مقابلة مع الجزيرة نت.. وزيرة خارجية البوسنة: الداعون لإعادة التقسيم يسعون لتحقيق أهداف مجرمي الحرب

بصيرة توركوفيتش: لا أحد يختار جيرانه، وللبوسنة والهرسك مصلحة ببناء علاقات جيدة مع البلدان المجاورة (الجزيرة)

سراييفو- قالت بصيرة توركوفيتش نائبة رئيس الوزراء وزيرة الخارجية البوسنية إن الداعين إلى إعادة تقسيم البوسنة والهرسك إنما يسعون إلى تحقيق أهداف مجرمي الحرب الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية، مشددة في مقابلة مع الجزيرة نت على أن عملية انضمام بلادها للاتحاد الأوروبي لا بديل لها، وأن من شأن الانضمام تحقيق الاستقرار والازدهار النهائي والطويل الأمد، ليس فقط للبوسنة والهرسك، ولكن لمنطقة غرب البلقان بأكملها.

ووصفت المسؤولة البوسنية أميركا بأنها أهم حليف لبلادها، وتركيا بالدولة المحورية التي تقوم بدور مهم في الحفاظ على السلم والأمن في البلقان، وعلى المستوى الاقتصادي، قالت توركوفيتش إن بلادها منفتحة على الاستثمار الأجنبي، ولديها بيئة محفزة للتنمية الاقتصادية، وذكرت أن الاقتصاد البوسني حقق تغييرات إيجابية خلال جائحة فيروس كورونا.

تجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية توركوفيتش أنهت دراستها الجامعية في عام 1979 في العاصمة البوسنية سراييفو، وحصلت على الماجستير عام 1988 في ملبورن الأسترالية، ثم حصلت على الدكتوراه في هاواي الأميركية عام 1995، وقد حازت العديد من الجوائز والأوسمة البوسنية والعالمية، ولديها عشرات المؤلفات في مجالات الاقتصاد والأمن والتعاون الدولي.

عينت أول سفيرة في تاريخ البوسنة والهرسك بعد استقلالها، وهي أول امرأة تشغل منصب وزير خارجية بلادها.

وفيما يلي نص الحوار:

  • قضيتم ما يقرب من 30 عاما في أروقة الدبلوماسية، مثلتم دولة البوسنة والهرسك في فترات عصيبة من تاريخها، وتوج ذلك باختياركم وزيرة للخارجية، ما أبرز محطات مسيرتكم الدبلوماسية الحافلة؟

نعم، هذا صحيح. لقد جبت العالم شرقا وغربا سفيرة لبلدي في كرواتيا والمجر، ثم بلجيكا ولوكسمبورغ والولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل والنمسا وقطر، كما كنت مندوبة البوسنة الدائمة في الأمم المتحدة، وفي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

والحقيقة أنها كانت كلها محطات مهمة في تاريخ البوسنة، لكني أستطيع أن أختار 3 محطات أعتبرها الأهم في حياتي الدبلوماسية. الأولى عندما عينت سفيرة في كرواتيا خلال العدوان على البوسنة والهرسك، وتنبع أهمية ذلك ليس لأنني كنت أول سفيرة في تاريخ دولة البوسنة الحديثة فحسب، بل للظروف الراهنة آنذاك، فقد كانت كرواتيا تمثل لنا أهمية كبرى، فبعد أن أغلق الصرب الحدود الشرقية والجنوبية، أصبح المعبر الوحيد لنا للعالم هو من الناحية الشمالية والغربية أي عبر كرواتيا.

أهم محطات مسيرتي الدبلوماسية هي عندما عينت سفيرة في كرواتيا خلال العدوان على البوسنة والهرسك، فقد كانت كرواتيا هي المعبر الوحيد لنا للعالم، بعدما أغلق الصرب حدودنا الشرقية والجنوبية.

فأصبحت المدن الكرواتية الحدودية هي المحطة الأولى لمئات الآلاف من اللاجئين الذين هربوا من جحيم الجرائم الصربية، لذا لم تكن مهمتي مهمة دبلوماسية عادية، بل كنت مسؤولة عن كل شيء، توصيل كافة أنواع الدعم لوطني، وأبناء شعبي المحاصرين في المدن البوسنية، والتنسيق لزيارات المسؤولين البوسنيين لدول العالم، بالإضافة لرعاية آلاف اللاجئين وضحايا العدوان، الذين قرروا البقاء في كرواتيا.

