المهمشون في اليمن بين فكي كماشة.. الحوثي شمالا والانتقالي جنوبا

افتهان الوصابي واحده من بين عشرات الأسر المهجرة من جبل الفرس بعدن (الجزيرة نت) ‫‬
أسرة الوصابي واحدة من بين عشرات الأسر المهجرة من جبل الفرس بعدن ‫‬ (الجزيرة)

عدن – أوجاع كثيرة تكالبت على النازحة اليمنية افتهان الوصابي بعدما تذكرت بحزن شديد زوجها الذي غيبه الموت بعد أشهر من تهجيرها من حي جبل الفرس، المليء بالأسى وقصص الألم والحرمان، في مديرية كريتر بمدينة عدن، جنوبي اليمن.

والوصابي، التي تجاوزت العقد الرابع من العمر، فرت من مدفعية الحوثي في مدينة تعز إلى مدينة عدن الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي، لتجد في انتظارها هناك جحيما آخر ليس أقل إيلامًا من الذي هربت منه من مدينتها التي ما زالت تطحن بيوتها رحى الحرب.

يعيش النازحون من فئة المهمشين في مخيمات عدن حياة صعبة لا يمكن وصفها (الجزيرة نت)
يعيش النازحون من فئة المهمشين في مخيمات عدن حياة صعبة لا يمكن وصفها (الجزيرة)

ومنذ وصولها إلى عدن استقر بها المقام مع عائلتها المكونة من 5 أفراد في سفح جبل يسمي "جبل الفرس" بكريتر، وكانت ضمن 200 أسرة من النازحين، معظمهم من فئة المهمشين تعرضوا لأعمال "عنف وإحراق مساكنهم وتهجير قسري من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات" حسب قولها للجزيرة نت.

تفتقر المخيمات المتناثرة على أطراف مدينة عدن إلى أبسط مقومات الحياة (الجزيرة نت)
تفتقر المخيمات المتناثرة على أطراف مدينة عدن إلى أبسط مقومات الحياة (الجزيرة)

قسوة الواقع

تقول بنبرات حزن للجزيرة نت "حياتنا تحولت إلى جحيم، جاء مسلحون من الحزام الأمني وقاموا بالاعتداء علينا وإشهار السلاح في وجوهنا وأخرجونا من الجبل"، وبصوت يعكس قسوة الواقع، تضيف "طردونا من منازلنا وصبوا عليها البترول وأضرموا فيها النيران".

وتبدو هذه النازحة بعد عامين من النزوح حائرة لا تدري ماذا تفعل لإطعام أطفالها، فبعد أن فقدت زوجها الذي توفي عنها بسبب مرض عضال وكان قبل ذلك يعولها بلقمة عيش تسد رمقها وأطفالها، تأتيهم يوما وتتلاشى أياما، أصبحت الآن معدمة تفتقد لأبسط الأشياء التي تبقي أسرتها على قيد الحياة.

يعيش النازحون من فئة المهمشين في مخيمات عدن حياة صعبة لا يمكن وصفها (الجزيرة نت)
أسرة الوصابي حاليا  تتقاسم العيش مع شقيقها في منزل صغير يفتقر إلى الماء والكهرباء (الجزيرة)

وتتقاسم أسرة الوصابي حالياً العيش مع شقيقها في منزل صغير يفتقر إلى الماء والكهرباء بعد أن ظلت هي وأطفالها لأيام تفترش الأرض، وهي واحدة من بين عشرات الأسر التي كانت تسكن تلك المنطقة في بيوت مصنوعة من ألواح كرتونية وخشب وأخرى مبنية بالحجارة، وثَقت الجزيرة نت قصصهم وتحدثت مع عينة منهم.

وأحد هؤلاء، النازح سلمان صالح مسيب (36 عاما)، وهو واحد من فئات المهمشين الأشد فقراً، والذي أفاد بأنه يعيش حالياً ظروفا إنسانية صعبة للغاية في مدينة الخوخة بمحافظة الحديدة مع زوجته وطفليه بعد أن أجبره المسلحون في تلك المنطقة على النزوح من عدن.

