمر بها، وهي النسب التي جاءت غير مسبوقة في ضعف الإقبال.

عزوف جماهيريّ برّره الرئيس سعيد بالإرث السيئ الذي تركته عشرية الانتقال المتعثر في ذهنية التونسيين، حتى باتت الانتخابات والاستشارات عندهم آخر ما يريدون المشاركة فيه.

منطق ترد عليه المعارضة بكون ذلك قد يكون مفهومًا في الشهور الأولى بعد ما أقدم عليه سعيد، أما أن يستمر الأمر سنة بعد أخرى، ففي ذلك من وجهة نظرهم دلالة لا تخطِئها سوى عين الجاحد، وهي العزلة التي بات عليها سعيد ومساره، واستناده فقط للقوى الصلبة في الدولة التونسية لفرض توجهاته.

محكّ مختلف

هذه المرة يتعلق الأمر برهان انتخابي مختلف، فبحديثه عن منافسة رئاسية في موعدها يقبل الرئيس التونسي التحدي ليضع شعبيته وخياراته على المحك، غير عابئ فيما يبدو بالرسالة التي بعثت بها إليه نسب الإقبال الضعيفة للغاية للجمهور على مواعيد سابقة، ليظهر في مظهر واثق الخطوات الذي يضرب موعدًا آخر مع التاريخ كما درج على قول ذلك في مناسبات أخرى.

يعني بذلك موعدًا مع التاريخ يتجاوز حجم البلاد وحدودها وهمومها إلى مشاكل البشرية التي يرى سعيد أنّ الأوان حان ليتم فهمها والتعاطي معها بطريقة تختلف جذريًا عما يسود عالم اليوم شرقًا وغربًا.. شمالًا وجنوبًا.

بالقدر الذي يجتهد فيه الرئيس التونسي في إدراج المشهد التونسي في سياق تاريخي وجيوسياسي أوسع، ترى المعارضة أنّ مشكلة البلاد يجب التعامل معها "الآن.. وهنا"، حيث مناخ سياسيّ ترى تلك المعارضة إنه جرى تأطيره سياسيًا وقضائيًا وأمنيًا، حتى بات توجيه أدنى انتقاد للسلطة أو عمل جماعي لأجل إحداث تغيير فيها، مبررًا لاتهام المعارضين بأخطر التهم من قبيل الخيانة والتآمر على أمن الدولة، دليلهم في ذلك القيادات السياسية المسجونة منذ مدة شرعت تطول على ذمة قضايا يصفها محامو الدفاع بالفارغة والمسيسة حتى النخاع.

في القراءة السياسية ترى المعارضة أنّ الرئيس سعيد الذي يتهم خصومه بالسعي للاستحواذ على الرئاسة، يستوي هو على كرسيها حاكمًا لا رادّ لكلمته وبنص دستوري، مؤكدة- أي المعارضة- أن الرئيس التونسي لا يقول الحقيقة عندما ينفي التراجع عن الحريات أو توظيف القضاء والأمن للتنكيل بمعارضيه والمختلفين معه، وهو الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى موعد انتخابي رئاسي مرتقب تجتهد السلطة الحالية في تفصيله على مقاس رغبات وأفكار الرئيس سعيد، وذلك من خلال استبعاد كل الأسماء الجادة والقادرة على منافسته منافسة حقيقية تهدد بقاءَه في قصر قرطاج.

مع ذلك تقول مؤشرات؛ إن المعارضة تقلّب خياراتها بشأن كيفية التعاطي مع هذه المحطة الانتخابية، وإمكانية التوصل إلى مرشح ما خالٍ من الملاحقات القضائية وقادرٍ على مخاطبة الشارع التونسي وحشده وراء تغيير جديد، مستندًا إلى ما أفضت إليه سنوات سعيد من أزمة اقتصادية خانقة انعكست بشكل واضح على معيشة التونسيين صفوفًا طويلة في انتظار ما تيسّر من الخبز والحليب وغيرهما من المواد الأساسية التي تبخّر دعم الدولة لأسعارها، فالتهبت صعودًا منهكة بذلك المقدرة الشرائية للمواطنين.

ها هنا تدور رحى التخمينات مجددًا لتسأل:

من يا ترى سينافس الرئيس سعيد في الانتخابات الرئاسية القادمة؟

أسماء.. وأسماء أخرى

يمكن القول؛ إنه حان الوقت للحديث عما يمكن وصفه ببورصة الأسماء المحتملة لمنافسة الرئيس سعيد في المنازلة الانتخابية المرتقبة في حال وجدت طريقها إلى التنفيذ.

