معركة ميناء الحديدة اليمني.. الأهمية والتحديات

ميناء الحديدة أهم موانئ اليمن على البحر الأحمر وتبدو سفن كبيرة راسية بالغاطس

لماذا إطلاق المعركة البحرية؟
مخاوف المجتمع الدولي
في انتظار الموافقة الأميركية 

منذ أواخر يناير/كانون الثاني 2017 والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن -بقيادة السعودية– يعلن اتخاذه استعدادات حثيثة لشن عملية عسكرية كبيرة لاستعادة ميناء الحديدة (226 كلم غرب العاصمة صنعاء) الذي يشكل أهمية حيوية بالنسبة للمليشيات الانقلابية (جماعة الحوثي وعلي عبد الله صالح)، غير أن هذه العملية -رغم مبرراتها الكثيرة- بدت وكأنها تواجه تحديات قبل بدئها.

ويُعتقد أن عملية تحرير ميناء الحديدة -الذي يُعتبر ثاني أكبر ميناء في اليمن- ستمثل إن تمت بنجاح ضربة قوية للانقلابين، حتى ولو أنهم ما زالوا يسيطرون على معظم محافظات البلاد الشمالية.

وذلك أن سقوط الحديدة ومينائها بأيدي الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي قد يقطع آخر شريان حيوي متبقّ للمليشيات، نظرا للأهمية العسكرية والتجارية التي تمثلها لهم هذه المحافظة، لاسيما بعد خسارتهم أربعة منافذ بحرية، هي: ميناء عدن (يوليو/تموز 2015)، وميناء بئر علي بشبوة (أغسطس/آب 2015)، وميناء ميدي بحَجّة (2016)، وميناء المخا في تعز (فبراير/شباط 2017).

لماذا إطلاق المعركة البحرية؟
في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2016، استهدفت قوات الانقلابيين السفينة الإماراتية "سويفت-2" -قبالة مضيق باب المندب على ساحل البحر الأحمر- بصواريخ مضادة للسفن فألحقت بها أضرارا بالغة. وفي 9 و12 من الشهر نفسه، استهدفت صواريخ مشابهة -في هجومين منفصلين- مدمرة حربية تابعة للبحرية الأميركية قرب المضيق البحري اليمني. واتُّهِمت مليشيات الحوثي/صالح بتنفيذهما. 

أقلقت تلك الهجمات التحالف العربي والمجتمع الدولي على حد سواء؛ فقد اعتبر التحالف أنها تمثل تطورا نوعيا خطيرا قد يؤثر في مسار المعركة، نتيجة حصول المليشيات المتمردة على سلاح نوعي ثقيل كصواريخ "كروز" الموجهة، التي استخدمتها في هجماتها البحرية بحسب تقارير دولية متطابقة.

في حين اعتُبِر ذلك بمثابة تهديد خطير على الملاحة الدولية، إذ يمر من مضيق باب المندب زهاء أربعة ملايين برميل نفط يوميا، بحسب تقديرات دولية لعام 2015.

سقوط الحديدة ومينائها بأيدي الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي قد يقطع آخر شريان حيوي متبقّ للمليشيات، نظرا للأهمية العسكرية والتجارية التي تمثلها لهم هذه المحافظة، لاسيما بعد خسارتهم أربعة منافذ بحرية

عقب تلك الهجمات، شرعت قوات التحالف في الإعداد والتجهيز لخوض معركة بحرية شاملة لطرد المليشيات من الساحل الغربي لليمن. وفي مطلع يناير/كانون الثاني 2017، أعلن التحالف والحكومة اليمنية بدء عملية عسكرية واسعة باسم "الرمح الذهبي" لتحرير الساحل الغربي. وخلال شهر ونصف تقريبا حُرّرت مديرية "ذوباب" التي يتبعها مضيق باب المندب، وميناء المخا في محافظة تعز.

