وصفه السيسي بأنه أخطر قضايا المجتمع.. قانون الأحوال الشخصية في متاهة مشروعات القوانين

محاكم الأسرة في مصر تستقبل أكثر من 1.5 مليون دعوى قضائية سنويا (مواقع التواصل)

القاهرة– جدل يسود الرأي العام المصري بشأن واحدة من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع وتؤثر على مستقبله، كما يصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ألا وهي قضية قانون الأحوال الشخصية، الذي يبدو أن هناك إجماعا ملحا على تعديله.

وجدد السيسي دعوته إلى إعداد قانون جديد للأحوال الشخصية يلزم الجميع بحل قضايا الأسرة (نحو 1.5 مليون دعوى قضائية سنويا)، مخاطبا الحكومة والبرلمان والأزهر وكافة مؤسسات المجتمع إلى التكاتف لإعداد قانون متزن وعادل يشارك فيه الجميع.

وأضاف السيسي -خلال مداخلة هاتفية أجراها منتصف الأسبوع الماضي، مع أحد البرامج المتلفزة عبر قناة صدى البلد الفضائية- أن المرأة المصرية مظلومة، ونسبة الأسر التي حدث بها انفصال زادت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، مؤكدا أن "قانون الأحوال الشخصية من أخطر القضايا التي تواجه مجتمعنا".

ما قانون الأحوال الشخصية؟

هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم، من حيث صلة النسب والزواج وما ينشأ عنه من مصاهرة وولادة وولاية وحضانة وحقوق وواجبات متبادلة، وما قد يعتريها من انحلال تترتب عليه حقوق في النفقة والحضانة والإرث والوصية.

 

ويعود تاريخ القانون الذي يناقش شؤون الأسرة المصرية إلى عام 1920، ومنذ ذلك الحين أجرت عليه الدولة كثيرا من التعديلات ليواكب الحياة العصرية، والتطورات المجتمعية الحديثة، ولكنه ظل تحت مرمى الانتقادات خاصة من منظمات المجتمع المدني النسوية وقائمة من الكتاب والمفكرين والنواب المؤيدين لها.

من العناوين العريضة لدعوات تعديل القانون هو أن محور هذه التعديلات هو المرأة، حسب كثير من الداعين إلى تعديله؛ فأي حذف أو إضافة جديدة هدفها منح المرأة مكاسب جديدة، وصلاحيات أوسع لم تكن تتمتع بها من قبل في الاستقلال بذاتها وإدارة شؤونها وشؤون أطفالها.

ما الجهات التي تتنازع قانون الأحوال الشخصية؟

المفارقة أن هناك عدة مشروعات بشأن تعديل قانون الأحوال الشخصية مطروحة أمام البرلمان منذ عدة سنوات، وتحديدا منذ عام 2019، وعلى رأسها مشروع قدمه الأزهر الشريف، وآخر قدمته الحكومة المصرية، بالإضافة إلى مشروعات أخرى قدمها نواب بالبرلمان، وظلت بين شد وجذب من دون الوصول إلى نتيجة.

يسأل سائل إذا كان هناك إجماع على ضرورة تغيير أو تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يتناسب مع مقتضيات الحياة الحديثة فما الذي يعرقل خروجه للنور، الإجابة هو أن هناك عدة جهات تتنازع وضع التعديلات والتصورات النهائية للقانون وهي كالتالي:

  • الأزهر الشريف
  • الحكومة المصرية
  • نواب في البرلمان المصري
  • المجلس القومي للمرأة
  • منظمات المجتمع المدني والحركات النسوية

وعلّق وزير العدل، المستشار عمر مروان، على هذا التنازع بالقول "كانت هناك تصورات بشأن مقترحات قانون الأحوال الشخصية من المجتمع المدني والمجلس القومي للمرأة والأزهر الشريف".

وأضاف -في حوار ببرنامج تلفزيوني عبر إحدى القنوات- أن كل فريق كان يريد أن ينتصر لرأيه وتحقيق مكاسب للفئة التي يمثلها في مقترحات قانون الأحوال الشخصية.

دعوة السيسي إلى تكاتف الجميع في وضع قانون جديد قد تعني عدم الاعتداد بأي مشروع قانون مطروح بالبرلمان -رغم كثرتها- والعودة إلى المربع صفر، بعد تكليفه رئيس محكمة استئناف القاهرة لشؤون الأسرة السابق، المستشار عبد الله الباجا، بالمهمة، الذي بدوره سيعمل على تشكيل لجنة خاصة لتعديل القانون بناء على توصيات السيسي.

