ما نقص مال من صدقة.. رحلة "شنطة رمضان" بمصر من البسطاء للأشد احتياجا

A man giving sadaqa , ramadhan kareem activity with mosque and hanging lantern background, flat vector modern illustration - stock illustration
مبادرات رمضانية مصرية كثيرة لتوزيع "كرتونة رمضان" بمشاركة منظمات المجتمع المدني في جميع المحافظات (غيتي-تعبيرية)

القاهرة- انقضى أكثر من نصف رمضان وفي حلق ندى أحمد غصة، إذ لم تنجح في تدبير "كرتونة رمضان" لـ10 أسر -كما اعتادت سنويا- بمكوناتها المختلفة: كيلو من الأرز، ومثله من السكر، وثالث من الفول، وكيلو من التمر، وزجاجة زيت.

وكلما همّت بإكمال المبلغ المطلوب ارتفعت الأسعار فيكون أمامها إما إنقاص عدد المكونات أو تقليل عدد المستحقين، وكلا الخيارين مر بالنسبة إليها.

الاشتراك في تجهيز كارتونة رمضان للفقراء متعة.
مكونات "الكرتونة" تضاعفت أسعارها لكن كثيرين مصرون على الاستمرار في تقديمها ولو متأخرة (الجزيرة)

أخيرا، اتجهت ندى لتنفيذ القرار الذي حاولت تجنبه، وهو منح تلك الأسر مبالغ مالية تعادل قيمة مكونات "الكرتونة" -أي نحو 120 جنيها (4 دولارات)- لكي تجهزها بنفسها من معارض "أهلا رمضان" التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، حيث الأسعار أرخص كثيرا من فروع المتاجر الخاصة التي كانت ستجلب المكونات منها.

لكن، لماذا لم تذهب ندى بنفسها إلى المعرض لتشتري للأسر المحتاجة مكونات "الكراتين"؟ تجيب "لأن إدارة المعرض تمنع كل مشترٍ من شراء أكثر من عبوتين من كل صنف مدعوم في المنافذ الخاصة بوزارة التموين، لذا لن تتمكن من الخروج إلا بما يكفي أسرة واحدة أو اثنتين، في حين يمكن لكل أسرة أن تأخذ لنفسها ما يكفي من مكونات "كرتونة" وأكثر بالمبلغ المتاح".

الاشتراك في تجهيز كارتونة رمضان للفقراء متعة.
إدارة المعرض تمنع كل مشترٍ من شراء أكثر من عبوتين من كل صنف مدعوم في المنافذ الخاصة بوزارة التموين (الجزيرة)

حل قاس

وتعترف ندى للجزيرة نت بقسوة هذا الحل على نفسها، إذ ستفقد معه لذة اشتراك أفراد أسرتها معا في تعبئة "الكراتين"، في "شعور -لا يمكن وصفه- بمتعة عمل الخير"، وفق تعبيرها.

تنتمي أسرة ندى إلى الطبقة المتوسطة، هي موظفة في مركز لخدمات العملاء (كول سنتر) بإحدى شركات الاتصالات، ووالدها موظف حكومي، أما والدتها فهي ربة منزل، وأشقاؤها الأصغر منها في مراحل تعليمية مختلفة.

لم يتغير وضعهم الاجتماعي هذا منذ العام الماضي الذي قامت الأسرة خلاله بتجميع أكثر من 10 "كراتين" كانت تكلفتها أقل من 700 جنيه (أقل من 50 دولارا وقتها)، فيما أصبحت تكلفتها اليوم أكثر من 1200 جنيه (40 دولارا).

لكن المشكلة لا تكمن في السعر فقط، بل أيضا في الجودة والوزن "فما يباع على أنه زنة كيلوغرام هو في الواقع أقل من ذلك" كما تقول، مشيرة إلى أن "الشركات لا تخفي تلك الحقيقة، إذ ثبتت معظم الشركات على العبوات كلمة "تقريبا" عقب كلمة كيلوغرام".

أما الجودة فلا تكاد تذكر "الأرز حباته مكسورة، والسكر لونه داكن، وخشن، وحبة الفول شديدة الصلابة، وسوف تتكلف الأسر المحتاجة نصف أسطوانة غاز لطهوه".

منحت ندى كل أسرة المبلغ الذي خصصته للمحتاجين، وأضافت له مكونات من "كرتونة" كانت قد جاءتها من أهل والدتها، فيما يسمى ضمن التقاليد المصرية الاجتماعية "الموسم".

وربما لم تفقد ندى ثواب العمل، لكنها فقدت لذته المعتادة.

حيلة مبتكرة

أما ريهام رجب فنجحت بطريقتها الخاصة في تذوق لذة تجميع "الكرتونة" في نهاية الأسبوع الثاني من رمضان، إذ تلقت راتب الشهر متأخرا بسبب ظروف المشغل الخاص الذي تعمل فيه، وتدبرت حاجات أسرتها الغذائية لشهر رمضان بصعوبة بالغة، لكنها على الرغم من ذلك لم تيأس من إمكان أن تجهز للمحتاجين 10 "كراتين" غذائية كما اعتادت دائما.