وقد كانت هذه المهمة تزداد صعوبة وتعقيدا عندما تتوتر العلاقات البوسنية الكرواتية.

وأما المحطة الثانية فكانت عملي سفيرة لبلدي في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و2009، فأميركا هي تاج مهنة لأي سفير. إنه مكان تشعر فيه بطاقة خاصة وأجواء سياسية لا يمكنك مقاومتها. ومن المستحيل ألا تحب واشنطن، فبمجرد أن تجد نفسك فيها، ينتابك شعور عجيب لأنك في مركز القوة السياسية العالمية، وأنك تستطيع التأثير على مجرى الأحداث.

لكن محطتي الأخيرة سفيرة في دولة قطر جلبت لي متعة من نوع خاص، لقد وجدت كل تلك المُثُل والقيم التي سعيت للتمسك بها طوال حياتي على المستويين الخاص والاجتماعي، موجودة في قطر. فهناك الحياة الأسرية والعائلية مهمة للغاية، كما يوجد إخلاص في الصداقات. والاحترام والأمان منسوجان في جميع مسام الحياة.

لقد استطاع القطريون أن يصنعوا توازنا شبه مستحيل، فالبلاد تتحول إلى العلم والمستقبل.. مع الحفاظ على القيم والتقاليد، فلم يتخلوا عن دينهم وثقافتهم، وفي الوقت نفسه يخطون بخطوات واثقة إلى المستقبل. وبهذا استطاعت قطر أن تكون دولة ذات أهمية كبيرة في الأوساط الدولية، تعمل بقوة على تعزيز الأمن الدولي والدفاع عنه، وتسهم في التنمية والاستقرار في جميع أنحاء العالم. إنها دائما تسبق الجميع بخطوة، وأرى أنه يمكن للكثيرين الاقتداء بقطر في هذا الصدد.

لقد اكتسبتُ العديد من الأصدقاء الحقيقيين في قطر وهذه قيمة أقدرها بشكل خاص. وقد شرفني للغاية التقدير الذي تلقيته من صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد بمنحي وسام الوجبة.

بيسيرا توركوفيتش أمير قطر يمنح الوزيرة وسام الوجبة - المصدر صفحة الديوان الأميري
وزيرة خارجية البوسنة: لقد شرفني للغاية التقدير الذي تلقيته من أمير قطر بمنحي وسام الوجبة (مواقع التواصل)
  • عدتم مؤخرا من جولة شملت دولا عربية منها قطر وسلطنة عمان، كيف تقيمون العلاقات البوسنية العربية، ولا سيما على المستوى الاقتصادي، وما أسباب عدم استفادة البوسنة من الإمكانات الهائلة للدول العربية فيما يخص الاستثمار؟

في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان من هذا العام، قمنا بزيارة ناجحة للغاية للمنطقة العربية. وبرغم أن الهدف الأساسي للزيارة كان التعاون من أجل مكافحة عواقب جائحة فيروس كورونا، لكننا بحثنا كيفية زيادة التعاون الاقتصادي.

وقد عقدت اجتماعات مثمرة للغاية مع كبار المسؤولين، وتم إطلاق أنشطة جادة بهدف إنشاء إطار عمل مناسب بين الدول، وتسهيل الأعمال وجذب الاستثمارات وتقوية العلاقات بشكل عام.

البوسنة والهرسك بلد منفتح على الاستثمار الأجنبي، ولدينا بيئة محفزة للتنمية الاقتصادية، وعلى الرغم من الظروف الحالية، فإن الاقتصاد البوسني قد شهد تغييرات إيجابية أثناء الجائحة، فقد زادت صادراتنا في الربع الأول من هذا العام بنسبة 7.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ويقدر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد في البوسنة والهرسك سينمو بنسبة 3.5% في 2021.

نحن ندرك الإمكانات الموجودة لدى الدول العربية، ونرى أن الفرصة كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية، ولا سيما مع دول الخليج العربي. ومقتنعة بأن الوقت مناسب جدا لتفعيل هذه الإمكانات من أجل المصلحة المشتركة.