في هذه البورصة يغنّي كل على ليلاه ويرمي بسهمه عسى يصيب عقول وقلوب التونسيين ولو من طرْف خفي، ذلك أن البوح بخارطة الطريق قد يجعل أوراق المترشح المحتمل والمعسكر الذي يمثله تحترق قبل الأوان لسبب أو لآخر.

دون جزم وعلى استحياء يجري تداول أسماء من قبيل المنذر الزنايدي السياسي المخضرم العابر من زمن الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي إلى زمن ما بعد عشرية الانتقال الديمقراطي، بوصفه "رجلَ دولة" قادمًا من بعيد، وهو إن لم يعلن رسميًا ترشحه إلا أن صفحات افتراضية شرعت تطرحه كوجه للمستقبل يمكن أن يعود بتونس إلى "تقاليد سياسية عريقة"، قامت على معادلة بين هيبة الدولة والحد الأدنى الديمقراطي، مع إعطاء الأولوية لقضايا التنمية وأعبائها الثقيلة في استعادة لمفردات خطاب عهد "التجمع الدستوري الديمقراطي".

الرجل بهذا التوصيف يبدو قريبًا من الاستفادة من جمهور زعيمة الحزب الحر الدستوري القابعة حاليًا في السجن على ذمة ملف قضائي عبير موسِي، وهو كذلك غير بعيد عن شبكة النفوذ والمصالح التقليدية التي تبحث عن صيغة سياسية "لا يجوع فيها الذئب ولا يشتكي منها الراعي".

هذا علاوة على أنه يبدو مقبولًا من قبل تقاطع لإرادات إقليمية ودولية يمكن لها أن تتعاطى مع من يذكّرها بالرئيس الراحل بن علي، وهي التي يبدو أنها تفضل نظامًا رئاسيًا على آخر برلماني، لكن ليس بالصلاحيات المطلقة التي خصّ بها سعيد نفسه، الأمر الذي يفسر مواظبة واشنطن وعواصم غربية على دعوة سعيد لتعديل مساره السياسي وانتهاج الشراكة السياسية بدل الاستبداد بالرأي والقرار.. لكن دون جدوى.

تبقى العقبة الكأداء في طريق الزنايدي في حال قرر أن يترشح، شموله بالتحقيق مع قيادات سياسية أخرى في شبهة تبييض للأموال. ولعل الرجل لم يعلن ترشحه حتى الآن في انتظار أن يحسم القضاء في اتجاه ما يسمح أو يوقف الطموح الرئاسي المفترض للرجل.

تحت وطأة التحقيقات القضائية تقبع أسماء عديدة منها ألفة الحامدي التي أعلنت مبكرًا ترشحها لانتخابات ألفين وأربعة وعشرين الرئاسية، لتخوض ما تقول؛ إنها معركة ملاحقات قضائية فرضت عليها من قبل دوائر محيطة بالرئيس سعيد، مستنجدة به أحيانًا ليضع حدًا لكل ذلك.

ينطبق نفس الأمر على عدد لا بأس به من الوجوه السياسية، مثل: صافي سعيد، وفاضل عبد الكافي، ناهيكم عن الموقوفين من قبل في قضايا فساد وتآمر على أمن الدولة من قبيل زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، والقيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي وغيرهما ممن وجهت لهم تهم الفساد والتآمر لتبديل هيئة النظام.

وترى المعارضة في هذه الحالة ما يذكرها بالتجربة المصرية التي لم يخفِ الرئيس سعيد يومًا إعجابه بها، ففي بلاد المحروسة جرى تأطير الانتخابات قضائيًا وأمنيًا ليسمح بمنافس ضعيف.

يرى الرئيس سعيد ومناصروه كل هذه السردية ضربًا من إطار سياسي يجري فيه تدوير اتّهامات تدور في فلك الصراع على المناصب والمغانم المحتملة، في وقت ينهمك فيه الرئيس التّونسي في معركة شرسة مع أعمق دوائر الفساد وأشد معاقل دوائر النفوذ في محاولة مستبسلة لإخراج البلاد مما تردّت فيه ومعالجة مشاكلها بعلاج جذري لا يكتفي بإصلاح المنوال المتوارث، وإنما يستبدله بآخر مختلف تمامًا، وهو ما يشكّل في نظرهم الجوهر الثوري لمسار سعيد، والانعكاس الأصدق لمطالب التونسيين في دولة تعبّر عنهم وتكون في خِدمة تطلعاتهم.

