الموصل.. الشعائر والعادات الرمضانية تنتعش بعد انقطاع دام سنوات

شهدت أحياء الموصل أمسيات وموشحات رمضانية كانت تفتقدها المدينة منذ أكثر من 20 عاما، حيث تتلى الابتهالات والموشحات ومدح الرسول الكريم أمام عدد كبير من الموصليين.

بلدية الموصل زيّنت المتنزهات بالأهلّة والفوانيس ابتهاجا بشهر رمضان (الجزيرة نت)

الموصل – لرمضان في الموصل حلّة أخرى قد لا يمكن مشاهدتها في مدينة عراقية أخرى، فالمدينة التي يناهز عدد سكانها 3 ملايين نسمة تحظى بتقاليد معينة في الشهر الفضيل توارثها أبناؤها على مرّ السنوات والعصور.

لا تقف العادات الرمضانية للموصليين عند حد معين، فهي تبدأ من العادات الاجتماعية مرورا بالأكلات الرمضانية ووصولا إلى الأمسيات والعبادات وغيرها، التي تأثرت كثيرا بالوضع الأمني المتدهور الذي شهدته المدينة قبل وخلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة بين عامي 2014 و2017، ثم عادت للظهور مرة أخرى.

عادات متنوعة

"تتعدّد العادات الرمضانية في الموصل، فمنها ما هو قبل الإفطار ومنها ما يكون ليلا"، بهذه الكلمات يتحدث الناشط الموصلي بندر العكيدي عن الطقوس الرمضانية في مدينته التي عادت إلى أوج نشاطها هذا العام بفعل استتباب الوضع الأمني وتحسن الخدمات العامة بعد 5 سنوات على الحرب إلى جانب انحسار جائحة كورونا.

ويشير العكيدي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن العادات الرمضانية تبدأ مع بداية الشهر الفضيل ومباركة الموصليين لبعضهم بعضا، فضلا عن الزيارات العائلية المتبادلة طوال الشهر الكريم، واستدعاء الموروثات الشعبية من تراث الموصل الممتد على مئات السنين التي تتمثل بالحكواتي (القصخون) الذي يروي القصص في المقاهي الشعبية والمتنزهات، فضلا عن تزيين الطرق والمتنزهات والمقاهي بالحُلَّة الرمضانية والأهِلّة المضيئة.

People sit in a popular cafe, during the holy month of Ramadan
في أحد المقاهي بالموصل في ليلة رمضانية (رويترز)

ويؤكد العكيدي أن أمسيات الحكواتي والموشحات الرمضانية كانت مفقودة في المدينة منذ عام 2003، إلا أن هذا العام شهد إقامة العديد منها في محاولة من الشباب الموصلي لتعريف الجيل الجديد بتراث أجداده، فضلا عن إقامة العديد من الألعاب الرمضانية مثل "المحيبس" التي تتمثل بالبحث عن الخاتم في أيدي مجموعة من اللاعبين ولعبة "الفر" التي هي عبارة عن لعبة شعبية يبحث فيها اللاعب عن المحبس المخبأ تحت ما يقارب 10 فناجين من القهوة العربية الموضوعة في صينية مزخرفة رأسا على عقب.

من جهته، يتحدث الناشط الموصلي ياسر كوياني عن تجربته في إحياء ثقافة الحكواتي من خلال تقمصه لهذا الدور في المقاهي القديمة، في محاولة لتعريف الجيل الجديد بالقصص القديمة والتراث الموصلي الذي كاد أن يندثر بفعل وسائل التواصل الاجتماعي والحداثة.

وفي حديث للجزيرة نت، يؤكد كوياني أنه أقام العديد من الأمسيات الرمضانية في مدينة الموصل القديمة بدعم من مؤسسة "بيتنا" للثقافة في الموصل التي انطلقت قبل نحو عامين في محاولة للحفاظ على الهوية الموصلية القديمة والتراث القديم.

آل زكريا رأى أن الأنشطة الرمضانية في الموصل تأتي من باب مبادرات الحفاظ على التراث (الجزيرة نت)

ألعاب رمضانية وأمسيات

من جهته، يقول رئيس مؤسسة بيتنا للثقافة والفنون والتراث صقر آل زكريا إن رمضان في هذا العام شهد نقلة نوعية في الموصل بإطلاق العديد من المبادرات التي تستهدف إحياء روح الموصل من خلال الحكواتي وعبر العديد من الألعاب الرمضانية.

وتابع آل زكريا، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه المبادرات الرمضانية ترمي إلى الحفاظ على التراث كما حافظت بقية المدن العراقية ودول الجوار على موروثاتها الشعبية، لا سيما في شهر رمضان الذي يتمتع بروحانية خاصة مثل الموشحات الدينية والأمسيات الغنائية الروحانية، حسب قوله.

عبادات في رمضان

لا تقف العادات الرمضانية في الموصل عند حد معين، إذ يرى المفكر الإسلامي محمد الشماع أن الموصل مشهورة بالتفاعلات الدينية في الشهر الفضيل مثل التكافل الاجتماعي وتقديم الصدقات وتوزيع السلال الغذائية على العوائل المتعففة.

أما عن شعائر العبادة، فيؤكد الشماع للجزيرة نت أن مدينة الموصل دائما ما تشهد زخما كبيرا في مساجدها في صلاة التراويح وقيام الليل بحضور آلاف المصلين إلى المساجد في أفواج كبيرة، لا سيما أن الموصل تضم أكبر عدد من المساجد في العراق وذلك مما يساعد على إعادة تنظيم الحياة الروحية في الشهر الفضيل.

الأكلات الرمضانية

تمتد عادات الموصليين إلى موائد الإفطار التي تتمتع بطابع فريد قد لا تحظى به أي مدينة عراقية أخرى، فشراب الزبيب الشهير في الموصل يعدّ الشراب المفضل لدى الموصليين على مائدة الإفطار وهو ما يشير إليه الناشط المدني بندر العكيدي.

أما رئيس مؤسسة بيتنا للثقافة فيعدد كثيرا من الأطباق الموصلية التي يمتاز بها المطبخ الموصلي في الشهر الفضيل، مثل القيسي (الطرشانة) وأكلة (السبع أشْكال) والكبة الموصلية وخليط التمر والبيض (الحنينية) والدولمة والطرشي الموصلي والحلويات مثل الزلابية وحلوى البلح وغيرها من الأطباق العديدة.

الحمداني: الموصليون يحرصون في رمضان على تبادل أطباق الطعام بينهم في الحي الواحد (الجزيرة نت)

ويلفت الصحفي رياض الحمداني إلى عادة اجتماعية متأصلة في المجتمع الموصلي تتمثل بتبادل الأطباق الرمضانية بين العائلات ضمن الحي الواحد، وهو ما يؤدي إلى تنوع الأطباق الموصلية في البيوت من خلال تبادل الجيران لهذه الأطباق.

وفي إفادته للجزيرة نت، يلفت الحمداني إلى أن شهر رمضان في الموصل هذا العام شهد إحياء عدد من الأمسيات والموشحات الرمضانية في العديد من المتنزهات الكبيرة في المدينة وهو ما كانت تفتقده المدينة منذ أكثر من 20 عاما، حيث تتلى الابتهالات والموشحات ومدح الرسول الكريم أمام عدد كبير من الموصليين بما يعطي انطباعا جميلا في نفوس الحاضرين ويسهم في تنشئة الجيل الجديد على ما عاينه الآباء والأجداد.

المصدر : الجزيرة