منطقة اليورو.. الإصلاح أو الموت

German Chancellor Angela Merkel (L) holds a press conference at the end of talks over the Greek debt crisis in Brussels on July 13, 2015. EU President Donald Tusk said that eurozone leaders had reached a unanimous deal to offer Greece a third bailout and keep it in the euro after 17 hours of marathon talks. AFP PHOTO / JEAN-CHRISTOPHE VERHAEGEN

مع انتخاب رئيس وسطي إصلاحي في فرنسا (إيمانويل ماكرون) وترجيح إعادة انتخاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على نحو متزايد؛ هل يحظى مشروع العملة الموحدة المتوقف في أوروبا بأي أمل؟

ربما، ولكن عقدا آخر من النمو البطيء -الذي تتخلله نوبات ارتباك دورية مرتبطة بالدين- لا يزال يبدو أكثر ترجيحا. ومع التحرك بعزم في اتجاه الاتحاد المالي والمصرفي، قد تصبح الأمور أفضل كثيرا. ولكن في غياب السياسات اللازمة لتعزيز الاستقرار والاستدامة، تُصبِح احتمالات الانهيار في نهاية المطاف أعظم كثيرا.

صحيح أن أسباب التفاؤل للأمد القريب وفيرة. فعلى مدار العام الفائت، شهدت منطقة اليوروتعافيا دوريا متينا، ففاقت التوقعات نظيراتها في أي اقتصاد متقدم آخر.

ماكرون وفريقه الاقتصادي يملكون قدرا وفيرا من الأفكار الواعدة، وسيحظى بأغلبية ضخمة في الجمعية الوطنية، وهو ما من شأنه أن يسمح له بتنفيذ هذه الأفكار (وإن كان من المفيد أن يعطيه الألمان مهلة في ما يتصل بعجز الميزانية في مقابل الإصلاح). وفي إسبانيا أيضا، يُتَرجَم الإصلاح الاقتصادي إلى نمو أقوى وطويل الأجل

ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن انتخاب ماكرون كان حدثا فارقا أفضى إلى ارتفاع الآمال في إعادة تنشيط فرنسا لاقتصادها بالقدر الكافي، لكي تصبح شريكا كاملا ومتساويا لألمانيا في إدارة منطقة اليورو.

والواقع أن ماكرون وفريقه الاقتصادي يملكون قدرا وفيرا من الأفكار الواعدة، وسيحظى بأغلبية ضخمة في الجمعية الوطنية، وهو ما من شأنه أن يسمح له بتنفيذ هذه الأفكار (وإن كان من المفيد أن يعطيه الألمان مهلة في ما يتصل بعجز الميزانية في مقابل الإصلاح). وفي إسبانيا أيضا، يُتَرجَم الإصلاح الاقتصادي إلى نمو أقوى وطويل الأجل.

ولكن ليس كل شيء على ما يرام. فاليونان لا تسجل أي نمو إلا بالكاد حتى الآن، بعد أن شهدت واحدة من أسوأ حالات الركود في التاريخ، رغم أنه من الواضح أن أولئك الذين يلقون اللوم بشأن هذه الحال على التقشف الألماني لم يطلعوا على الأرقام: فبتشجيع من خبراء الاقتصاد الأميركيين -من ذوي الميول اليسارية- أساءت اليونان إدارة حزمة الإنقاذ التي ربما تكون الأكثر تسامحا في التاريخ الحديث.

وكان أداء إيطاليا أفضل كثيرا من أداء اليونان، ولكن هذه مجاملة مشكوك في صدقها؛ فالدخل الحقيقي هناك أقل فعليا مما كان عليه قبل عشر سنوات (وإن كان من الصعب أن نعرف ذلك على وجه اليقين، نظرا لحجم الاقتصاد غير الرسمي الضخم في البلاد).

أما عن جنوب أوروبا ككل، فقد أثبتت العملة الموحدة كونها قفصا ذهبيا، حيث تُملي قدرا أعظم من الاستقامة المالية والنقدية، ولكنها تستبعد سعر الصرف كوسيلة بالغة الأهمية للتخفيف من وطأة الصدمات غير المتوقعة.

الواقع أن جزءا من السبب الكامن وراء أداء اقتصاد المملكة المتحدة الطيب (حتى الآن) منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي؛ يتلخص في انخفاض قيمة الجنيه بشكل حاد، الأمر الذي عمل على تعزيز القدرة التنافسية.

وبطبيعة الحال اختارت المملكة المتحدة بـ"حكمة" الخروج من العملة الموحدة، وإن كانت تتحرك الآن بـ"غير حكمة" نحو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة بالكامل.

من الواضح إلى حد كبير الآن أن اليورو لم يكن ضروريا لنجاح الاتحاد الأوروبي، بل إنه أثبت -بدلا من ذلك- كونه عائقا كبيرا، كما تنبأ العديد من خبراء الاقتصاد على هذا الجانب من المحيط الأطلسي.

