إدارة ترمب تصهين الحل السياسي والعرب يتآمرون

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) shakes hands with with U.S. Vice President Mike Pence during their meeting at the Presidential Palace in Cairo, Egypt January 20, 2018. REUTERS/ Khaled Desouki/Pool

صفقة صهيونية بامتياز
نهاية الوساطة الأميركية
مستقبل التسوية والصراع 

قرر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب الدفع بحل سياسي للقضية الفلسطيني يستند إلى ما يطرحه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من حل إقليمي، يقضي بعملية تطبيع مع الدول العربية تتجاوز الحل السياسي للقضية الفلسطينية وتركز على محاصرة إيران بالتعاون مع دول عربية، وإجبار الفلسطينيين على القبول بعمليات توطين تشمل صحراء سيناء والأردن ودولا أخرى فيها ثقل سكاني من اللاجئين، كدول الخليج وأوروبا.

ويأتي ذلك ضمن توجه الرئيس الأميركي للتركيز على الصين وكوريا الشمالية، وإيجاد تسوية في المنطقة تمهد للانسحاب المحسوب منها للتفرغ لتحديات محلية وأخرى دولية (منها الصين وكوريا الشمالية وإيران)، وإن كانت ليست منها مواجهة روسيا التي تمدد نفوذها في المنطقة، وخصوصا عبر الوجود القوي والمهيمن في سوريا.

صفقة صهيونية بامتياز
بدأ ترمب -منذ تسلمه قيادة أميركا- في التسويق لصفقة أقنعه بها صهره اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر، الذي عينه مستشاراً له وكلفه بعملية السلام في الشرق الأوسط.

كما عين ترمب مسؤولا متطرفا آخر هو جيسون غرينبلات مبعوثا خاصا له إلى الشرق الأوسط، ويُطلَق على هذا الرجل لقب مهندس صفقة القرن التي تسعى لإنهاء القضية الفلسطينية عبر حل قضيتيْ اللاجئين والمستوطنات، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسيناء، إضافة إلى الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان.

كما أن غرينبلات هو من وضع شروطا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ومنها الابتعاد عن الثنائية في المفاوضات، والبدء بالحل الإقليمي. وهو الذي طالب بقطع المساعدات عن الأسرى، وعدم تحويل الأموال إلى قطاع غزة، فضلا عن تأكيده أن الانسحاب إلى حدود 1967 أمر غير وارد بالمرة.

جيسون غرينبلات هو من وضع شروطا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ومنها الابتعاد عن الثنائية في المفاوضات، والبدء بالحل الإقليمي. وهو الذي طالب بقطع المساعدات عن الأسرى، وعدم تحويل الأموال إلى قطاع غزة، فضلا عن تأكيده أن الانسحاب إلى حدود 1967 أمر غير وارد بالمرة

وعمل كوشنير وغرينبلات على إنجاز خطة تقوم على التالي:
1- ضمان تفوق الكيان الصهيوني في محيطه بتحييد التهديدات التي تواجهه والمتمثلة في المقاومة الفلسطينية، عبر حل سياسي يصفي القضية وينهي مشكلتها.

2- استغلال رغبة حكام السعودية في تثبيت الوريث القادم محمد بن سلمان لجعل السعودية -بما تملكه من ثقل مالي وسياسي- تنفذ السياسات الأميركية في المنطقة، وعلى الأخص تبنّي إنهاء القضية الفلسطينية وتجميع المنطقة في مواجهة إيران، والضغط على عباس للعودة غير المشروطة إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين.

3- إنجاز ما يسمى صفقة القرن التي ستوجِد حلا لتصفية قضية للاجئين الفلسطينيين، وتنهي قضية القدس بقبولها عاصمة موحدة للكيان.

4- إنهاء قضية المستوطنات، واستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية دون تحريك الموقف الإسرائيلي في قضايا الحل النهائي.

5- القضاء على المقاومة الفلسطينية بالمضي قدما في الحل السياسي، والملاحقة الأمنية للمقاومة، وتجفيف منابعها المالية والبشرية.