هل تصبح مواجهة دينية مدنية؟

ما يجعل المهمة شاقة ومعقدة هو الانقسام والتباين الكبير بين الأزهر، بوصفه مؤسسة دينية تتمتع بصلاحيات دستورية، والمنظمات والحركات النسوية والمناصرين لهم سواء بالمجلس القومي للمرأة أو البرلمان، مما يجعل المواجهة بين طرفين: ديني ومدني.

ومما ينذر بسجال ومواجهات قوية بين الطرفين، حسب مراقبين، أن القاضي عبد الله الباجا المكلف بإعداد القانون لا يقف على مسافة واحدة من مشروعات القوانين، فهو مناهض بقوة لمشروع قانون الأزهر في هذا الصدد، وسبق وأن وجه له انتقادات حادة.

وفي أحد تصريحاته الصحفية السابقة، وصف الباجا مشروع قانون الأزهر "بأنه جاء بأجندة دينية بحتة وهذا لا يصح؛ لأن العلم بالقانون والحياة ليس له علاقة بالدين وفي النهاية ما يحقق العدالة هو الذي يسري"، على حد زعمه.

وذهب الباجا إلى القول بأن مشروع الأزهر يغلب عليه الطابع النظري والفقهي الجدلي الذي لا يتناسب مع الواقع العملي الذي تعيشه الدولة، فإذا دخلنا إلى الفقه الجدلي، لن يستطيع القاضي تطبيق القانون، وهناك مشروعات مقدمة من مجلس النواب أظن أنها مناسبة بشكل كبير، منها مشروع قانون مقدم من النائب محمد فؤاد.

يقف في هذا الخندق العديد من النواب والحركات والمنظمات النسوية والكتاب والمفكرين من بينهم الكاتب الصحفي المثير للجدل إبراهيم عيسى، الذي كتب مسلسل "فاتن أمل حربي" وتم عرضه في شهر رمضان الفائت والذي ينتقد فيه قانون الأحوال الشخصية، وآراء الفقه الإسلامي، ويتعرض لعلماء الأزهر بالتجريح؛ مما دفع الأزهر للرد بقوة عبر بيان شديد اللهجة، محذرا من الاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وهدم مكانة السنّة النبوية، وإذكاء الأفكار المتطرفة، وتشويه صورة عالِم الدّين في المجتمع.

وأشار البيان إلى أن تعمُّد تقديم عالِم الدّين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء في صورة الجاهل، الإمّعة، المعدوم المروءة، الدنيء النفس، العَيِيّ اللسان -في بعض الأعمال الفنية- تنمُّرٌ مُستنكَر، وتشويه مقصود مرفوض، ولا يتناسب وتوقير شعب مصر العظيم لعلماء الدين.

ويعتقد الطرف المناهض لتدخل الأزهر أن هذه المؤسسة جهة استطلاع رأي في المسائل الدينية، وأن إعداد مشروعات القوانين ليس من ضمن اختصاصات الأزهر، وأن دوره هو إبداء الرأي في المواد قطعية الثبوت والدلالة، بل ويذهبون إلى أن تدخل الأزهر في التشريع يدخل البلاد إلى دائرة الوصاية الدينية التي تخلق مشاكل عديدة.

واتهمت مؤسسة قضايا المرأة مشروع قانون الأزهر -في وقت سابق من طرحه بالبرلمان- بأنه "لم يراع مبادئ العدل والمساواة والإنصاف، ونصوص الدستور والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر وحقوق المرأة بشكل خاص"، وعدته "تكريسا لسلب حقوق المرأة".

 

في المقابل، يتمسك الأزهر الشريف بحقه في إعداد ومراجعة قانون الأحوال الشخصية الذي يستمد الكثير من بنوده من الشريعة الإسلامية، وعدم تركه لأهواء الحركات النسوية والمدنية التي يرى أنها ترغب في الافتئات على حقه الأصيل الذي كفله الدستور، وتسعى إلى وضع قانون مدني موحد لا يستند في مرجعيته إلى مؤسسة الأزهر.

وردا على الانتقادات والمطالب السابقة التي تثار من وقت لآخر، قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب –في مقال له في أكتوبر/تشرين الأول 2019- إن الأزهر قام بإعداد مشروع القانون "انطلاقا من واجبه الشرعي"، موضحا "أنه حين يكون الوضع متعلقا بقوانين مصدرها القرآن والسنة والشريعة الإسلامية التي هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية لا يصح أبدا ولا يقبل أن يترك الحديث فيها لمن هب ودبّ".