وكان موظفو الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة يشبهون التكامل الأوروبي بركوب دراجة: إذ يتعين على الراكب أن يواصل التحرك إلى الأمام وإلا سقط. وإذا كان الأمر كذلك، فربما تكون أفضل طريقة للتفكير في تبني العملة الموحدة قبل الأوان هي اعتباره التفافا عبر أسمنت سميك رطب.

من عجيب المفارقات أن السبب الرئيسي وراء الشعبية التي حظي بها قرار تبني اليورو كان في الأصل، هو أن الناس العاديين في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين كانوا يتوقون إلى استقرار الأسعار الذي تمتع به الألمان مع المارك الألماني. ولكن في حين كان اليورو مصحوبا بانخفاض كبير لمعدل التضخم في عموم منطقة اليورو، فقد تمكنت أغلبية الدول الأخرى من خفض التضخم بدون اليورو.

كان الأمر الأكثر أهمية لتحقيق استقرار الأسعار هو ظهور البنك المركزي المستقل الحديث، وهو الابتكار الذي ساعد في الحد بشكل كبير من مستويات التضخم في مختلف أنحاء العالَم. صحيح أن بضعة أماكن -مثل فنزويلا– لا تزال تعاني من نمو الأسعار بنسبة بلغت خانة المئات، ولكن مثل هذه الحالات أصبحت نادرة الآن.

ومن المرجح للغاية، أنه لو منحت دول مثل إيطاليا وإسبانيا بنوكها المركزية ببساطة قدرا أكبر من الاستقلال -بدلا من الانضمام إلى اليورو- لكانت معدلات التضخم لديها منخفضة اليوم.

السؤال الآن هو: كيف يناور الاتحاد الأوروبي للخروج من منزلق الأسمنت الرطب؟ رغم أن العديد من الساسة الأوروبيين يكرهون الاعتراف بهذا، فإن الوضع الراهن ربما لا يكون مستداما؛ ففي نهاية المطاف إما أن نرى قدرا أكبر كثيرا من التكامل المالي، أو أنه سيحدث تفكك فوضوي

ومن المسلم به أن اليونان حالة أقل وضوحا؛ ولكن إذا وضعنا في الاعتبار أن العديد من الدول الأفريقية الفقيرة تمكنت من الإبقاء على معدل التضخم ضمن خانة الآحاد، فيمكننا أن نفترض أن اليونان كانت ستتمكن من ذلك هي أيضا.

ولو أبقت دول جنوب أوروبا على عملاتها القديمة، فربما ما كانت لتنزلق إلى حفرة الديون إلى هذا الحد، وربما تمكنت من اختيار التخلف الجزئي عن سداد ديونها عن طريق التضخم.

السؤال الآن هو: كيف يناور الاتحاد الأوروبي للخروج من منزلق الأسمنت الرطب؟ رغم أن العديد من الساسة الأوروبيين يكرهون الاعتراف بهذا، فإن الوضع الراهن ربما لا يكون مستداما؛ ففي نهاية المطاف إما أن نرى قدرا أكبر كثيرا من التكامل المالي، أو أنه سيحدث تفكك فوضوي.

ومن السذاجة إلى حد مذهل أن نتصور أن اليورو لن يواجه المزيد من اختبارات الإجهاد الحقيقية في غضون السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، إن لم يكن قبل ذلك.

وإذا كان الوضع الراهن غير قابل للاستمرار في نهاية المطاف، فلماذا تنعم الأسواق بمثل هذا الهدوء الشديد، في حين تدر سندات الحكومة الإيطالية لعشر سنوات أقل من نقطتين مئويتين أكثر من سندات ألمانيا؟ ربما يعكس هذا الفارق البسيط اعتقاد المستثمرين بأن عمليات الإنقاذ الصريحة قادمة في نهاية المطاف، مهما بلغت اعتراضات الساسة الألمان من قوة.

والواقع أن مشتريات البنك المركزي الأوروبي من ديون الدول الطرفية تشكل بالفعل دعما ضمنيا، كما احتدمت المناقشة حول سندات اليورو مع انتصار ماكرون. أو ربما يقامر المستثمرون على أن الجنوب قطع شوطا بعيدا داخل الأسمنت إلى الحد الذي يجعل خروجه مستحيلا. وستواصل ألمانيا ضغط ميزانياتها لضمان السداد لبنوكها.

في كل الأحوال، يُحسِن قادة منطقة اليورو صنعا بالتحرك الآن، بدلا من انتظار لحظة الحقيقية التالية في مواجهة منطقة اليورو. أما إلى متى قد يدوم التفاؤل اليوم فهو قرار راجع إلى ماكرون وميركل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.