خيارات منظمة التحرير بعد اجتماع "المركزي"

صورة من اجتماع المجلس المركزي

السلطة وحدود قدرتها
وضعية المجلس المركزي
الخيارات المتاحة للسلطة 

انعقد المجلس المركزي الفلسطيني يوميْ 14-15 يناير/كانون الثاني 2018 لمناقشة إعلان دونالد ترمب اعتبار بلاده القدس عاصمة لـ"اسرائيل"، بعد قرابة ستة أسابيع من الإعلان. وهو ما يعكس إما حالة الترهل التي وصلت إليها المؤسسات الرسمية الفلسطينية، أو عدم الرغبة في اتخاذ قرارات ذات أهمية.

ورغم الخطابات الرنانة التي حفل بها اليوم الأول لاجتماع المركزي، وما تلاها من تهديدات ضد الولايات المتحدة و"إسرائيل؛ فإن البيان الختامي لم يخرج عن المتوقع واكتفى بتوصيات رآها البعض قوية، لكنها في حقيقة الأمر صيغت وأخرِجت بطريقة ترفع الحرج لكنها لا تصل حد المواقف الحاسمة.

السلطة وحدود قدرتها
كانت أهم توصيات اجتماع المركزي الفلسطيني الأخير هي:
1- تعليق الاعتراف بـ"إسرائيل" وإحالته إلى منظمة التحرير، وهو ما جرّد التوصية من مضمونها لأنها غير ملزمة.

2- وقف التنسيق الأمني الذي سبق للمجلس المركزي أن أوصي به عام 2015، لكن السلطة لم تلتزم به؛ فجاء هذه المرة تكراراً بلا معنى.

3- اعتبار اتفاقية أوسلو والاتفاقات الأخرى منتهية دون التنصل أو الانسحاب منها، والبقاء على التزامات السلطة.

خلت تلك التوصيات من أي قرار أو فعل حقيقي، وجاءت محاولة للظهور بمظهر من انتفض ضد القرار الأميركي، لامتصاص غضب الشارع الفلسطيني دون أي التزام من أي نوع.

رغم الخطابات الرنانة التي حفل بها اليوم الأول لاجتماع المركزي، وما تلاها من تهديدات ضد الولايات المتحدة و"إسرائيل؛ فإن البيان الختامي لم يخرج عن المتوقع واكتفى بتوصيات رآها البعض قوية، لكنها في حقيقة الأمر صيغت وأخرِجت بطريقة ترفع الحرج لكنها لا تصل حد المواقف الحاسمة

اللافت في الاجتماع كان حضور القنصل الأميركي رغم الحديث عن وقف الاتصالات مع إدارته، وكان من اللافت أيضاً غياب وزير ومحافظ القدس عن الاجتماع!

لم يعد خافياً عجز القيادة الفلسطينية المتنفذة عن اتخاذ أي قرار أو إجراء ذي تأثير، وهو أمر صاحب كل قراراتها منذ ثمانينيات القرن الماضي فيما عُرف بسياسة "لعم" (أي "لا" و"نعم")، وإبقاء كل القرارات والتوصيات حمّالة أوجه وتفاسير يمكن التراجع عنها دون الحاجة لإقرار نقيضها.

قيادة السلطة اليوم تستمر على ذات النهج، خاصة في ظل التبعية الاقتصادية المطلقة للاحتلال، ليس فقط عبر اتفاقية باريس الاقتصادية، لكن أيضاً بإجراءات على الأرض تجعل من المستحيل على تلك القيادة اتخاذ أي خطوة ضد الاحتلال وسياساته، منها المقاصة والضرائب والرواتب والتحويلات التي تمر جميعها عبر سلطات الاحتلال.

الاعتماد على المساعدات والمعونات عامل آخر، وهو ما وعته إدارة ترمب؛ إذ أصدر الكونغرس الأميركي قراراً -قبل إعلان ترمب بيوم واحد، وفي تزامن مقصود معه هدفه الضغط والتذكير- يدعو لوقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية أو تخفيضها.

كما هددت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي بمعاقبة أي دولة تُعارض اعتبار القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وهو ما تُرجم بوضوح بخفض المساهمة الأميركية في ميزانية الأونروا إلى النصف (65 مليون دولار) بحسب تقارير، الأمر الذي اعتبره رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو إنجازاً غير مسبوق.

المحيط الإقليمي يضغط لكن ليس في اتجاه دعم تلك السلطة، بل باتجاه قبول ما يُفرض عليها من صفقات وحلول لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وسط هرولة غير مسبوقة إلى التطبيع مع دولة الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، إضافة لحملات إعلامية تشويهية ضد كل ما هو فلسطيني، تقودها دول معروفة في المنطقة باتت تعمل عرّاباً ووسيطاً للإدارة الأميركية.

إذا أضيفت لما سبق الامتيازاتُ الشخصية الخاصة لقيادة تلك السلطة في الحركة والتنقل والتجارة، واحتمالات خسارتها إن سُحبت منهم؛ فإنه يمكن حينها معرفة درجة العجز الذي وصلت إليه، وعدم القدرة مطلقاً على اتخاذ أي خطوة تعارض ما يُفرض عليها، ولن تكون القدس آخر مظاهر هذا العجز.

وضعية المجلس المركزي
يعكس اجتماع المجلس المركزي الأخير حال المؤسسات الفلسطينية بشكل عام: تغييب وتهميش، وفقدان للشرعية، وخرق للوائحه الداخلية، وتفرد مطلق بالقرارات. وهنا يكفي أن نوضح بعض النقاط لتأكيد ما سبق:

– تنص اللائحة الداخلية للمجلس في المادة السابعة على أن "جلسات المجلس سرية، ولا يجوز حضورها لغير الأعضاء، إلا أنه يجوز للرئيس في حالات استثنائية تقتضيها المصلحة العامة، أن يدعو من هم من غير الأعضاء للمشاركة في أعمال المجلس، أو الإدلاء ببيانات دون أن يكون لهم حق التصويت". وفي الاجتماع الأخير؛ كانت الجلسات علنية وحضرها من هبّ ودبّ، دون التزام باللائحة الداخلية.

المحيط الإقليمي يضغط لكن ليس في اتجاه دعم السلطة، بل باتجاه قبول ما يُفرض عليها من صفقات وحلول لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وسط هرولة غير مسبوقة إلى التطبيع مع دولة الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، إضافة لحملات إعلامية تشويهية ضد كل ما هو فلسطيني، تقودها دول معروفة في المنطقة

– أما المادة الثامنة فتنص على أنْ "ينعقد المجلس دورياً -بدعوة من رئيسه- مرة كل ثلاثة أشهر، أو في دورات غير عادية -بدعوة من رئيسه- بناءً على طلب من اللجنة التنفيذية، أو من ربع عدد أعضاء المجلس، وتوجه الدعوة للاجتماع قبل موعد الانعقاد بوقت معقول، ويُرفق بالدعوة مشروع جدول الأعمال".

والملاحظ أن المجلس لا ينعقد دورياً، وقد يغيب انعقاده سنوات، فآخر دورة سبقت الأخيرة كانت في مارس/آذار 2015، ولم ينعقد مؤخراً إلا لتمرير ما يطلبه رئيس السلطة دون اعتراض يذكر.

– أعضاء المجلس لم يتغيروا منذ تأسيسه، ويبقى الأموات أعضاء فيه، ولا توجد انتخابات ولا مشاركة في الاختيار، بل زيادة للأعضاء بحسب المزاج؛ فقد بدأ المجلس بـ32 عضواً عند تأسيسه عام 1977.

ونشير هنا إلى أن عدد أعضائه اليوم غير معروف كما هو الحال مع المجلس الوطني، والأسماء المعتمدة هي الأسماء الواردة في الدورة 21 للمجلس المركزي عام 2008، علماً بأن الدورة الأخيرة كانت الدورة الـ28 وفي لائحة أعضائها 128 اسماً. ولكم أن تتخيلوا كم وصل عددهم الآن!

– عدد كبير من أعضاء المجلس على لائحة المستقلين هم أعضاء بارزون وقيادات في حركة فتح، منهم أحمد حلس وناصر القدوة وصائب عريقات ومروان البرغوثي، وهو ما يعكس عدم تمثيله الحقيقي للشعب الفلسطيني، والهيمنة المطلقة لفصيل بعينه عليه.

ورغم وجود فصائل أخرى في المجلس -كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية- فإنها مكبلة جميعاً بالمخصصات الشهرية تحت طائلة وقفها، كما حدث في أبريل/نيسان 2016 عندما أوقف محمود عباس مخصصات الجبهتين من الصندوق القومي الفلسطيني، لمعارضتهما إجراءاته في حينها.

ومع انسداد الأفق السياسي، والتغيرات السلبية الحاصلة في المنطقة، والانحياز المطلق من الإدارة الأميركية للاحتلال، وعجز السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية عن مواجهة الضغوط واتخاذ أي قرار؛ ما هي الحلول الممكنة قبل ضياع ما تبقى من القضية؟

الخيارات المتاحة للسلطة
سبق أن أشار كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات -بحسب وكالة "كونا"- في كلمة خلال مناقشات الوضع في الشرق الأوسط نظمها معهد السلام الدولي عام 2010؛ إلى مجموعة من الخطوات المتسلسلة للخروج من المأزق السياسي، وقد حصر صائب عريقات في حينها خيارات السلطة فيما يلي:

الخيار الأول: استمرار المفاوضات بشرط الوقف التام للاستيطان.

الخيار الثاني: مطالبة الجانب الأميركي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 4 يونيو/حزيران 1967.

الخيار الثالث: التوجه إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967.

الخيار الرابع: التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن البند المعروف باسم تحالف من أجل السلام.

الخيار الخامس: مطالبة الأمم المتحدة بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية.

الخيار السادس: وقف تطبيق الاتفاقات الموقعة مع "إسرائيل".

الخيار السابع: حل السلطة، ووضع إسرائيل أمام مسؤولياتها كدولة احتلال.

اليوم وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على تلك الخيارات؛ تجد السلطة نفسها محصورة في خيارات أقل ربما لا تتعدى الخيارات الأربعة الأخيرة.

الحديث عن انهيار السلطة تهرُّب من المسؤولية، ومحاولة للتملص من تحمل النتائج التي أفضى إليها نهج أوسلو التفاوضي، ورفض الاعتراف بهزيمة يتعرض لها هذا النهج اليوم. والقبول بمبدأ انهيار السلطة -لا مناقشة خيار حلها- هو مقامرة جديدة بمصير الشعب الفلسطيني، وقفزة في الهواء نحو المجهول، وعبثية جديدة تضاف لسجل السلطة

وقد طالبت الفصائل الفلسطينية -سواء المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية أو التي هي خارجها- وكذلك العشرات من الشخصيات الاعتبارية الفلسطينية؛ منظمة التحرير ومجلسها بثلاثة مطالب محددة: سحب الاعتراف بدولة الاحتلال، ألغاء اتفاق أوسلو، وقف التنسيق الأمني، معتبرين أنه من دون ذلك لا فائدة من الاجتماعات والتصريحات.

وما بين خيارات السلطة -كما أوردها عريقات- ومطالب "الكل الآخر" تتضاءل إمكانية المناورة السياسية لدى السلطة، ليبرز احتمال الانهيار التام للسلطة مع دعوات لحلها (وردت مؤخراً على لسان عزت الرشق القيادي في حماس) بعد أن استنفدت المطلوب منها.

ومما يعزز ذلك تغول "إسرائيل" بإعلانات وقرارات ضم الضفة الغربية والمستوطنات فيها، والإجراءات المتخذة على الأرض لمحو الهوية الفلسطينية بالكامل. وهو احتمال يزداد قوة مع انعدام باقي الخيارات.

يستصعب البعض فكرة حل السلطة لكنه يتقبل فرضية انهيارها باعتبارها نهاية محتومة لعملية سلام فاشلة، ورغم أن النتيجة واحدة وهي نهاية إفرازات أوسلو وما نجم عنها من اتفاقات؛ فإن طرح انهيار السلطة ينطوي على مخاطر كبيرة ليس أقلها عدم الاستعداد والتحضير، وانهيار المؤسسات والخدمات بشكل كامل، دون إيجاد بدائل واضحة ولو مؤقتا.

الحديث عن انهيار السلطة تهرُّب من المسؤولية، ومحاولة للتملص من تحمل النتائج التي أفضى إليها نهج أوسلو التفاوضي، ورفض الاعتراف بهزيمة يتعرض لها هذا النهج اليوم. والقبول بمبدأ انهيار السلطة -لا مناقشة خيار حلها- هو مقامرة جديدة بمصير الشعب الفلسطيني، وقفزة في الهواء نحو المجهول، وعبثية جديدة تضاف لسجل السلطة.

والواقع أنه ما بين دعوات حل السلطة والمخاوف من انهيارها، وما بين التمسك بها؛ تبقى الساحة السياسية الفلسطينية بحاجة إلى جرد حساب، وسواء كان الحل في إنهاء السلطة أو الإبقاء عليها، فإنه لا بد من خطوات عملية تُبقي كافة الاحتمالات والخيارات مفتوحة.

إن تغيير الفلسفة التي قامت عليها السلطة الفلسطينية من سلطة أمنية عاجزة ومعدومة الخيارات، إلى سلطة تحرير وتحرر بإصلاح مؤسساتها وتغيير برنامجها إلى برنامج مقاوم، يبقى كذلك احتمالا قائما بذاته، رغم أن من يعارض إنهاء السلطة سيعارض حتماً تحولها لسلطة مقاومة ما دام خيار التفاوض لديهم هو الوحيد. إن مستقبل السلطة يتطلب حوارا وإجماعا سياسيا فلسطينيا لا حالة تفرد جديدة تقامر بمصير الشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.