ملاحظات على مسودة القانون

ويدور الخلاف حول العديد من القضايا التي يصعب حصرها بسبب عدم وجود مسودة حقيقية لمشروع القانون المراد تعديله، لكن يؤخذ على القانون الحالي والمشروعات المطروحة الكثير من النقاط، حسب بعض المعنيين بالقانون، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • إلغاء الشخصية القانونية للنساء والتعامل باعتبارهن ناقصات الأهلية.
  • فقدان الأم للولاية القانونية وعدم تمتعها بالوصاية على أولادها.
  • عدم الاعتراف بالأهلية القانونية للنساء إذ لا تستطيع المرأة عقد زواجها.
  • عدم وجود ضمانات قانونية في مسألة النفقة وطول إجراءات التقاضي.
  • إبقاء عبء إثبات دخل الزوج في النفقات على الزوجة، وحقها في الكد والسعاية.
  • إلغاء اختصاص المحاكم الجنائية في ما يتعلق بمنقولات الزوجية.
  • عدم تنظيم الطلاق، وجعله أمام القاضي لحسم الحقوق المترتبة عليه.
  • عدم وجود مواد تنظم تعدد الزوجات، وتجريم الاغتصاب الزوجي.
  • الاعتراف بالزواج العرفي في حالات الطلاق، وعدم الاعتراف به في الميراث والنفقة.

 

هل هي حملة ممنهجة للخروج من عباءة الشرع؟

في المقابل، ينتقد كثيرون -بينهم علماء دين ونواب وقضاة ومتخصصون في شؤون المجتمع والأسرة- الحملة ضد الأزهر، أو تلك التي ترغب في إدخال مواد تتعارض مع الشريعة الإسلامية تحت ستار المساواة وإنصاف المرأة.

وفي هذا السياق، أكد الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة جمال عبد الستار أن "الأزهر هو المنوط به وضع أو تعديل قانون الأحوال الشخصية؛ والأحوال الشخصية هي أحوال شرعية تقع ضمن اختصاص علماء الأزهر الثقات، وبالتالي فإن أي محاولة لإبعاد الأزهر تأتي ضمن حملات مغرضة تتحدث باسم المدنية ومناصرة المرأة بتقليد الغرب وإفساد الأسرة بأسرها".

ورأى عبد الستار -في تصريحات للجزيرة نت- أن هيئة كبار علماء الأزهر قادرة على مواجهة المتغيرات ومواكبة التطورات، ولا يوجد في العالم قانون مشرف للأسرة أعظم ولا أفضل ولا أوفق من المنظومة الشرعية التي وضعها الله لعباده، وقد تحدث القرآن عن شؤون الأسرة في كل مراحلها أكثر من أي موضوع آخر، ثم يأتي أناس يريدون هدر تلك التشريعات ويبحثون عن قوانين مدنية، ولن تتحقق العدالة إلا بمنهج الله.

وألقى باللوم في اضطراب أوضاع الكثير من الأسر على تقاعس محاكم الأسرة المصرية في إنجاز القضايا المكدسة لديها، مشيرا إلى أن حقوق المرأة عموما مهدرة في التعليم والصحة والعمل، وعلى الدولة القيام بواجباتها، والنهوض باقتصاد البلاد بدلا من ترك ملايين الأسر تنهار أخلاقيا وسلوكيا ونفسيا تحت وطأة الفقر والعوز.

إقصاء الشرع تدمير للأسرة

بدورها، رأت المستشارة الأسرية والاجتماعية الدكتورة منال خضر أن "مواد قانون الأحوال الشخصية دائما هدف لجهات ممولة غير معلومة غرضها الرئيسي هو هدم وتفكيك الأسرة المصرية بدعوى إنصاف المرأة، والحديث عن حقوق كل فرد على حدة، وليس عن حقوق الأسرة مجتمعة. و(بدعوى) أن الهدف هو إخراج المرأة من قيود الزوج أو الأب، ولكن -في الحقيقة- الهدف هو الخروج من قيد الدين وسعته إلى ضيق الحياة وتعبها".

وأكدت -في حديثها للجزيرة نت- أن أي حديث عن تعديل قانون الأحوال الشخصية لا يتضمن وجود مؤسسة الأزهر -بوصفها مرجعية دينية لمواد القانون- هدفه تدمير الأسرة المصرية وإن كان على حساب منح المرأة صلاحيات مطلقة، وجلهم يدورون في فلك مؤلف مسلسل "فاتن أمل حربي" الذي يشكك في العلماء والشريعة وثوابت الدين، في حين أن الإسلام أولى قضية المرأة والطفل والأسرة اهتماما غير مسبوق ولا نظير له في أي شريعة.

المصدر : الجزيرة