مصادر رسمية ومنظمات حقوقية فرنسية: تراجع عدد اللاجئين وتضاعف معاناتهم جراء أزمة كورونا

Refugee Camps Swell In Northern Iraq As Syrians Flee Recent Fighting
لا تملك فرنسا إستراتيجية واضحة لتلقيح المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء ضد فيروس كورونا (غيتي إيميجز)

كشفت أزمة كورنا الصحية التي اجتاحت العالم أن لها تبعات كبيرة وعواقب وخيمة على حركة الهجرة العالمية والانخفاض الكبير في أعداد اللاجئين على مستوى عالمي، خاصة على مستوى أوروبي وفرنسي تحديدا.

فقد أكدت الداخلية الفرنسية في تقريرها الصادر أخيرا أن جائحة كورونا كانت لها "عواقب كبرى على تدفق اللاجئين الوافدين والخارجين" مع تسجيل تراجع إلى النصف لعدد غير القانونيين المبعدين بنسبة 51.8%.

وفي تصريحات إعلامية سابقة، قال جوليان بوشيه المدير العام للهيئة، المكلفة بالنظر في طلبات اللجوء، إن هناك فارقا كبيرا بالمقارنة بالطلبات التي تمنح للاجئين خلال الفترة الماضية.

وأضاف "حجم تراجع طلبات اللجوء تغير كثيرا، خصوصا وأننا كنا في اتجاه تصاعدي السنوات الماضية، وأن بداية العام 2020 كانت في نفس الاتجاه".

وأظهرت البيانات الإحصائية الأولى التي نشرتها الداخلية الفرنسية في 21 يناير/كانون الثاني 2021 انخفاضًا بنسبة 41% بالطلبات الأولى المسجلة، مما يمثل قطيعة حادة بعد سنوات من الارتفاع منذ أزمة الهجرة عام 2015، عندما تم تقديم 1.28 مليون طلب لجوء على أراضي الاتحاد الأوروبي.

عام 2020 تم تقديم 81 ألفا و669 طلب لجوء في فرنسا مقابل 138 ألفا و420 طلبا عام 2019، في حين قدم 115 ألفا و888 طلبا عاما العام الماضي مقابل 177 ألفا و822 طلبا عام 2018.

وتظل أفغانستان وبنغلاديش في مقدمة الدول من حيث عدد المتقدمين لطلب اللجوء، ولكن قائمة البلدان العشرة الأولى خضعت لعدة تغييرات.

تراجع الأرقام أوروبيا

وعلى المستوى الأوروبي، لم تكن الأرقام والنسب بعيدة على ما صرح به في فرنسا خلال 11 شهرا الأولى عام 2020، حيث أعلن مكتب دعم اللجوء الأوروبي في بيان له في 18  فبراير/شباط 2021 عن تراجع بنسبة 31% في عدد طلبات اللجوء التي تم تقديمها عام 2020 بدول الاتحاد، لتصل أدنى مستوياتها منذ عام 2013، وذلك "بسبب القيود على التنقل" نتيجة تفشي وباء كورونا، وفق ما أفاد المصدر نفسه.

وأكد المكتب الأوروبي في بيانه أن "التراجع الكبير يعكس أثر جائحة كورونا وتدابير الطوارئ على غرار القيود على التنقل".حيث سجل 461 ألفا و300 طلب لجوء عام 2020 مقابل 671 ألفا ومئتي طلب عام 2019.

وبالنسبة للنصف الأول من عام 2020 ووفق إحصائيات المفوضية الأوروبية، تم تقديم 277 ألفا و220 طلب لجوء، بانخفاض قدره 40.5% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وحافظت ألمانيا على المرتبة الأولى بأكثر من 71 ألف طلب، فإسبانيا وفرنسا خاصة في طلبات لجوء البالغين بـ 43 ألفا و10 طلبات و32 ألفا 105 طلبات على الترتيب مقابل 15 ألفا و685 لليونان والمملكة المتحدة بـ 12 ألفا و630 وإيطاليا 8125 طلبًا للبالغين.

ورغم انخفاض أعداد اللاجئين جراء أزمة كورونا، فان سياسة استقبال اللاجئين من قبل الدول الأوروبية، والسلطات الفرنسية على وجه الخصوص -مثلما يؤكد المراقبون والمنظمات الحقوقية الناشطة بمجال الهجرة واللجوء- اتسمت باللامبالاة والتنصل من المسؤولية الأخلاقية والقانونية والإنسانية.