علما بأنه لدينا تعاون جيد مع الدول العربية في المجال السياحي والعقاري، ونسعى لمزيد من التعاون في مجالات الزراعة والصناعة، والإنتاج الحيواني. كما توجد أمثلة كثيرة على التعاون الناجح لكن للأسف غير معروفة لدى العامة، مثل الأنشطة المهمة والمفيدة التي تقوم بها مؤسسة قطر الخيرية في البوسنة، من رعاية الطلاب وكفالة الأيتام بأسلوب راق وعصري.

  • من وقت لآخر تتجدد دعوات البعض من خارج البوسنة أو من داخلها إلى ضرورة إعادة تقسيم البوسنة، ويرى البعض أن هذا الأمر يندرج تحت بند حق تقرير المصير وهو حق أصيل للشعوب، لكن البعض الآخر يرى أنه محاولة لإحياء فكرة صربيا الكبرى أو كرواتيا الكبرى. ما رؤيتكم لذلك؟ وهل يمكن أن نصل بالفعل إلى "دايتون 2″؟

لا شك في أن سيادة البوسنة والهرسك وأمنها الإقليمي أمر لا جدال فيه. وأعتقد أنه لا يوجد أي شخص جاد في المجتمع الدولي مستعدا حتى للنظر في الخيارات التي تعرّض أمن البوسنة والهرسك للخطر، وأن كل ما يدور في هذا الصدد ما هو إلا محاولات فاشلة لفرض الخطاب الانفصالي.

البوسنة والهرسك دولة مستقلة معترف بها دوليا، وعضو في الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية، كما أن البوسنة دولة شريكة في منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويسهم جنودنا في مهمات دولية كثيرة حول العالم لإرساء السلام والأمن.

الترويج لفكرة تغيير حدود البوسنة والهرسك يتعارض مع المبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان والقرارات، والمواقف ذات الصلة الصادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ويشكل إهانة لجميع مواطني البوسنة والهرسك.

إن الترويج لفكرة تغيير حدود البوسنة والهرسك يتعارض مع المبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان والقرارات، والمواقف ذات الصلة الصادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ويشكل إهانة لجميع مواطني البوسنة والهرسك الذين لهم الحق في تقرير مصيرهم.

وإن الذين يدعون إلى إعادة تقسيم البوسنة والهرسك إنما يسعون إلى تحقيق أهداف أولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك، والذين صدرت بشأنهم أحكام من قبل محكمة العدل الأوروبية في ستراسبورغ، والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

  • منذ الاستقلال وعلاقات البوسنة بجيرانها يشبوها الغموض، وكثيرا ما يعطي "الجيران" أنفسهم الحق في التدخل في شؤون البوسنة الداخلية، كيف يمكن حسم ذلك الأمر؟

لا أحد يختار جيرانه، وللبوسنة والهرسك مصلحة في بناء علاقات جيدة مع البلدان المجاورة، على الرغم من حقيقة أن لدينا عددا من القضايا المفتوحة. لكن كن مطمئنا بأننا قادرون، وأننا سنحمي دائما مصالح دولتنا ومواطنينا.

لدى المجتمع الدولي آليات للتفاعل مع الأحداث في المنطقة، وقد تم تعيين الألماني كريستيان شميت كممثل أعلى جديد، وأعتقد أن هذا سيكون حافزا قويا لتسريع الإصلاحات. وبهذا الصدد أود أن أحيي دولة الجبل الأسود، حكومة وشعبا، لقيامها بخطوة تاريخية مهمة تتمثل في إصدار قانون يجرم "إنكار الإبادة الجماعية في سربرينيتسا".

  • كيف يمكن لتركيا أن تلعب دورا مؤثرا في هذا الإطار عبر مؤتمر قمة منظمة "عملية التعاون في جنوب شرق أوروبا"؟

إن تركيا دولة صديقة وشقيقة، ولدينا تعاون ممتاز وهادف للغاية معها، وهي تضطلع بدور محوري في ترسيخ الأمن والسلم في منطقة غرب البلقان، بصفتها شريكا، ولكن أيضا بصفتها عضوا في الناتو.

توركوفيتش رفقة نظيرها التركي مولود جاويش أوغلو (مواقع التواصل)

وقد شكلت تركيا عدة لجان ثلاثية للتقريب وبحث القضايا المشتركة، فهناك لجنة تضم تركيا والبوسنة والهرسك وصربيا، ولجنة أخرى تتشكل من تركيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا، هذه اللجان تجتمع بشكل دوري على مستوى وزراء الخارجية، وعلى مستوى الرؤساء حسب الحاجة.