وفي حديثها للجزيرة نت تعتبر ريهام أنها وقعت في مأزق، إذ ترددت بشأن إمكان تحقيق الهدف (عادة مساعدة الفقراء) السنوي المعتاد، وشعرت بأنها قد تعجز عن تدبير حاجات أسرتها، ولا سيما أن راتب زوجها الموظف في وزارة الثقافة وراتبها لا يتجاوزان 10 آلاف جنيه (نحو 330 دولارا)، وهذا كل ما لديهما من مستلزمات الشهر و"كراتين" رمضان.

الاشتراك في تجهيز كارتونة رمضان للفقراء متعة.
متطوعون يشاركون في تجهيز كراتين رمضان للفقراء (الجزيرة)

وحسمت ريهام أمرها حين قرأت في عيني السيدة التي تتلقى منها مساعدات عينية موسمية حاجة صامتة لم تعبر عنها السيدة صراحة، لكنها دعت لها قائلة "ربنا لا يقطع لك عادة"، وهي جملة خبرية تنطوي على دعاء، فقررت ألا تخذلها، وألا تخيب رجاءها مهما كلفها الأمر.

خططت ريهام للتوجه إلى أسواق "أهلا رمضان" التي تبيع المواد والسلع الغذائية بأسعار مخفضة، لكن صدمها قرار منع الحصول على أكثر من عبوتين من نفس الصنف، فاشترت ما تيسر وبقيت معظم المواد فلجأت إلى خطة مختلفة.

الاشتراك في تجهيز كارتونة رمضان للفقراء متعة.
"كراتين رمضان" تذهب إلى مقر جمعية خيرية حيث ينتظرها محتاجون تعرفهم ريهام بالأسماء (الجزيرة)

كانت ريهام كل عام تجلب عددا من "كراتين رمضان" التي جهزتها سابقا، فتذهب بها إلى مقر جمعية خيرية حيث ينتظرها محتاجون تعرفهم بالأسماء.

لكن هذا العام عكست الأمر، فاصطحبت سيدات محتاجات واتجهت بهن إلى مقر معرض "أهلا رمضان" في منطقة فيصل بالجيزة (غربي القاهرة)، لتشتري كل واحدة منهن ما تحتاجه، فيما تدفع ريهام المبلغ المطلوب للبائع.

"لا أدري كيف كفى ما معي من مال؟" تقول ريهام، مضيفة "هي البركة، ربما"، لكنها تعترف أيضا بأن السيدات تعففن عن شراء مزيد مما كانت ستشتريه لهن لو كانت بمفردها، مما جعل المبالغ المخصصة لهن تكفي وزيادة.

 

"كرتونة" دوارة

يفضل أيمن عبد الحميد -وهو موظف في إحدى شركات التوريدات الطبية- طريقة أخرى اعتادها كل عام، وهي تقديم مبالغ نقدية لإحدى الجمعيات الخيرية الكبرى التي تتولى بدورها تجهيز "الكراتين" وتوزيعها.

ويضرب أيمن بذلك عصفورين بحجر واحد، فهو يعجل في تقديم زكاة الفطر مبكرا قبيل العيد بأسبوع، فيتسلمها المحتاج حبوبا، فيما يكون هو قد دفعها مالا فأراح واستراح وخرج من الجدل الفقهي حول جواز إخراجها نقدا أم حبوبا.

ويرى أيمن في حديثه للجزيرة نت أن هذه الطريقة أجدى للبسطاء وأوفر لهم، إذ تشتري الجمعية المواد الغذائية بالجملة، أي بسعر أرخص مما لو اشتراها بنفسه، فضلا عن وجود قوائم محتاجين فعليين لديها.

أما سعيد عبيد فقد تلقى عبوتين من "كراتين رمضان" من جيرانه، باعتباره "ممن يحسبهم الجار أغنياء من التعفف"، فتبرع بما جاءه لجار آخر "يحسبه بدوره غنيا من التعفف".

يقول سعيد للجزيرة نت "ربما كان الجار الذي أعطيته الكرتونة هو المتبرع الأول بها لآخر حتى وصلتني"، ويضيف ضاحكا "هي الكرتونة الدوارة إذن".

يشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دشن في استاد القاهرة قبل أسبوعين مبادرة "كتف في كتف" لتوزيع 5.5 ملايين "كرتونة رمضان"، بمشاركة من منظمات المجتمع المدني وصندوق "تحيا مصر" ومتطوعين من جميع المحافظات، فيما استمرت جمعيات ومؤسسات وشركات كبرى في تجهيز "كراتين رمضان" للمحتاجين.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي