عالم ألمانيا الجديد الخطير

German Chancellor Angela Merkel attends a breakfast with supporters at the Christian Democratic Union (CDU) party election campaign meeting centre in Berlin, Germany, September 23, 2017. REUTERS/Fabrizio Bensch

كانت نتائج الانتخابات الفدرالية الألمانية يوم الأحد (24 سبتمبر/أيلول المنصرم) غيرَ متوقعة ومقلقةً للغاية، على الأقل حسب المعايير الألمانية. فقد تمت معاقبة الحزبين الرئيسيين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي (معه حزبه الشقيق البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي) عبر صناديق الاقتراع، بعد حكمهما في إطار ائتلاف كبير بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل دام أربع سنوات.

وكان أداء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأسوأ له في أي انتخابات اتحادية منذ أول انتخابات للجمهورية الاتحادية عام 1949. وبالمثل، فقد أظهر تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي ثاني أسوأ عرض له منذ 1949، كما عانى الاتحاد المسيحي من أسوأ خسارة له في الانتخابات الاتحادية في تاريخها. وهذا أمر مهم للغاية، نظرا لأن بافاريا ستجري انتخابات على مستوى الولاية في العام المقبل.

وحسب ما قيل؛ فقد كانت الانتخابات عبارة عن انهيار ساحق أمام ائتلاف ميركل العريض. وإلى حد كبير، يمكن أن يُنظر إلى نتائجها على أنها صوت احتجاج ضد ميركل نفسها. على الصعيد الدولي، فهي موضع تقدير كامرأة دولة فعالة وضامنة للاستقرار والسلطة الأخلاقية في الغرب. ولكن في ألمانيا، أصبح من الواضح أن ذلك لم يعد له أهمية.

كانت الانتخابات الألمانية عبارة عن انهيار ساحق أمام ائتلاف ميركل العريض. وإلى حد كبير، يمكن أن يُنظر إلى نتائجها على أنها صوت احتجاج ضد ميركل نفسها. على الصعيد الدولي، فهي موضع تقدير كامرأة دولة فعالة وضامنة للاستقرار والسلطة الأخلاقية في الغرب. ولكن في ألمانيا، أصبح من الواضح أن ذلك لم يعد له أهمية

أكبر خطأ ارتكبته ميركل في هذه الانتخابات هو الاعتماد على نفس الإستراتيجية الدفاعية التي استخدمتها في الانتخابات الأخيرة، عندما فازت بشكل مدوٍّ. فقد ظنت أن تجنب الجدل والحفاظ على الهدوء بشأن القضايا الرئيسية التي تواجه أوروبا سينجح مرة أخرى.

وقد أظهر ذلك سوء تقدير لديها، نظرا لحدوث أزمة اللاجئين عام 2015 وآثارها على ألمانيا، ناهيك عن صعود حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف، الذي حاز نحو 13٪ من الأصوات.

كان العديد من الألمان يتساءلون عن مستقبل بلدهم والهوية الوطنية الألمانية، ولم تقدم ميركل إجابات كافية عن هذه الأسئلة. وبينما ظلت صامتة، شغل الشعبويون -مثل ألكسندر غولاند نائب رئيس "حزب البديل لألمانيا"- موجات الأثير بالنداءات الصاخبة للحنين العرقي والقومي.

والواقع أن الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب البديل ألمانيا الذي يضم أعضاءه النازيين الجدد وغيرهم من المتطرفين. إن نجاح هذا الحزب عارٌ على ألمانيا. فبعد 72 عاما، يعود اليمين المتطرف إلى البوندستاغ (البرلمان الألماني) بالكتلة الثالثة الأقوى فيه. ويعد هذا الحزب الآن ثاني أكبر حزب في الولايات الاتحادية التي تضم ألمانيا الشرقية سابقا.

إن ألمانيا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي حقق فيها الشعبويون اليمينيون مكاسب انتخابية في السنوات الأخيرة. ولكن عودة اليمين المتطرف لا تشكل في أي بلد نفس الخطورة التي تشكلها في ألمانيا، وذلك بسبب تاريخها الاستثنائي. ولمنع الحق في إلحاق أضرار لا يمكن إصلاحها بالديمقراطية الألمانية؛ يجب على الأطراف التي لا تزال قائمة على القيم الديمقراطية أن تأخذ بجدّ مسؤوليتها في تشكيل حكومة جديدة.