ولمعرفة موقف هذه المنظمات الحقوقية تجاه هذه السياسة، ومعرفة حجم معاناة طالبي اللجوء على أرض الواقع، توجهت الجزيرة نت لممثلي بعض هذه المنظمات الحقوقية الناشطة على التراب الفرنسي.

أفغانستان وبنغلاديش في المقدمة من حيث عدد المتقدمين لطلب اللجوء ولكن قائمة البلدان العشرة الأولى خضعت لعدة تغييرات (رويترز)

حضور المنظمات الحقوقية وغياب الدولة

تحدثت كلير ميلوت الأمين العام لجمعية سلام الناشطة في منطقة كاليه شمال فرنسا للجزيرة نت عن "تضاعف معاناة طالبي اللجوء والمهاجرين غير المقيمين، جراء جائحة كورونا، وتنصل السلطات الفرنسية من مسؤوليتها" وقالت "لحسن الحظ أن فيروس كورونا لم يضرب المهاجرين غير الشرعيين في منطقتنا، رغم ظروفهم المعيشية والحياتية الصعبة ورغم أنهم معرضون لهذا الخطر باعتبار أنهم يعيشون في العراء وفي غياب أبسط متطلبات الحياة من ماء صالح للشرب وأكل صحي، وأبسط شروط النظافة".

وتابعت ميلوت "السلطات حاولت تقديم بعض الحلول العاجلة ونقل المهاجرين لأماكن إقامة وقتية خلال الحجر الأول والموجة الثانية، ولكن العملية والمحاولة باءت بالفشل".

وتابعت "قامت السلطات المحلية مثلا بجلب مجموعة من الحافلات لنقل المهاجرين لأماكن إقامة وقتية، ولكن مجموعة من قوات الشرطة المختصة "سي آر إس" (CRS) رافقت هذه الحافلات، وبمجرد أن شاهدهم المهاجرون انسحبوا وهربوا خوفا لأنهم اعتقدوا أن القوات والسلطات جاءت كالعادة لطردهم من مخيماتهم ونقلهم بعيدا".

وتقول أيضا إن هذا التناقض والخطوات الأحادية المتخذة من السلطة "كانت ستنجح ربما لو تم التنسيق معنا ومع بقية الجمعيات الناشطة في المنطقة، ولكن للأسف السلطات تتصرف دائما بشكل فردي فوقي".

وتضيف الأمين العام لجمعية "سلام" في نفس السياق بأن "من المتناقضات والمضحكات المبكيات أن السلطات العليا في الدولة حين رأت خطورة الوضع وقيمة الخسائر البشرية،  نتيجة هذه الجائحة، أقرت في عدة مراسيم وقرارات أن تلتزم كل السلطات المحلية من بلديات ورؤساء أقاليم بتوفير المتطلبات الحياتية الأساسية من مأكل وماء صالح للشرب وبيوت راحة وحمامات وإقامة لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين ولكل إنسان معرض للخطر".

وقالت ميلوت "السلطات المحلية رفضت تنفيذ هذه الأوامر أو توفير هذه الأشياء البسيطة، وقد قامت جمعيتنا بمقابلة مع نائب رئيس الاقليم المكلف بالأمن، وحين احتججنا أمامه على عدم تنفيذ هذه القرارات أجابنا بكل بساطة بأنه واقعيا وعمليا لا يمكن توفير متطلبات العيش الضرورية لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين ومساعدتهم على تمديد الإقامة وتوفير أماكن إقامة دائمة ومريحة في هذه المنطقة" مؤكدة أنه "أمر صادم حقا أن نسمع هذا الكلام اللاإنساني من مسؤول في الدولة".

وعن القرار الذي اتخذته السلطات الفرنسية خلال فترة الحجر الأولى، والقاضي بإغلاق كل المنافذ والأبواب والإدارات الخاصة بطلبات اللجوء، وقالت الناشطة ميلوت للجزيرة نت "في الحقيقة شيء صادم أن يتم إغلاق تقديم طلبات اللجوء وهو حق طبيعي مقنن، ولكن السلطات تعللت بضرورة مراعاة الإجراءات الصحية واستغلت جائحة كورونا لتنفيذ سياسة الغلق هذه. وهذا طبعا يتنافى مع أبسط قوانين اللاجئين ومبادئ حقوق الإنسان".

