إجازة الأبوة.. حق يخشى الرجال المطالبة به

لطالما تحملت الأم وحدها مسؤولية رعاية المولود الجديد، فأصبح الأمر طبيعيا وبديهيا لدى الجميع، حتى صار من المألوف والمتعارف عليه أن تحصل الأم العاملة على إجازة أمومة مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة حسب القانون في كل دولة، في وقت يعفى فيه الأب من تلك المسؤولية تماما.

لكن مع مرور الوقت، حظيت الأم ببعض الدعم، وأصبح في بعض الدول قوانين تمنح الأب الجديد إجازة أبوة لرعاية طفله ومساعدة زوجته.

ما إجازة الأبوة؟

تعرف إجازة الأبوة بأنها فترة من الوقت، قد تصل إلى عدة أسابيع أو أشهر، يسمح خلالها للأب الجديد بالبقاء في المنزل للتواصل مع الطفل الجديد.

وتختلف طرق تنظيم إجازة الأبوة بين الدول، في بعض الحالات يتم تقديمها من قبل صاحب العمل أو تمنحها الدولة أو الحكومة للآباء الجدد. وقد تكون إجازة الأبوة مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة الأجر يتحملها الأب العامل.

لماذا هي ضرورية؟

يعتقد البعض أن إجازة الأبوة رفاهية وغير فعالة، لكن وفقا لـ"بينيفيتس كير" (Benefits.care) هناك 3 أسباب رئيسية لضرورة إجازة الأبوة، وهي:

• المشاركة الأسرية

تتيح مشاركة المسؤوليات الأبوية في وقت مبكر لكلا الزوجين علاقة أفضل واستقرارا زوجيا في تلك الفترة الحرجة.

في إجازة الأبوة يتقاسم الزوجان المهمة الجديدة في رعاية الطفل ومواجهة التغير الجديد، ويعملان على تخفيف الأعباء عن بعضهما، مما يؤدي إلى الشعور بالمسؤولية تجاه الطرف الآخر والمشاركة وتقوية الروابط بينهما، ومن ثم استقرار الأسرة التي تسير في اتجاه واحد.

• خلق رابط بين الأب والطفل

يتمتع الأطفال بمجموعة من الفوائد عندما يقوم الآباء بدور مبكر وفعال في حياتهم. الأنشطة التي يؤديها الأب في حياة الطفل في تلك الفترة المبكرة، سواء كانت اللعب معه، أو إطعامه وتنظيفه والحديث معه، أو الغناء له، تعمل على تقوية الرابطة بين الأب والطفل، وتجعل الصغير أكثر صحة جسديا وعاطفيا أيضا.

وفي وقت لاحق من الحياة، يمكن أن يكون لهذا الترابط تأثير إيجابي على التطور المعرفي للطفل ونجاحه الأكاديمي وعلاقته بوالده. وكلما انخرط الآباء في وقت مبكر في رعاية أطفالهم، كان لهم تأثير إيجابي أكبر على المدى الطويل.

• يدعم المساواة بين الجنسين في مكان العمل

يعتقد الكثيرون أن مسؤولية الطفل تقع على عاتق الأم فقط، فتضطر الأم العاملة دون الأب إلى الحصول على إجازة رعاية طفل.

في حين يرى آخرون أنه لا يمكن أن تقتصر مسؤولية المولود على جنس واحد، ولا على الأم فقط، إذ إن الإجازة التي تحصل عليها الأم تؤثر على مسارها الوظيفي في الترقيات والفرص الجيدة، مما يساهم في توسيع الفجوة بين الجنسين في أماكن العمل.

ومن أجل الوصول إلى التكافؤ والمساواة بين الجنسين في العمل في مرحلة ما، فالطريقة الوحيدة هي أن يلعب الرجال دورا عمليا أكثر وضوحا في المنزل، كرعاية الطفل مثلا، حسب ما يرى مؤيدو تلك الفكرة.

وصم إجازة الأبوة

يتعرض بعض الرجال للوصم والتمييز عند المطالبة بإجازة الأبوة، مما يجعلهم يحبذون أن يتركوا تلك المسؤولية للأم، ولا يطالبون بحقهم في رعاية مولودهم الجديد. ووفقا لـ"بيبي سنتر" (Babycenter) هناك عدد من العوامل التي تساهم في عزوف بعض الرجال عن المطالبة بإجازة أبوة، منها:

• يخشى بعض الرجال التعرض للتمييز المهني وفقدان الزيادات في الرواتب والترقيات، أو تأثر مساراتهم المهنية.
• يخشى الرجال التهميش أو حتى السخرية، واتهامهم بعدم الالتزام بالعمل.
• قد يشعر البعض أنهم لا يحتاجون إلى إجازة لأنهم لن يساعدوا في رعاية الطفل باعتبارها مسؤولية الأم.
• لا يستطيع البعض تحمل تكاليف إجازة الأبوة، خاصة إذا كانت والدة الطفل تستطيع، بالفعل، أن تحصل على إجازة أمومة مدفوعة أو غير مدفوعة الأجر.
  

  

تجارب رائدة

لا تسمح كثير من الدول بإجازة الأبوة، بل حتى إجازة الأمومة تكون غير مدفوعة الأجر في بعض الدول. فقوانين وتدابير التوفيق بين الأسرة والعمل السائدة في كل بلد تعدّ انعكاسا حقيقيا لمجتمعها ونمط التفكير السائد فيه.

ولا شك في أن العاصمة الفنلندية هلسنكي، التي تتفوق كثيرا في مجالات متعددة، تعد أفضل مدينة لتأسيس عائلة في العالم، وذلك بفضل إجازة الأمومة والأبوة مدفوعة الأجر التي تقدر بحوالي 1190 يوما من الإجازة المدفوعة، أي بمعدل 170 أسبوعا.

وبحسب تقرير سابق نشره موقع الجزيرة نت، هناك 10 مدن تمنح إجازات أمومة وأبوة مدفوعة الأجر، منها: هلسنكي في فنلندا (1190 يوما) وتالين في إستونيا (1176 يوما) و‪طوكيو في اليابان (770 يوما).

أما المدن التي تمنح أقل أيام إجازة أمومة وأبوة، وفقا للدراسة التي أعدتها شركة موفينغاهي ونشرها الجزيرة نت، فهناك تايبيه في تايوان (61 يوما)، ومكسيكو سيتي في المكسيك (91 يوما فقط)، في حين أن جميع مدن الولايات المتحدة لا تمنح أي يوم إجازة أبوة.

ورغم تأخر معظم الدول العربية في منح إجازة أبوة للآباء الجدد، فإن هناك بعض الدول أقرت إجازة أبوة مدفوعة الأجر بجانب إجازة الأمومة مدفوعة الأجر. وتتراوح إجازة الأمومة في غالبية الدول العربية ما بين 70 و90 يوما مدفوعة الأجر.

وفي مصر، التي تحصل فيها الأم على إجازة 90 يوما مدفوعة الأجر من أجل رعاية الطفل، طبقا لـ"بوابة الحكومة المصرية"، رفض مجلس الشيوخ مؤخرا مقترحا يتضمن منح إجازة للأب لمدة 7 أيام لرعاية المولود الجديد أسوة بالعديد من دول العالم، واكتفى بيوم واحد.