من خارج الصندوق

سواء أكنتَ من مناصري عشرية الانتقال الديمقراطيّ أو من أنصار المسار الذي فرضه الرئيس سعيد، أو حتى ممن يطرحون طريقًا ثالثًا بين هذا وذاك، سيعترض طريقك حديث كثير بشأن الصندوق وما يحيط به في تونس، على نحو يطرح سؤالًا قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى:

هل الصندوق الانتخابي هو ما سيحدد الملامح السياسيّة في تونس في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة للسنة الجارية؟

نعم، إذا جارينا من يرى أن الصندوق الانتخابي لم يفقد مصداقيته بالكامل حتى في نظر معارضي سعيد، وهم يرونه يقرّ بنسب مشاركة هزيلة للغاية على عكس ما تفعله كل الدكتاتوريات في العالم قديمًا وحديثًا.

لا، إذا ما تذكرنا حديث سعيد نفسه عن دور المال الفاسد والحملات الدعائية المغرضة والمكائد السياسية المدعومة من الخارج، وحديث المعارضة عن التأطير الأمني والقضائي المسبق للواقع السياسي في البلاد حتى صارت تتحول شيئًا فشيئًا إلى ثُكنة كبيرة على الجميع فيها أن يستوي ويعتدل وَفق من يصفونه انتقادًا بالحاكم بأمره.

بَيدَ أن مقاربات أخرى تذكر من ينسى أن المسار السياسي في تونس قد تصنعه إرادات تعرف كيف تحوك شعارات وعناوين سياسية وتنسج تحالفات دون أن تتناقض مع الصندوق، ذلك أن كل المنافسات الانتخابية التي شهدتها عشرية الانتقال الديمقراطي أعقبتها توافقات على نحو من المحاصصة السياسية التي لم تسلم هي الأخرى من انتقادات لاذعة.

تشير هذه الحقيقة إلى احتمال لا يمكن استبعاده بحال، يتمثل في مساحة ما لصفقات يتم ضمنها تبادل المكاسب والتنازلات، قد تعقدها أطراف طافية على السطح السياسي، وأخرى تفضل أن تبقى بعيدة عن الأضواء والأنظار، محتفظة بأوراقها إلى الوقت الحاسم.

أطراف اختبرت تجربة غير مسبوقة في العالم العربي وهي طي مسار الانتقال الديمقراطي مستعملة شعاراته وأهدافه المعلنة، مسقطة مكاسبه من خلال صندوق الاقتراع الذي يعدّ واحدًا من أهم أدوات الفعل السياسي الضامن للرقابة السياسية والتداول السلمي على السلطة.

لا يخفي معارضون دهشتهم لما يعتبرونه انقلابًا رخيص الثمن، تم بأصوات الناخبين وبتحالف حزبي واسع، دون الحاجة لإراقة قطرة دم واحدة، مع أريحية تفسح لمعارضي المسار إمكانية التظاهر وعقد الندوات ضمن منطق "أنت تقول ما تشاء.. ونحن نفعل ما نشاء"..

فما الذي يمنع أن نعيد تلك التجربة سيرتها الأولى بصندوق انتخابي آخر، تتم هندسة مناخه السياسي على نحو يبرر انتقالًا للسلطة نحو تمديدٍ للرئيس سعيد أو تغييرٍ في اتجاه وجه آخر بات مخضرمًا هو الآخر بالجمع بين سنوات العمل داخل القوى الصلبة، وأخرى ضمن التشكيلات الحكومية.

كيف لا، وبن علي حكم في الأمس القريب قادمًا من مؤسسة الجيش، قبل أن يتقلب في مناصب وزارية خلع فيها بذلته العسكرية ليلبس أخرى مدنية، لتجعلَ منه أزمةٌ خانقة رجلَ الخلاص بامتياز، ذلك الذي نقل البلاد إلى مشهد جديد بوعود عريضة ومتنفس حقوقي مؤقت، متمتعًا بتوافق داخلي وخارجي منحه أفضل الظروف لانطلاق ما وصف يومها بالعهد الجديد والتغيير المبارك.

المشكلة في كل هذه القراءات الصادرة عن المعارضة وعن السلطة، أنها تصبّ مزيدًا من الزيت على حطب التخمينات، دون أن يستطيع أي كان الجزم بفرضية دون أخرى والجزم بمسار على حساب غيره، ما يؤكد أن الرئيس سعيد بدد في لقائه برئيس هيئة الانتخابات قليلًا من دُخَان المشهد، فأكثره لا يزال بحاجة إلى خليط من الوقت المأزوم والخيارات الحرجة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في بلد أنهكته السياسة، ويكاد يجهز عليه الاقتصاد، وهو يتوسط رهانات إقليمية ودولية ضاغطة.

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.