حكم مودي وتقويض ديمقراطية الهند

A general view of the Indian parliament on 05 February 2014. The last parliament session of the 15th Lok Sabha session begins as India is scheduled for the General election in May 2014 and Indian Prime Minister Manmohan Singh hoped that important bills are passed in the last session of parliament. EPA/STR

في ولاية كارناتاكا بالهند؛ يؤيد حاكم الولاية تكليف حزب بهاراتيا جاناتا بتشكيل الحكومة، رغم حصول ائتلاف معارض على عدد أكبر من المقاعد في المجلس التشريعي للولاية. وقد أثار الجدال الدائر -بشأن ذلك- الانتباهَ للطريقة التي اختُزل بها الموقف الدستوري لخدمة المصالح السياسية للحزب الحاكم في الهند.

تشكل المؤسسات العامة القوية التي تعمل فوق أجواء التناحر السياسي أهمية بالغة لأي ديمقراطية. ولكن في السنوات الأربع الأخيرة؛ أصبحت كل هذه المؤسسات -التي لا تقدّر بثمن في أكبر ديمقراطية في العالَم (الهند)- مهددة في ظل حكومة بهاراتيا جاناتا الهندوسية الشوفينية العدوانية، التي تعمل على توطيد سلطتها.

ولننحّ حكام الولايات جانبا (طلب حزب بهاراتيا جاناتا منهم أن يستقيلوا جميعا لإفساح المجال أمام المعيَّنين سياسيا بعد فوزه في انتخابات 2014 مباشرة)؛ ونبدأ بالنظام القضائي الذي خضع للتدقيق والتمحيص منذ يناير/كانون الثاني، عندما عقد أكبر أربعة قضاة في المحكمة العليا مؤتمرا صحفيا غير مسبوق، للتشكيك في طريقة إسناد كبير القضاة ديباك مِيسْرا للقضايا.

وقد أوحت تعليقاتهم ضمنا بأن مِيسْرا يخصّ بالقضايا قضاته المفضلين، ويفترض في هذا أنه محاولة لتأمين نتائج تحابي الحكومة (وإن كان هذا لم يُذكَر صراحة). وبعد ثلاثة أشهر؛ قامت عدة أحزاب معارضة بتعميم دعوى عزل ضد ميسرا في مجلس الشيوخ بالبرلمان.

تشكل المؤسسات العامة القوية التي تعمل فوق أجواء التناحر السياسي أهمية بالغة لأي ديمقراطية. ولكن في السنوات الأربع الأخيرة؛ أصبحت كل هذه المؤسسات -التي لا تقدّر بثمن في أكبر ديمقراطية في العالَم (الهند)- مهددة في ظل حكومة بهاراتيا جاناتا الهندوسية الشوفينية العدوانية، التي تعمل على توطيد سلطتها

وبعد أن رفض رئيس مجلس الشيوخ ونائب الرئيس الهندي فينكايا نايدو الدعوى؛ طلب اثنان من أعضاء البرلمان من المحكمة العليا الطعن في القرار. لكن ميسرا عَيّن قاضيا يبدو أنه محبب لديه للاستماع إلى الطلب الذي تقدمت به الأحزاب، الأمر الذي دفع النواب إلى سحب قضيتهم. وربما يكون ميسرا آمنا؛ لكن صورة القضاء تلقت ضربة قوية لن تتعافى منها بسهولة.

كما تلقت سمعة لجنة الانتخابات في الهند ضربةً قوية العام الماضي، وهي التي تحمل سجلا طويلا من إدارة الانتخابات الحرة والنزيهة، رغم أنها تتألف إلى حد كبير من موظفين مدنيين تعينهم الحكومة لفترة ولاية ثابتة.

ففي ابتعاد عن مدونة السلوك التي تحكم عملها؛ أعلن رئيس اللجنة الانتخابية -الذي عيَّنه حزب بهاراتيا جاناتا آنذاك أتشال كومار جيوتي- مواعيد الانتخابات في ولاية هيماشال براديش، وولاية غوجارات بفارق 13 يوما، رغم أن الولايتين تذهبان إلى صناديق الاقتراع في نفس الوقت عادة.