6- إخضاع تركيا وقطر اللتين تمثلان غطاء معنويا وسياسيا للمقاومة، وذلك بإشغال تركيا بصراعها مع الأكراد، وقطر بمحاولة فك الحصار عنها، فضلا عن إدماج مصر في الحل باعتبار أن جزءا من التوطين سيتم على أراضي سيناء.

أما الأردن -الذي يشعر بضياع دوره بسبب اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة موحدة للكيان- فستتم معالجة هواجسه سياسيا وماليا ليقبل بالتوطين على أراضيه.

استكمالا للدور المتصهين لإدارة ترمب؛ جاءت تصريحات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أمام الكنيست بتأكيد نقل السفارة الأميركية للقدس عام 2019، وذلك تنفيذا للقرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.

وكانت زيارة بنس محفوفة بالتوتر مع الأردن، إذ أبلغه العاهل الأردني عبد الله الثاني -في العاصمة عمّان- أن "القرار الأميركي بشأن القدس لم يأت في إطار تسوية شاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمثل مصدرا محتملا لعدم الاستقرار في المنطقة". إلا أن ذلك لم يمنع بنس من القول لملك الأردن إن أي خلاف يتعلق بالحدود والوضع النهائي سيُحلّ بالتفاوض، متجاهلا بذلك تأثير قرار ترمب بشأن القدس على العملية برمتها.

نهاية الوساطة الأميركية
وعيّن الرئيس الأميركي المحامي والمستشار الخاص به خلال الحملة الرئاسية اليهودي ديفد فريدمان سفيرا لبلاده لدى إسرائيل، وهو يدعم نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، كما عبّر عن دعمه لتوسيع الاستيطان في الضفة، ويرفض كذلك حل الدولتين.

وينبع دعم أعضاء فريق ترمب في البيت الأبيضمن كونهم يهودا، إلا أن دعم بنس يأتي لكونه مسيحيا إنجيليا، يرى أن قيام إسرائيل وهيمنتها يعجل بقدوم المسيح المخلص الذي سيقود معركة "هرمجدون"، التي ستؤدي إلى الانتصار على الكفار وباتّباع اليهود للمسيح أو قتلهم. وهذه العقيدة لا تخدم اليهود في النهاية، ولكنها بالنسبة للصهاينة محطة في اتجاه الحصول على الدعم الأميركي.

كشف قرار ترمب بشأن القدس عن ازدواجية مواقف قادة كل من مصر والسعودية، فهم يرفضون القرار علنا ويتعاونون معه سرا، باستثناء الأردن الذي أبدى معارضة شرسة للقرار، لكن اعتراضه يمكن احتواؤه بالمساعدات المالية، ولكن مسألة السيادة على الأماكن المقدسة تظل عقدة خاصة بعد تدخل السعودية في المنافسة عليها

وقد رأت صحيفة الأوبزرفر البريطانية أن دور الولايات المتحدة كوسيط سلام في المنطقة انتهى بعد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وهي محقة في ذلك لولا أن الموقف العربي كان متآمرا لمصالح ومكاسب شخصية.

وقد كشف قرار ترمب عن ازدواجية مواقف قادة كل من مصر والسعودية، فهم يرفضون القرار علنا ويتعاونون معه سرا، باستثناء الأردن الذي أبدى معارضة شرسة للقرار دون أن يتمكن من زحزحة الموقف الأميركي. كما أن اعتراض الأردن يمكن احتواؤه بالمساعدات المالية، ولكن مسألة السيادة على الأماكن المقدسة تظل عقدة خاصة بعد تدخل السعودية في المنافسة عليها.

وفي هذا الإطار؛ جاءت تصريحات رئيس لجنة خدمات الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين التي قال فيها إن مصر تتقهقر إلى الوراء، مشيرا إلى أن حملة عبد الفتاح السيسي غير المسبوقة على "النشاط السياسي وحقوق الإنسان الأساسية أدت إلى سجن عشرات الآلاف من المعارضين، بمن فيهم 19 مواطنا أميركيا وحوالي 3500 شاب".