وبينما كانت معركة الساحل الغربي تمضي في شهرها الأول، استهدفت المليشيات المتمردة -أواخر يناير/كانون الثاني- فرقاطة سعودية بالقرب من ساحل الحديدة، فدُمّر جزؤها الخلفي وقُتل جنديان سعوديان وأصيب آخرون.

وصف الناطق باسم التحالف اللواء أحمد عسيري العملية بأنها "عمل إرهابي ومؤشر خطير"، وقال إن ميناء الحديدة "أصبح منطلقا للعمليات الإرهابية" من الحوثيين وتنظيم القاعدة معا.

بعدها بثلاثة أيام، أرسلت أميركا مدمرتها البحرية "كول" إلى قرب مضيق باب المندب. وأكد مسؤولون لرويترز أن السفينة "ستنفذ دوريات وترافق السفن"، بعد تصاعد الهجمات المهددة للملاحة البحرية، وآخرها استهداف الفرقاطة السعودية.

ومنذ مطلع فبراير/شباط 2017، بدأت التصريحات تصدر بين الحين والآخر من مسؤولين في الحكومة اليمنية والتحالف، لتؤكد استكمال التحالف عملياته العسكرية، والتوجه صوب محافظة الحديدة في إطار خطته لتحرير المناطق الساحلية من قبضة المليشيات الانقلابية.

وسبق أن حذر مراقبون محليون ومسؤولون حكوميون مرارا من استغلال المتمردين لهذا المنفذ البحري الهام في تعزيز قدراتهم القتالية، سواء من خلال تدفق الأسلحة الإيرانية؛ أم بالحصول على عائدات مالية كبيرة جراء الرسوم المفروضة على الشحنات التجارية القادمة عبره، والمقدرة بـ80% من حجم الواردات إلى اليمن.

أو كان ذلك باستحواذهم على المعونات الدولية المقررة لليمن والقادمة عبره بنسبة 80% أيضا، والتي يقومون بتوزيع جزء منها في مناطق سيطرتهم، والمتاجرة بالجزء الآخر في السوق السوداء لمصلحة دعم ما يسمى "المجهود الحربي".

ومؤخرا، لاقت تلك التحذيرات -عقب تطور قدرات المتمردين القتالية البحرية، وقصفهم بصواريخ متطورة سفنا خليجية وأميركية- آذانا صاغية ليس فقط من قيادة التحالف العربي، بل وأيضا من الإدارة الأميركية الجديدة، التي من المقرر أن تدعم عسكريا عملية تحرير هذه المحافظة. 

مخاوف المجتمع الدولي
إزاء تلك التطورات، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا في 13 مارس/آذار الماضي استهلته باستعراض حجم الكارثة الإنسانية في اليمن جراء استمرار الحرب، لتعرب عن قلقها من وجود "مخططات لاقتحام مدينة الحديدة التي تمثل أكبر ميناء في اليمن"، حسب البيان.

واعتبر البيان أن "المعارك في هذه المنطقة لا مفر من أن تؤدي إلى نزوح جماعي للسكان المحليين، بل وإلى القطع العملي لعاصمة البلاد (صنعاء) عن إمدادات توريد المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، مما سيُسفر عن تداعيات كارثية".

بعد الرفض الأممي للإشراف على ميناء الحديدة، تواصلت تأكيدات التحالف بضرورة استعادته من قبضة الانقلابيين الذين يستخدمونه لتهريب الأسلحة من إيران، بحسب تصريحات متكررة لعسيري، الذي أضاف اتهامات أخرى بينها "الإتجار بالبشر" وإطلاق صواريخ بالستية ضد بلاده (السعودية) من الحديدة

كانت هذه هي المرة الأولى التي تُصدر فيها روسيا تصريحات بهذا المستوى بخصوص الحالة في اليمن. واعتبر البعض هذا التصعيد الروسي بمثابة ردة فعل على التصعيد الدولي ضد انتهاكاتها في سوريا. وقد وردت إشارة واضحة إلى ذلك في نهاية البيان الروسي الذي استنكر الصمت الدولي عما يحدث في اليمن مقابل ما وصفه بـ"النشاط المفرط للغاية بشأن سوريا".

بعد يومين من التصريحات الروسية، أعلن قادة ميدانيون في التحالف استكمال الترتيبات والاستعدادات لبدء معركة تحرير الحديدة. وذلك بحسب صحيفة "الإمارات اليوم" التي قدمت بعض تفاصيل الخطة ومسارها طبقا لمصادرها العسكرية.

كان ذلك على ما يبدو ردا تصعيديا غير مباشر من قبل التحالف العربي، إلا أن هذا الرد جاء بعد يوم واحد ولكن هذه المرة من الأمم المتحدة، حين أعرب نائب الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان -ضمن إحاطته المقدمة إلى أعضاء مجلس الأمن في 16 مارس/آذار الماضي- عن مخاوفه من آثار العملية العسكرية المزمعة لتحرير ميناء الحديدة، الذي يُعتبر المنفذ الوحيد لإدخال المساعدات الدولية للشعب اليمني.

وفي 17 من الشهر نفسه، تعرض قارب يقل مهاجرين أفارقة للقصف قرب ساحل الحديدة، مما أدى إلى مقتل 42 من ركابه، دون أن تُعرف حتى الآن الجهة المسؤولة عن ذلك. ووسط تبادل الاتهامات بين الأطراف، طالب التحالف العربي في بيان رسمي (19 مارس/آذار) الأمم المتحدة بالإشراف على ميناء الحديدة.

لكن الأخيرة رفضت المقترح عبر ناطقها الرسمي فرحان حق الذي طالب الطرفين بحماية المدنيين وعدم الإضرار بالبنية التحتية، وبالحفاظ على تدفق المساعدات الدولية، الأمر الذي وُوجه بانتقادات شديدة من مسؤولين يمنيين وقيادات في التحالف العربي، إذ أعربوا عن استغرابهم لذلك لكون استعادة الحكومة الشرعية للميناء ستساعد في وصول المساعدات بشكل أفضل بعيدا عن الفساد والاستغلال الحاصل الآن. 

وبعد الرفض الأممي للإشراف على الميناء، تواصلت تأكيدات التحالف بضرورة استعادته من قبضة الانقلابيين الذين يستخدمونه لتهريب الأسلحة من إيران، بحسب تصريحات متكررة لعسيري، الذي أضاف اتهامات أخرى بينها "الإتجار بالبشر" -في إشارة إلى الزورق الذي قُصف وعلى متنه أفارقة- وإطلاق صواريخ بالستية ضد بلاده (السعودية) من الحديدة.  

في انتظار الموافقة الأميركية
تحدثت آخر تصريحات للتحالف -منتصف مارس/آذار- عن استكمال الترتيبات والاستعدادات لخوض معركة الحديدة إلا أن المعركة الرسمية لم تبدأ بعد، لكن المعارك تواصلت -حتى الآن- على أطراف الحديدة، شمالا في حرض وميدي بمحافظة حجة، وجنوبا في الخوخة ومحيطها المتاخم لمحافظة تعز.

وذلك في الوقت الذي يستمر فيه تدفق التعزيزات العسكرية من التحالف بشكل كبير إلى جبهتيْ القتال، وفقا لتصريحات قادة عسكريين أكدوا أن ذلك يأتي في إطار الاستعداد لبدء المعركة الكبيرة الفاصلة.

على ما يبدو فإن توقيت بدء معركة تحرير الحديدة مرتبط بدرجة رئيسية برد الإدارة الأميركية على الطلب الذي تقدمت به دولة الإمارات في وقت سابق من شهر مارس/آذار الماضي، وتضمن خطة لتحرير الميناء وطلبا للمساعدة فيه، طبقا لصحيفة واشنطن بوست

وعلى ما يبدو فإن توقيت بدء معركة تحرير الحديدة مرتبط بدرجة رئيسية برد الإدارة الأميركية على الطلب الذي تقدمت به دولة الإمارات في وقت سابق من شهر مارس/آذار الماضي، وتضمن خطة لتحرير الميناء وطلبا للمساعدة فيه، طبقا لصحيفة واشنطن بوست.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية أن وزير الدفاع جيمس ماتيس قال -في مذكرة الشهر الماضي- لمستشار الأمن القومي الأميركي إن دعما محدودا للعمليات العسكرية السعودية والإماراتية في اليمن سيساعد في صد تهديد مشترك ضد أميركا وحلفائها، مشيرا إلى الخطة الإماراتية لاستعادة ميناء الحديدة اليمني.

كما أكدت الصحيفة أن الوزير ماتيس طلب من البيت الأبيض رفع القيود التي فرضتها الإدارة السابقة على عاصفة الحزم ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن.

وكان مقررا أن يصل الرد الأميركي على الطلب الإماراتي مطلع الشهر الجاري، ولم تتضح الأسباب التي استدعت تأخيره حتى الآن، مع أن كل الأخبار المسربة في الصحافة الأميركية تؤكد وجود موافقة مبدئية من إدارة دونالد ترمب على استئناف تقديم المساعدات للحلفاء الخليجين، والتي ستشمل مساعدات لوجستية بالمراقبة وتقديم المعلومات الاستخباراتية، والتزود بالوقود، والتخطيط العملياتي للهجوم.

وتشير معلومات أخرى إلى أن الإمارات طالبت بمشاركة قوات أميركية خاصة على الأرض، مع إسناد أميركي جوي وبحري. لكن صحيفة واشنطن بوست نسبت إلى مسؤول كبير في البيت الأبيض قوله إن مذكرة ماتيس "لم توص بالموافقة على كل ما احتواه طلب الإمارات من دعم، مثل نشر قوات العمليات الخاصة الأميركية على ساحل البحر الأحمر".

وهناك تحديات تقف أمام رد الرئيس الأميركي على طلبات الإماراتيين، وقد برز أهمها من داخل الكونغرس الذي طالبت مجموعة من أعضائه (55 عضوا معظمهم من الديمقراطيين) الرئيس بضرورة عرض أي قرار يتخذه -بشأن استخدام القوة العسكرية- على الكونغرس ليصادق عليه أو يرفضه، عملا بنصوص الدستور "وقرار سلطات الحرب لعام 1973".

وعلى أية حال، ترجح كافة المؤشرات صدور موافقة أميركية على الطلب الإماراتي، نظرا لوجود رغبة كبيرة لدى هذه الإدارة في الحد من نفوذ إيران بالمنطقة. ويندرج في هذا الإطار تحجيم وإضعاف أذرعها مثل الحوثيين في اليمن، "ليس بزيادة توريد الأسلحة" لخصومهم فحسب، "بل وبانتزاع بعض النقاط الإستراتيجية من الحوثيين". كما يقول تقرير لمركز تحليل الإستراتيجيات والتكنولوجيات (مقره موسكو).

ويتوقع الكثير من المراقبين أن استعادة ميناء الحديدة ستساعد على قطع الإمدادات العسكرية والمالية للمليشيات في المحافظات التي ما زالت تحت سيطرتها -وعلى رأسها العاصمة صنعاء المحاصرة حاليا من جهتها الشرقية- مما سيسهل عملية سقوطها تدريجيا الواحدة تلو الأخرى.

يبقى التعويل في حدوث ذلك، ليس على المساعدة الأميركية -التي بات من المؤكد أنها ستأتي في أي لحظة- ولكن على طبيعة وحجم تلك المساعدة، وما إن كانت واشنطن ستكتفي فقط بالمساعدة اللوجستية عن بُعد المشار إليها في مذكرة وزير الدفاع، دون إقحام قواتها الخاصة تجنبا لأية تداعيات قد تنجم عن ذلك، وبشكل خاص مع روسيا حليفة إيران التي تدعم الحوثيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.