ضغط المنظمات الحقوقية

من جهتها قالت دلفين رويلو المدير العام لمنظمة فرانس تار دازيل (فرنسا أرض لجوء) للجزيرة نت، بخصوص تنصل سلطات الهجرة الفرنسية من التزاماتها نحو المهاجرين جراء كورونا "إجراءات اللجوء ربيع 2020 في فرنسا تأثرث بظروف الجائحة نتيجة إغلاق السلطات لحق تقديم طلبات اللجوء، ولكن سرعان ما تمت استعادة هذا الحق تحت ضغط المنظمات الحقوقية".

وتابعت رويلو "في منظمتنا يعمل الموظفون يوميا مع طالبي اللجوء لدعمهم ومراقبة صحتهم وتحديد حالات الضعف الخاصة" فـ "طوال فترة الحجر، حافظنا على رابط يومي للاجئين الذين نستوعبهم ونوفر لهم الإقامة، ولكننا لم ننس طالبي اللجوء الذين يعيشون في الشارع من أجل منع حالات الانعزال والشعورة بالوحدة والاكتئاب النفسي".

Merkel Visits Refugees Class On Constitutional State FRANKFURT AM MAIN, GERMANY - OCTOBER 08: German Chancellor Angela Merkel attends a class, in which Syrian refugees learn about Germany's constitutional state at a municipal court on October 8, 2018 in Frankfurt, Germany. Germany took in over one million refugees and migrants in 2015-2016. Those granted asylum are encouraged to learn about Germany's constitutional democracy system of governance as part of their integration process. (Photo by Thomas Lohnes/Getty Images)
ألمانيا الأولى أوروبيا في طلبات اللجوء تليها إسبانيا وفرنسا (غيتي إيميجز)

تلقيح المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء

وعن غياب إستراتيجية واضحة من السلطات الفرنسية لتلقيح المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء ضد فيروس كورونا، أشارت الناشطة ميلوت للجزيرة نت إلى أن "الدولة تتحدث دائما عن إستراتيجية لتلقيح المواطنين العاديين ولكنها لم تفكر أبدا في وضع المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء، لأن هذا الأمر ليس في أولوياتهم ولا من مشاكلهم. إنه محزن حقا. ليس هناك تفكير حقيقي في هذه الفئة الحساسة المعرضة للخطر".

الميثاق الأوروبي الجديد

وبخصوص انتقادات بعض المنظمات الحقوقية  للميثاق الأوروبي الجديد الخاص بالمهاجرين واللاجئين الذي قدمه الاتحاد الأوروبي لتعويض ميثاق "دبلن" الخاص بالمهاجرين، أكدت ميلوت أن هذا الميثاق الجديد جد "صادم وسيئ ولا يصلح لتعويض قانون دبلن".

وتابعت "نحن كجمعية ناشطة في مجال المهاجرين وحقوق الإنسان، كنا نأمل أن يكون الميثاق الجديد أكثر عدلا وإنسانية من ميثاق دبلن الذي طالما طالبنا بتغييره وتعويضه، ولكن ما راعنا أن هذا الميثاق الجديد غير إنساني وغير عادل ولا يمت للواقع بصلة وقد أتى منافيا لكل آمالنا وتطلعات المنظمات الحقوقية".

أما دلفين رويلو المدير العام لمنظمة "فرنسا أرض لجوء" فقد قالت للجزيرة نت "بعد نشر الميثاق الأوروبي الجديد للجوء والهجرة اجتمعنا مع العديد من المنظمات الأوروبية، وقمنا بنشر إعلان مشترك يحتوي على تحفظاتنا ونقدنا لهذا الميثاق الأوروبي، ويوثق تصوراتنا وحلولنا لقضية الهجرة واللجوء.لأن شاغلنا الرئيسي هو إصلاح حق اللجوء في أوروبا الذي يجب أن يمر عبر تضامن حقيقي بين الدول ولا يرقى إلى كونه أداة لمراقبة الحدود وإزالتها".

المصدر : الجزيرة