كذلك فإن منظمة "عملية التعاون في جنوب شرق أوروبا"، والتي ترأس تركيا دورتها الحالية، تقوم بدور مهم جدا في تعزيز تعاون الدول الأعضاء، ولقد حرص اجتماع القمة، الذي عقد في مدينة أنطاليا التركية، في يونيو/حزيران الماضي، على تأكيد أهمية علاقات حسن الجوار، والاحترام المتبادل بين الدول الأعضاء، كإطار لتنفيذ كل الخطط والبرامج على الصعيد الاقتصادي والأمني، وقد وقّع على تلك المقررات جميع رؤساء وممثلو الدول الأعضاء، بما فيها صربيا وكرواتيا وسلوفينيا.

  • يعتقد البوسنيون أن مشاكل بلادهم أو الجزء الأكبر منها سيحل عندما تصبح البوسنة جزءا من الاتحاد الأوروبي، إلى أين وصلت البوسنة على هذا الطريق؟ وما المعوقات الحقيقية لانضمامها للتكتل؟

نعم هذا صحيح، الغالبية العظمى من مواطني البوسنة والهرسك يدعمون الاندماج مع أوروبا، ويؤيدون العمل لتلبية جميع الشروط، ليس فقط لوضع المرشح لنيل العضوية، ولكن أيضا جميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق العضوية الكاملة بالاتحاد الأوروبي.

لقد تم إعفاء مواطني البوسنة والهرسك من تأشيرة دخول دول منطقة شينغن، كما حصلنا على تسهيلات عديدة في مجال التجارة والجمارك، لكننا نسعى للانضمام بشكل كامل.

ولدى الجميع اعتقاد واضح بأن البوسنة والهرسك جزء طبيعي من أوروبا، وأن عملية الانضمام للاتحاد ليس لها بديل، وأن هذا وحده سيحقق الاستقرار والازدهار النهائي والطويل الأمد، ليس فقط للبوسنة والهرسك ولكن لمنطقة غرب البلقان بأكملها.

رغم الدمار الشامل الذي خلفته الحرب، تمكنا من تنفيذ مئات الإصلاحات الناجحة على مدار أكثر من 25 عاما بهدف إعادة الإعمار، والبوسنة الآن في وضع يمكنها من الحصول على وضع "مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي"

إننا، وبرغم الدمار الشامل الذي خلفته الحرب، تمكنا من تنفيذ مئات الإصلاحات الناجحة على مدار أكثر من 25 عاما بهدف إعادة الإعمار، والبوسنة الآن في وضع يمكنها من الحصول على وضع "مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي".

وأعتقد أن الاتحاد وأعضاءه وممثليه سيعترفون بهذه الحقيقة، ويقدمون الدعم من خلال الآليات الدولية والمباشرة للجهود داخل البوسنة والهرسك لنيل عضوية الاتحاد.

  • تفاءلتم، مثل كثيرين، بفوز جو بايدن برئاسة أميركا، ووصفتم فوزه بـ"بزوغ فجر جديد"، هل وصل بعض من نور ذلك الفجر إلى البوسنة؟

إن دور الولايات المتحدة في البوسنة والهرسك حيوي للغاية، ولطالما كانت داعما ثابتا وقويا للتقدم والإصلاحات في البوسنة والهرسك، وكان الرئيس بايدن وما يزال صديقا عظيما للبوسنة والهرسك. لقد رأينا بالفعل بعض الخطوات التي اتخذها البيت الأبيض لتوسيع آليات نفوذه في البوسنة والهرسك، من أجل منع العراقيل أمام التقدم وتنفيذ اتفاق دايتون.

وتكتسي الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى رئاسة البوسنة والهرسك هذا العام أهمية كبيرة، والتي دعم فيها بقوة الإصلاحات والإصلاحات الدستورية المحدودة. فالولايات المتحدة هي أهم حليف لنا، وهي دولة ملتزمة تماما بالتقدم والمستقبل الأوروبي الأطلسي.

ومع ذلك، فإن ديناميكية الإصلاحات لا تعتمد فقط على الولايات المتحدة أو العوامل الدولية، فمن الضروري أيضا أن يدرك جميع البوسنيين أن تقدم بلدهم يعني التقدم لجميع الذين يعيشون فيه، بغض النظر عن الأمة أو الدين أو الكيان أو أي هوية أخرى.

المصدر : الجزيرة