متلازمة المربع المفقود.. ما هي وما تأثيرها على حياتنا؟

لا يمكن أن يحصل الشخص على كل ما يتمناه، لكن يمكنه إيجاد البدائل، عوضًا عن الاستسلام والحزن (بيكسلز)

بيروت- الحياة ببساطة ليست مثالية، ولا يمكن أن تكون خالية من المشكلات أو النقص، والتركيز على مربعات حياتك المفقودة أمر خطير للغاية، فقد يسلب منك مشاعر الرضا والامتنان والسعادة، ليستبدل بها مشاعر سلبية كالندم والنقمة والغيرة والحسد وغيرها، وهذا ما يسمى بمتلازمة "المربع المفقود". فما المقصود بهذا المصطلح؟ وكيف يمكنك التغلّب عليه وحماية نفسك منه؟

التحديق في "المربع المفقود"

متلازمة "المربع المفقود" (Missing Tile Syndrome) مصطلح أوجده العالم الأميركي والمحلل السياسي ومؤسس جامعة "براغر" دنيس براغر. وتقوم النظرية على أن الناس يركّزون أنظارهم على مكان "المربع المفقود" في السقف، أي أنه لو كان هناك سقف مستعار في غرفة ما يتألف من 100 مربع، وكان هناك مربع ناقص من بين هذه المربعات، فإنه سيلفت انتباه الناس ويشغل أنظارهم عن المربعات الـ99 الموجودة.

ويشرح براغر في كتابه "السعادة مشكلة خطيرة" (Happiness Is a Serious Problem) الأمر بأنه يعني ببساطة التركيز على كلّ النواقص في حياتنا، ما يُفقدنا السعادة ومتعة اللحظة.

ويقول "الناس يميلون بطبعهم إلى التركيز على ما هو مفقود، بدلاً من التركيز على ما هو موجود.. هذا جيد بالنسبة للأسقف، لأنه يمكن جعلها مثالية، لكن الخطر هو عندما يطبق نفس التركيز على الحياة الواقعية".

3القناعة هي تدفع للشعور بالسعادة الذاتية لكل إنجاز يقوم به الانسان- (بيكسلز).
القناعة تدفع الإنسان للشعور بالسعادة الذاتية لكل إنجاز يقوم به (بيكسلز)

ولتجاوز هذه المعضلة قدّم الكتاب مجموعة من الاقتراحات، أهمها:

الحصول على "المربع المفقود": مثلاً، إذا كنت ترى أن امتلاك سيارة ضروري لتشعر بالسعادة، يمكنك ادّخار المال لتحقّق أمنيتك، أو تستطيع شراءها من خلال الحصول على قرض من أحد البنوك.

استبدال "المربع المفقود": لا يمكن أن يحصل الشخص على كل ما يتمناه، لكن يمكنه إيجاد البدائل، عوضًا عن الاستسلام والحزن والحسرة.

حماية النفس: من الضروري جدًّا حماية النفس من الشعور الفتّاك بما ينقصك، كن راضيًا بما لديك، فالطمع سيؤدي بك إلى الشعور بالحرمان بدلاً من الرضا.

لا أحد يعيش حياة مثالية تمامًا: الفرق بين الشخص السعيد والحزين، هو أن السعيد حقًّا من يشكر الله على النعم، بدلاً من التفكير بالنواقص. ويمكنك دائمًا تغيير حياتك للأفضل، إذ تستطيع في أيّ لحظة اتخاذ القرار بأن تركّز على المربعات الأخرى الموجودة حولك، بدلاً من الاستمرار في التحديق في المربع المفقود.