200 أسرة من النازحين والمهمشين في حي جبل الفرس بعدن تم تهجيرها بعد احراق مناولهم (الجزيرة نت) ‫‬ (13)
النازحون يعيشون ظروفا إنسانية صعبة للغاية (الجزيرة)

أساليب تنكيل

وقال مسيب للجزيرة نت إن "جنودا من الانتقالي اقتحموا الجبل سألوني من أين أنت، قلت لهم إني من مدينة زبيد بالحديدة، فقاموا بتهديدي وطلبوا مني الرحيل ومغادرة أرض الجنوب". وأضاف "ضاقت بنا الدنيا نحن فقراء لم نجد ما نأكل، ولكن لا أحد يهتم لأمرنا أو يساعدنا لأننا من فئة المهمشين".

وعلى غرار مسيب، يتذكر وضاح قائد بألم شديد ما تعرضوا له من تنكيل قبل التهجير، إذ أجبروه ضمن آخرين على حمل الطوب (الإسمنتي) والوقوف على رجل واحدة مدة طويلة، ويضيف للجزيرة نت "حدث ذلك تحت تهديد السلاح وكان معنا رجل مسن سقط الطوب على رأسه وغطت الدماء وجهه".

يضم حي جبل الفرس بعدن بيوت مصنوعة من ألواح كرتونية وخشب وأخرى مبنية بالحجارة (الجزيرة نت)
يضم حي جبل الفرس بعدن بيوتا مصنوعة من ألواح كرتونية وأخشاب وأخرى مبنية بالحجارة (الجزيرة)

وكان تقرير حقوقي للمركز الأميركي للعدالة، رصد ووثق العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات المجلس الانتقالي، وقال التقرير "إن سكان جبل الفرس بكريتر، تعرضوا في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي للعديد من الانتهاكات، تنوعت بين الاعتقال والمداهمة وتدمير وإحراق المنازل والتهجير القسري".

وحسب التقرير الصادر مطلع الشهر الماضي بعنوان "أصبحوا بلا مأوى" فقد وثق فريق المركز "12 حالة إحراق وتدمير وهدم كلي للمنازل، وتهجير 20 أسرة من منازلهم تحت تهديد السلاح، وهي أسر نازحة من محافظات عدة، تم تهجيرها للمرة الثانية أو الثالثة".

200 أسرة من النازحين والمهمشين في حي جبل الفرس بعدن تم تهجيرها بعد احراق مناولهم (الجزيرة نت) ‫‬ (17)
كثير من المهمشين من أبناء محافظتي تعز والحديدة تعرضوا للتهجير من تجمعاتهم السكنية بعد إحراق منازلهم (الجزيرة)

أسباب مناطقية

وبدأت هذه الوقائع في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين وقعت اشتباكات مسلحة بين فصيلين مسلحين تابعين للمجلس الانتقالي، يقود الأول قائد معسكر 20 سابقاً "إمام النوبي"، والثاني بقيادة "قائد الحزام الأمني"، تم على إثرها اقتحام الجبل وتهجير سكانه بذريعة التواطؤ مع قوات النوبي، والسماح لها بالتمركز في المنطقة الجبلية والتحصن بالمنازل.

وليست هذه الواقعة الأولى من نوعها، ففي أواخر العام الماضي تعرضت أكثر من 130 أسرة نازحة من المهمشين من أبناء محافظتي تعز والحديدة للتهجير من تجمعاتهم السكنية، بعد إحراق منازلهم من قبل قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة الضالع جنوب اليمن.

تفتقر المخيمات المتناثرة على أطراف مدينة عدن إلى أبسط مقومات الحياة (الجزيرة نت)
المعاناة الإنسانية تبدو أكثر مأساوية بالنسبة لأسر المهمشين وأطفالهم الذين تضاعفت معاناتهم عشرات المرات (الجزيرة)

وقال رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن نعمان الحذيفي إن ما تعرضت له العديد من الأسر المهمشة من عمليات تهجير قسري في عدن والضالع لأسباب تبدو في ظاهرها مناطقية وليست أمنية "هي جزء من مآسٍ كثيرة ومعاناة طويلة طالت فئة المهمشين من جميع أطراف الصراع في اليمن".

وأضاف "رغم أن جميع فئات المجتمع اليمني عانت من هذه الحرب، فإن المعاناة الإنسانية تبدو أكثر مأساوية بالنسبة لأسر المهمشين الذين تضاعفت معاناتهم عشرات المرات عن غيرهم وتسببت بنزوح وتشريد العديد منهم هربا من حدة الصراعات في أغلب مناطق اليمن".

المصدر : الجزيرة