وقد زعمت اللجنة الانتخابية أنها أخرت موعد انتخابات غوجارات حتى لا تتسبب مدونة السلوك الانتخابي (التي تقيد الإنفاق الحكومي بالولاية) في إعاقة عمليات الإغاثة من الفيضانات.

لكن أغلب الهنود يعتقدون أن بهاراتيا جاناتا مارس الضغوط على اللجنة الانتخابية لحملها على تأخير الإعلان لأطول فترة ممكنة، حتى يتمكن من اجتذاب ناخبي اللحظة الأخيرة الذين لا علاقة لهم بعمليات الإغاثة من الفيضانات.

وفي وقت لاحق؛ أعلنت حكومة غوجارات -وكذلك رئيس الوزراء نارندرا مودي– العديد من هذه المخططات. وقد أدان مفوضو الانتخابات السابقون بالإجماع قرار اللجنة الانتخابية، لكن دون جدوى.

وما زاد الطين بلة هو أن اللجنة الانتخابية قررت في يناير/كانون الثاني استبعاد 20 من أعضاء الحزب العاديين من المجلس التشريعي في دلهي لأسباب فنية، وهو التصرف الذي كان سيعود بالنفع على حزب بهاراتيا جاناتا لو أعقبته انتخابات تكميلية على مقاعده.

وقد ألغت محكمة دلهي العليا هذا القرار واصفةً إياه بأنه "رديء وينتهك مبادئ العدالة الطبيعية". ولكن كما هي حال السلطة القضائية؛ كان الضرر وقع فعلا: فما كان ذات يوم الحارسَ المحايد للعملية الديمقراطية في الهند؛ يعمل الآن -تحت ضغط من حزب بهاراتيا جاناتا- على تشويه دوره، وإضعاف مكانته بين الهنود.

وتزداد قائمة المؤسسات الهندية التي تفقد مصداقيتها على نحو متزايد ببنك الاحتياطي الهندي؛ فقد أثارت عملية سحب العملة الكارثية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انتقادات واسعة النطاق لبنك الاحتياطي الهندي، وذلك لفشله في أداء واجباته الائتمانية.

من المؤكد أن بنك الاحتياطي الهندي لم يُستَشَر على النحو اللائق عندما اتخذ حزب بهاراتيا جاناتا القرار؛ لكنه فشل مع ذلك -بشكل روتيني- في توقع المشاكل التي قد يُحدثها المخطط، كما فشل في استخدام استقلاله لتحسين عملية التنفيذ والتخفيف من الآثار السلبية.

فقد أصدر بنك الاحتياطي الهندي -بدلا من ذلك- 138 إخطارا بشأن عملية سحب العملة على مدار سبعين يوما، وكان كل إعلان جديد يرقى إلى تعديل لإعلان سابق حول مقدار الأموال التي يمكن سحبها ومتى. وبدا الأمر وكأن بنك الاحتياطي الهندي تحول إلى دمية تتلاعب بخيوطها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا.

في يناير/كانون الثاني من العام الفائت؛ كتب المنتدى الموحد لمسؤولي وموظفي بنك الاحتياطي الهندي إلى الحكومة لتسليط الضوء على "سوء الإدارة التشغيلية"، التي زعم أنها "أضعفت استقلالية بنك الاحتياطي الهندي وسمعته بدرجة غير قابلة للإصلاح".

وبسبب صمته؛ أصبح محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتل أشبه بحَمَل وديع. ولكن في حالتنا هذه؛ كان في "صمت الحِملان" أشد الضرر لبنك الاحتياطي الهندي ذاته، وكانت العواقب -مرة أخرى- طويلة الأمد.

كما كانت حكومة مودي راغبة في تسييس المؤسسات الأمنية؛ فمثلا عند تعيين الجنرال بابين راوات رئيسا لأركان الجيش، تجاوزت الحكومة جنرالين أعلى رتبة، مستهزئة بذلك بمبادئ الأقدمية المعمول بها منذ الأزل.