الفرق بين الشخص السعيد والحزين، هو أن السعيد حقًّا من يشكر الله على النعم بدلاً من الحزن على النواقص (شترستوك)

كيف تتخلص من متلازمة "المربع المفقود"؟

في الحياة الزوجية، مثلاً، يبدأ كل طرف بالتركيز على السلبيات أو الأمور المفقودة عند الطرف الآخر، ويتناسى كل الإيجابيات الأخرى، أو لا يتنبّه إليها أساسًا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقة الإنسان مع نفسه، سواء ظروفه المادية أو المعيشية، أو شكله، إن كان نحيفًا أو سمينًا، طويلاً أو قصيرًا. فوجود عيب من هذه العيوب قد يجذب انتباه الشخص بالكامل، فلا يرى أي مميزات أو أمور إيجابية موجودة لديه.

بحسب موقع "مانوشيكيتسا" (manochikitsa)، فإن معظم الناس لا يشعرون بالكمال، ويرغبون في التغلب على هذه المتلازمة من خلال اتخاذ خطوات عدة، أهمها:

  • التخلص من الشعور بالجشع.
  • تحسين ظروف الحياة.
  • إبعاد السلبية بالفرح والإيجابية.
  • التفكير بما هو أفضل لك، من دون مقارنة نفسك بالآخرين.
  • الامتنان دائمًا لله والشكر له.
  • القناعة تدفع إلى الشعور بالسعادة الذاتية لكل إنجاز تقوم به.
5الإخصائية في علم النفس التربوي إيرينا سلامة تقول بأنه علينا التعامل مع المربع المفقود في حياتنا وعلاقاتنا بشكل إيجابي- (جزيرة نت).
إيرينا سلامة: علينا التعامل مع المربع المفقود في حياتنا وعلاقاتنا بشكل إيجابي (الجزيرة)

أساس السعادة هو قبول الحياة بنواقصها

تقول المتخصصة في علم النفس التربوي إيرينا سلامة، إن "متلازمة المربع المفقود تشكل عائقًا أمام تحقيق السعادة، بل تجعل تحقيقها أمرًا مستحيلاً، لأنه سيظل هناك شيء ناقص في حياة الإنسان، ولا يمكن للشخص غير الممتن أن يكون سعيدًا".

وتضيف "يميل الناس إلى الاعتقاد بأن عدم السعادة هو ما يدفعهم إلى الشكوى، لكن الأصح القول إن الشكوى هي التي تؤدي إلى عدم السعادة. كي يسعد الإنسان بحياته ويرتقي بها، يحتاج إلى السعي والرضا، بدلاً من أن يبقى حبيس فراغ المربع المفقود".

وتشرح سلامة، في حديثها للجزيرة نت، بأنه "علينا التعامل مع المربع المفقود في حياتنا وعلاقاتنا بشكل إيجابي، آخذين بالاعتبار بقية المربعات الموجودة، ثم نقرر إذا كان بعض ما ينقص حياتنا يلزمه السعي كي يكتمل، أو علينا نسيانه تمامًا. من الطبيعي أن يعيش ضحية تلك المتلازمة في تشاؤم دائم، وقد يطبع اليأس ختمًا على كينونة حياته، ولن يكون الضحية راضيًا عن نفسه أو عمن حوله".

وتردف "ليس من الصعب تجنّب الإصابة بمتلازمة المربع الناقص، والتي تُعد إحدى المشكلات النفسية التي تصيب المرء، إذ يركز على الجانب المظلم في حياته وينسى الجوانب المضيئة، فيبدأ بمقارنة حاله مع أحوال الآخرين. لذلك، يجب تجنّب الطمع والتركيز على الأشياء التي وهبها الله لنا، ونكون شاكرين له، من دون نسيان الشعور بالقناعة والرضا".

وترى سلامة أن "أساس السعادة هو قبول الحياة بنواقصها، فالشقاء هو البحث عن المثالية، ومن الضروري الوصول إلى الشعور بالرضا. واحمد الله على المربعات الكثيرة الموجودة في حياتك، كمربعات الصحة والأصدقاء والأهل والأبناء، وبالتالي ستعيش حياة أفضل وأكثر سعادة".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية