انتخابات إيران.. لا تغيير في السياسات الخارجية

الانتخابات الإيرانية والسياسة الخارجية


مع ظهور الجزء الأكبر من نتائج انتخابات البرلمان العاشر في إيران ومجلس خبراء القيادة بدأت الأسئلة تتلاحق عن الانعكاسات الداخلية والخارجية لهذه الانتخابات، وما يمكن أن تتركه من أثر على المشهد السياسي الداخلي الإيراني خلال السنوات الأربع القادمة.

بالنسبة للنظام السياسي وعلى رأسه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية فإن ارتفاع نسبة المشاركة عن 60% يمثل مكسبا مهما، كما أنه يعتبر نجاحا للحكومة التي يحسب رئيسها حسن روحاني على ما بقي من التيار الإصلاحي، ونجاحا أيضا لأركان النظام الحريص على تنظيم هادئ وبدون مشوشات.

تشير النتائج الأولية إلى أن إيران أمام نوع جديد من التحالفات السياسية، هذه التحالفات جمعت كتلة من المغاضبين داخل التيارين الإصلاحي والمحافظ، ومجموعة أخرى من بقايا الإصلاحيين، وهو تحالف قد يحوز على نحو 100 عضو في البرلمان البالغ عدد أعضائه 290، وهو ما يعني سيطرة للتيار المحافظ التقليدي الذي يساند نظرية ولاية الفقيه.

غياب الحديث عن السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية له علاقة بكيفية وضع هذه السياسات، حيث يتم وضعها من قبل مؤسسات يتم التعيين فيها، وهي مستمرة ومرتبطة بالنظام أمنيا وسياسيا ولا تخضع لمماحكات المعارك الانتخابية

بالنسبة لمجلس خبراء القيادة فإن طبيعة شروط الترشح تجعل المجلس ضمن دائرة نفوذ رجال الدين ولا سيما المحافظين التقليديين منهم الذين يدعمون بقوة ولاية الفقيه، وعليه فإن تغييرا ثوريا يكاد يكون مستبعدا.

سيطرة التيار المحافظ التقليدي على البرلمان تشير إلى استمرار النهج السياسي القائم في التشريع ودعم سياسيات النظام، فضلا عن الدور الجديد بالنسبة للبرلمان المتعلق بالتشريع الاقتصادي والمالي في ظل رفع الحظر الاقتصادي.

ومن المتوقع أن تركز المؤسسة العسكرية والدينية التقليدية على ألا يمرر البرلمان العاشر أي تشريعات يمكن أن تشكل تهديدا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا لاستقرار النظام وتماسكه، وهذا الدور المتوقع يفسر سياسية عدم تأييد الأهلية من قبل مجلس صيانة الدستور لآلاف المرشحين.

في هذا السياق يجب عدم التقليل من شأن حالة القلق التي تسود النظام من التبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لرفع العقوبات والتي حذرت منها دوائر المؤسسات الدينية والأمنية والعسكرية، وهو قلق يستعد نظام الجمهورية الإسلامية لمواجهته عبر أدوات كان يفترض أن تكون في مقدمتها المحافظة على هيمنة المحافظين التقليديين كأغلبية في مجلس الشورى العاشر.

وتبقى التساؤلات قائمة حول التأثيرات المرتقبة على سياسة إيران الخارجية لا سيما في المنطقة العربية، وهي تساؤلات تستدعي الإجابة عنها سؤالا آخر حول مكانة السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية الأخيرة؟

وبنظرة متفحصة لمجريات الحملة الانتخابية يبدو واضحا أن السياسة الخارجية الإيرانية كادت أن تختفي من الحملة الانتخابية، وهو أمر ليس جديدا في تاريخ الانتخابات الإيرانية، وربما الاستثناء الوحيد الذي يذكر في هذا السياق هو فترة الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي رفع أولوية "نزع فتيل الأزمات" خلال فترته الرئاسية وتم التمهيد لها خلال الحملة الانتخابية.

غياب الحديث عن السياسة الخارجية الإيرانية له علاقة بكيفية وضع هذه السياسات، حيث يتم وضعها من قبل مؤسسات يتم التعيين فيها، وهي مستمرة ومرتبطة بالنظام أمنيا وسياسيا ولا تخضع لمماحكات المعارك الانتخابية.

في الواقع يبدو البرلمان الإيراني تابعا وأحيانا ذراعا شعبيا في ميدان السياسة الخارجية أكثر منه أداة تشريع وتأثير. يمكن التذكير في هذا السياق بتهديد البرلمان بعدم الموافقة على أي اتفاق نووي مع الغرب لا يحافظ على حقوق إيران النووية، مثل هذا الأمر تم تجاوزه باتفاق أميركي إيراني يجعل الاتفاق بعيد عن المساءلة البرلمانية.

خلال عقود من عمر الجمهورية الإسلامية كانت السياسة الخارجية جزء من المشاكسة السياسية بين التيارين المعروفين تقليديا المحافظين والإصلاحيين، لكن ذلك لم يكن يعني أن البرلمان ساحة التأثير الحقيقية في مسارات السياسة الخارجية.

المحافظة على الوضع السياسي الراهن بتشابكاته وتعقيداته في إيران تمثل هدفا أساسيا للنخبة السياسية والدينية، وأي تغيير يمكن أن يحدث في ظل البرلمان العاشر في السياسة الخارجية أو الداخلية لن يكون إلا نوعا من التكتيك وليس تغييرا إستراتيجيا

وعليه ليس متوقعا أن يختلف المجلس العاشر عن سابقيه في تعامله مع قضايا السياسة الخارجية لا سيما في ملفات ساخنة في المنطقة العربية مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، فالجناح العسكري السياسي الديني في النظام سيستمر في عمله دون تأثير يذكر من البرلمان.

ربما البعد الوحيد الذي سيركز عليه البرلمان في ما يتعلق بالسياسة الخارجية يرتبط بجانب التشريعات المرتبطة بالسياسات الاقتصادية التي من شأنها تنظيم علاقة إيران مع الدول المقبلة على الاستثمار فيها بعد رفع العقوبات، بعبارة أخرى فإن البرلمان العاشر الإيراني سيكون معنيا بضبط عملية الانفتاح الاقتصادي مع الغرب وجعل مقاساتها تتناسب وحاجات النظام السياسي الأمنية والسياسية والاقتصادية.

في سياق متصل من المهم النظر إلى طبيعة سلوك السياسة الخارجية الإيرانية وايقاعاتها حتى يمكن أن نفهم دور البرلمان فيها، فخلال أكثر من 36 عاما تحركت السياسة الخارجية الإيرانية في دوائر ذات ثقل سياسي إقليمي ودولي وفق المنظور الإيراني، وهذا الأمر ينطبق على بعض الدول العربية التي تنظر إليها إيران بوصفها بلدان ذات ثقل سياسي مثل العراق والمملكة العربية السعودية ومصر، كما تركزت علاقاتها خارج الفضاء العربي على الصين وروسيا باعتبارهما دولتان ذواتا ثقل سياسي عالمي، من هنا فإن حركة البرلمان العاشر (مجلس الشورى) وأي نشاط محتمل في ميدان السياسة الخارجية لن يخرج عن المسار الذي اختاره النظام.

الشيء الوحيد الذي سيسعى النظام لتوظيفه بشكل محكم هو تنوع البرلمان بشكل يفوق البرلمان السابق، هذا التنوع يستفيد منه النظام في منع مزايدة القوى السياسية على بعضها في حال اتخاذ قرارات قد تبدو مصيرية خلال فترة عمل مجلس الشورى العاشر، كما يستفيد منه في مواجهة الانتقادات التي توجه للنظام حول السماح لمخالفيه بالمشاركة السياسية المعترف بها ومنها البرلمان بالضرورة.

تشير نتائج الانتخابات إلى أن المحافظة على الوضع السياسي الراهن بتشابكاته وتعقيداته في إيران تمثل هدفا أساسيا للنخبة السياسية والدينية في إيران، وأن أي تغيير يمكن أن يحدث في ظل البرلمان العاشر سواء كان في ميدان السياسة الخارجية أو الداخلية لن يكون إلا نوعا من التكتيك وليس تغييرا إستراتيجيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.