إضافة للبرلمان؛ يجري تسهيل الهجوم على مؤسسة أخيرة بالغة الأهمية: الصحافة الحرة، التي تبدو الآن وكأنها أُخضِعَت -إلى حد كبير- لقوة الحكومة المتغطرسة، ناهيك عن ترهيبها الواضح والاستيلاء على منافذ التيار السائد. إذا سُمِح باستمرار هذا الهجوم على مؤسسات الهند، فقد يفقد عامة الناس ثقتهم في النظام كليا. وهذا من شأنه أن يحمل عواقب لا يمكن تقديرها على الأصل الأكثر قيمة في الهند: الديمقراطية

وعلاوة على ذلك؛ استخدمت الحكومة الجيش مرارا وتكرارا في دعايتها السياسية، وكشفت علنا تفاصيل عملياتية كانت الحكومات السابقة تبقيها سرا (مثل الإعلان عن توجيه "ضربة جراحية" لقواعد الإرهابيين بمنطقة تسيطر عليها باكستان).

وخلال انتخابات ولاية كارناتاكا الأخيرة؛ استغل الرئيس مودي ذاتُه المؤسسةَ العسكرية الهندية على نحو فاضح لتحقيق غاياته القصيرة الأمد، عبر شجب أول رئيس وزراء للهند بسبب مزاعم عن إهانة اثنين من قادة الجيش ينتميان إلى هذه الولاية، رغم أن هذا لم يحدث قَط.

ولم تسلم شرطة دلهي ووكالات التحقيق الفدرالية -وخاصة مكتب التحقيقات المركزي- من التسييس أيضا؛ فقد وُصِف مكتب التحقيقات بأنه "ببغاء في قفص" في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا، مع عمله الذي يُعَد الآن -في أحيان كثيرة- ذا دوافع سياسية، بعد أن وُصِف ذات يوم بأنه المعيار الذهبي في مكافحة الجريمة الهندية.

كما أُفرِغ قانون الحق في الحصول على المعلومات -الذي يهدف إلى ضمان الشفافية والمساءلة- من مضمونه بسبب تثاقل الحكومة، ورئيس ديوان المظالم الوطني أو الممثل القانوني، الذي لم يعيَّن بعد ما يقارب خمس سنوات من صدور قانون لإنشاء هذا المنصب.

كما ألقِيت ظلال من الشك على نزاهة المجلس المركزي للتعليم الثانوي، بعد تسريب أسئلة امتحان المدارس الوطنية، مما أرغم 1.6 مليون طالب على إعادة الامتحان. كما نشأت مشاكل مماثلة تتعلق باختبارات القبول لدراسة القانون والطب، فضلا عن الاختبارات لمناصب كهنوتية.

وفي وقت أصبح فيه عدد الوظائف أقل كثيرا من أعداد العمال؛ قد يؤدي تدني مستوى الثقة في نظام الاختبارات التنافسية -كوسيلة لتقييم الطلاب- إلى تقويض السلام الاجتماعي.

وحتى البرلمان الهندي -وهو "معبد الديمقراطية"- شهد تحول أعماله إلى مهزلة، لأن حلفاء حزب بهاراتيا جاناتا وأنصاره تعمدوا دفع جلسة الميزانية بمجلس النواب إلى طريق مسدود في أبريل/نيسان 2018. ومع زعم رئيسة المجلس -التي عينها حزب بهاراتيا جاناتا- أنها لم تتمكن من "إحصاء الرؤوس" وسط الضجيج؛ لم يُطرَح اقتراح أحزاب المعارضة بسحب الثقة من الحكومة للمناقشة.

يجري تسهيل مثل هذا السلوك بالهجوم على مؤسسة أخيرة بالغة الأهمية: الصحافة الحرة، التي تبدو الآن وكأنها أُخضِعَت -إلى حد كبير- لقوة الحكومة المتغطرسة، ناهيك عن ترهيبها الواضح والاستيلاء على منافذ التيار السائد.

إذا سُمِح باستمرار هذا الهجوم على مؤسسات الهند، فقد يفقد عامة الناس ثقتهم في النظام كليا. وهذا من شأنه أن يحمل عواقب لا يمكن تقديرها على الأصل الأكثر قيمة في الهند: الديمقراطية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.