"مصالحة".. برنامج "توبة" المدانين في قضايا الإرهاب بالمغرب

من الجلسة الختامية للنسخة التاسعة من برنامج مصالحة (الجزيرة)

"لا أريد أن أعود إلى الوراء، فالماضي مملوء بالذكريات الأليمة، أنظر الآن إلى المستقبل"، بنبرة ندم على ما مضى وأخرى يطبعها التفاؤل بما هو قادم تحدث السجين عماد المدان في قضايا الإرهاب بالمغرب، للجزيرة نت، عن تغير جذري في رؤيته للمجتمع بعد أن استفاد في نحو 3 أشهر ونصف الشهر من برنامج "مصالحة" الذي أطلقته مندوبية السجون في المغرب.

خلال 6 سنوات قضاها عماد (30 سنة) مع تنظيم الدولة في سوريا، عاش الشاب المغربي "تجربة صعبة، تخللتها أحداث كثيرة"، وبعد الاعتقال كان يعتقد باستحالة العودة من جديد للاندماج في المجتمع، بيد أن مشاركته في برنامج "مصالحة" غيرت له كثيرا من تلك التصورات.

وفي ختام النسخة التاسعة من البرنامج في السجن المحلي بسلا حيث التقته، صرح عماد للجزيرة نت بأن "مصالحة" تفتح الباب لكل من أخطأ بحق مجتمعه أو وطنه للعودة من جديد.

ويعدّ هذا الشاب واحدا من 15 سجينا شاركوا في الدورة التاسعة من "مصالحة"، منهم شباب مغاربة كانوا يقيمون في دول أوروبية قبل الالتحاق بالتنظيمات الجهادية في سوريا والعراق.

وترفع هذه الدفعة الجديدة عدد المستفيدين من البرنامج إلى 222 سجينا، أفرج عن 156 منهم في مقابل تخفيض العقوبة لفائدة 15 آخرين وهو ما شجع سجناء آخرين مدانين في قضايا الإرهاب على الانضمام إلى المبادرة.

4 ركائز

ويقوم برنامج المصالحة، وفق المندوب العام لإدارة السجون محمد صالح التامك، على 4 ركائز هي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع النظم والمعايير المنظمة للمجتمع في علاقته بالفرد وبالمؤسسات الشرعية المؤطرة للحياة العامة.

بيد أن تغيير القناعات لا يبدو أمرا سهلا، فأغلب المستفيدين من البرنامج كانوا متشبّعين بفكر التنظيمات الجهادية على نحو جعل عددا منهم يغادرون أوطانهم وينتقلون للقتال في صفوف تلك التنظيمات.

ويقول رئيس المرصد المغربي للتطرف والعنف مصطفى الرزرازي، أحد الأعضاء المشرفين (على التأطير)، إن البرنامج يركز على مصالحة هؤلاء السجناء مع الذات وتوجيه النصح لهم.

وصرح للجزيرة نت بأن التعامل مع هذه الفئة من السجناء مكّن من إيجاد عدد من الآليات، وتوظيف تقنيات علمية واختبارات نفسية للتأكد من وقوع التغيير، قبل الخروج بخلاصات وتقييمات.

المندوب العام لإدارة السجون محمد صالح التامك (الجزيرة)

الظاهرة الإرهابية

وتابع أن من الجوانب المستبعدة في برنامج "مصالحة" الاستفادة من السجناء السابقين مع العلم أن هذه الجزئية مهمة في الشق الوقائي، واستذكر بالخصوص تجربة الجماعة المقاتلة في ليبيا وتجارب أخرى كتجربة الأردن.

ووفق المتحدث، فإن خصوصية الظاهرة الإرهابية في المغرب أنها لم تقترن بتنظيمات إرهابية داخلية، كما هو الحال في بلدان أخرى، وأوضح أن الإشكال كان مع أفراد وخلايا وليس مع تنظيمات إرهابية، وهو ما جعل البلاد تتجاوز مسألة نقاش "المراجعات الفكرية" على عكس بلدان أخرى، حضر فيها هذا الموضوع بقوة.

درجات التشدد

ويقوم المسؤولون على البرنامج بتصنيف أولي للسجناء المدانين في قضايا الإرهاب، وفق توجهاتهم الفكرية ودرجة تشددهم.

ووفق تصريح مدير العمل الثقافي بمندوبية السجون مولاي إدريس أكلمام للجزيرة نت، فإن هذا التصنيف يحدد مَن مِن السجناء يطمحون إلى التغيير ومن ثم يرصد الحاجة إلى مدّ يد المساعدة لهم لتجاوز التناقضات الفكرية والوجدانية التي يعيشونها، و"أزمة الهوية" التي يبحثون عنها التي دفعتهم إلى الالتحاق بالفكر المتطرف.

وانطلاقا من النسخ الماضية، فقد وقع تغيير جذري لدى هؤلاء السجناء خصوصا في نظرتهم إلى المجتمع وعلى مستوى سلوكهم، حسب المتحدث.

المشاركون يستفيدون من تكوين يشمل مجموعة محاور (الجزيرة)

الاستنباط السليم

وعن البعد الديني في برنامج "مصالحة" الذي يتضمن محاضرات ونقاشات، قال رئيس رابطة علماء المغرب أحمد عبادي للجزيرة نت إن "انخراط هؤلاء المدانين بتهم الإرهاب في المسارات التي سلوكها ناجم عن قصور في فهمهم للدين"، لافتا إلى أن "هذا القصور يتم استدراكه في هذا البرنامج، وفق منهج يظهر الدين في كلياته، ويعيد بيان كيف يوضع الكلم في مواضعه، واستكمال العدة حتى يتم القيام بالاستنباط السليم".

ووصف العبادي "مصالحة" بالبرنامج الإنساني الذي يغطي أبعادا منها الذاتي والنفسي والمجتمعي مشددا على أنه لتغطية كل هذه الأبعاد كان لزاما توفر الإرادة والعزيمة لدى السجناء.

ويتضمن برنامج "مصالحة" تنظيم ورشات عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن دروس في الاقتصاد الذاتي ومواكبة لاحقة في إطلاق مشاريع ذاتية مدرّة للدخل بعد انتهاء مدة محكوميتهم أو الاستفادة من العفو الملكي.

المصدر : الجزيرة