من المؤكد أن ميركل ستظل مستشارة في الحكومة المقبلة. وعندما يناقش أعضاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي المسألة في الأيام القادمة، فإنهم لن يجدوا بديلا موثوقا به أو شعبيا مثلها. وسواء كانت هناك خسائر انتخابية أم لا، لا يمكنك الإطاحة بالمستشارة دون وجود بديل مُقنع. إن ميركل محظوظة: السكاكين لم تخرج بعد؛ وحتى لو أُخرِجت، فإنها على الأرجح لن تُريق الدم، على الأقل الآن.

ثمة نتيجة أخرى غير متوقعة للانتخابات؛ وتتمثل في أن قادة الحزب الديمقراطي يدعون الآن للانضمام إلى المعارضة، وكأن المشاركة في الحكومة لعنة يجب تجنبها بأي ثمن. وهذا سيجعل عملية تشكيل الحكومة المقبلة طويلة ومضنية، وهو أمر غير عادي في السياسة الألمانية.

ومع رفض الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشاركة في ائتلاف كبير، فإن الخيار الوحيد المتبقي والقابل للتطبيق حسابيا هو تحالف "جامايكا" (نسبة إلى ألوان علم جامايكا الأسود والأصفر والأخضر)، والذي يضم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر.

بالنسبة لأنجيلا ميركل؛ فإن الفشل في تشكيل حكومة أغلبية مستقرة من شأنه أن يؤدي إلى نهاية مسؤوليتها كمستشارة. وعلى نطاق أوسع، يمكن لذلك أن يتسبب في فترة جديدة من الفوضى السياسية، ولا أحد يرغب في حدوث ذلك في ألمانيا أو في أوربا

ولكن تحقيق ذلك لن يكون سهلا؛ فمع أن هذه الأطراف لن يكون لديها الكثير من المتاعب للوصول إلى الحلول السياسية اللازمة، إلا أنها تختلف بشكل ملحوظ في عقلية الحكم وأسلوب القيادة.

وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يُطيل الجدول الزمني السياسي الداخلي محادثات الائتلاف. وسيُصرّ قادة الحزب على موقفهم ويحاولون الحفاظ على سمعتهم لدى دوائرهم الانتخابية، ولن يحدث الكثير حتى بعد الانتخابات في سكسونيا السفلى يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول (الجاري). وحتى ذلك الحين، لن يتم تشكيل حكومة جديدة بسرعة.

إن البديل الوحيد لائتلاف جامايكا هو حكومة أقلية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي أو انتخابات جديدة في الربيع المقبل، ومن شأن ذلك أن يعزز موقف حزب البديل من أجل ألمانيا. فكلتا النتيجتين ستكونان سيئتين بالنسبة لألمانيا، التي ينظر إليها على نطاق واسع، ويعتمد عليها بوصفها دعامة للاستقرار في أوروبا.

وهذا يعني أن مستقبل الديمقراطية الألمانية والاستقرار الأوروبي سيعتمد على ما إن كان المنطق يسود بين الأحزاب الصغيرة المتبقية. وتقع على أطراف جامايكا مسؤولية التخلي عن ميركل، والتوصل إلى حل توفيقي عند الضرورة لتشكيل حكومة.

ونأمل أن يكون قادتهم أذكياء بما فيه الكفاية للعمل معا بحسن نية، بدلا من السعي فقط وراء ميزة حزبية ضيقة. ويمكن أن يتم ذلك من خلال جعل الأمن والإصلاح الاقتصادي والتحديث الإيكولوجي والرقمي الركائزَ الثلاث لنوع جديد من التحالف.

أما بالنسبة لميركل؛ فإن الفشل في تشكيل حكومة أغلبية مستقرة من شأنه أن يؤدي إلى نهاية مسؤوليتها كمستشارة. وعلى نطاق أوسع، يمكن لذلك أن يتسبب في فترة جديدة من الفوضى السياسية، ولا أحد يرغب في حدوث ذلك في ألمانيا أو في أوربا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.