وأضاف السيناتور: "فوجئنا باعتقال عدد متزايد من المرشحين للرئاسة أجبروا على الانسحاب، مما يؤكد وجود مناخ قمعي وخوف من زيادة الانتقام. ومن دون منافسة حقيقية؛ فإنّه من الصعب أن نرى كيف يمكن لهذه الانتخابات أن تكون حرة أو عادلة".

وقال معلقون سياسيون إن الإدارة الأميركية تُدرك أن السيسي انقلابي وقاتل، ولكنها تحتاجه -في هذا الوقت- لاستكمال صفقة القرن، خصوصا في الشق المتعلق منها بسيناء.

مستقبل التسوية والصراع
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فقد بدأ التلويح بالعصا لعباس حينما قال ترمب إن "الفلسطينيين قللوا من احترام الولايات المتحدة، وإذا لم يوافقوا على العودة إلى محادثات السلام برعاية واشنطن، فإننا سنعلق مساعدات بمئات ملايين الدولارات". وأعرب عن أمله في أن "يعود الفلسطينيون إلى المنطق السليم للسعي من أجل السلام".

من ناحية أخرى، أكد ترمب -خلال اجتماعه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس- أن "السفارة الأميركية سيتم افتتاحها بالقدس في وقت ما من العام المقبل…، لقد أزلنا القدس من طاولة المفاوضات" حول أي تسوية قادمة مع الفلسطينيين.

ومن ناحيتها، قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي-في كلمة لها بالأمم المتحدة- إن "عباس رفض دور واشنطن في عملية السلام"، مؤكدة أن "السلام الحقيقي يتطلب قيادة لديها إرادة ومرونة للمضي في عملية السلام، إلى جانب الاعتراف بالحقائق الصعبة".

أمام هذا التصهين الأميركي، وانهيار عملية التسوية، وافتقار السلام الإقليمي إلى أي فرصة للحل رغم اندماج السعودية ومصر فيه؛ تبرز الحاجة إلى موقف فلسطيني موّحد يستند إلى رؤية وطنية جامعة، للتصدي لخطر الهيمنة الصهيونية المدعومة أميركيا

يأتي ذلك رغم ضعف موقف السلطة أصلا، حيث رفض عباس الانطلاق من المجلس المركزي الفلسطيني لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن التسوية وإسرائيل، كما فشل في إنجاز إجماع وطني فلسطيني لمواجهة تصفية القضية، إذ لم ينعقد المجلس الوطني بحضور كافة القوى بما فيها حماس والجهاد، ورفض اتخاذ أي خطوات لإطلاق مصالحة حقيقية ووقف حصار غزة على الأقل.

وأمام هذا التصهين الأميركي، وانهيار عملية التسوية، وافتقار السلام الإقليمي إلى أي فرصة للحل رغم اندماج السعودية ومصر فيه؛ تبرز الحاجة إلى موقف فلسطيني موّحد يستند إلى رؤية وطنية جامعة، للتصدي لخطر الهيمنة الصهيونية المدعومة أميركيا.

وفي هذا السياق؛ جاء خطاب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية ليضع النقاط على الحروف، حينما دعا إلى عقد مؤتمر فلسطيني شامل في الداخل والخارج، لمناقشة إستراتيجية فلسطينية تتصدى للإستراتيجية الأميركية/الإسرائيلية لضرب قضيتنا الوطنية.

وطالب هنية بأن يكون على رأس الإستراتيجية: تعزيزُ المصالحة الوطنية على قاعدة الشراكة والديمقراطية، والإسراع بإنجاز خطواتها دون عوائق وتلكؤ، وإنهاء معاناة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية تلك الإستراتيجية في ظل فشل إستراتيجية المفاوضات والتسوية، مضيفًا أن "أوسلو أصبح خلف ظهورنا، ونريد أن نتفق على المقاومة بكل أشكالها".

إن استمرار رفض عباس لإيجاد برنامج وطني فلسطيني جامع سيجعله عاجلا أم آجلا خارج إطار المعادلة الفلسطينية، خصوصا أن واشنطن لوّحت له بعدم أهليته، الأمر الذي يجعله يلجأ إلى شعبه لا أن يتنكّر له.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.