شهادة نفسية أم قدرة مالية.. ماذا يحتاج المقبلون على الزواج في مصر؟

مختصون دعوا إلى حوار مجتمعي ودراسة وافية للوضع الاقتصادي في المجتمع المصري قبل إتمام مشروع إصدار شهادة نفسية للمقبلين على الزواج

إصدار شهادة نفسية للمقبلين على الزواج اعتبره كثير من المصريين زيادة على أعباء الزواج وليس تيسيره (غيتي)

القاهرة – دعا مختصون إلى حوار مجتمعي ودراسة وافية للوضع الاقتصادي في المجتمع المصري قبل إتمام مشروع إصدار شهادة نفسية للمقبلين على الزواج.

وأكدوا في تصريحات خاصة للجزيرة نت أنه رغم وجاهة الفكرة فإن ظروف الراغبين في بناء بيت زوجية في مصر تتطلب تأمين قدر مالي يوفر السكن والأمان الاجتماعي والنفسي دون الدخول في سباق زيادة أعباء الحياة وتكوين أسرة جديدة.

ويناقش مجلس النواب المصري حاليا مقترحا حول إقرار قانون الفحص الطبي الجديد، والذي يتضمن وجوب إصدار شهادة نفسية وصحية قبل الزواج، وإحالته إلى اللجان المختصة، وسط نغمة تأييد من النواب بأن الأمر سيكون في مصلحة الزوجين.

ووصفت عضوة مجلس النواب عبلة الألفي مشروع القانون في تصريحات صحفية بأنه خطوة مهمة جدا تفيد المقبلين على الزواج وتوفر لهم سبل الأمان.

الدكتور عبد الحافظ الصاوي: للأسف الشديد الزواج كشأن الكثير من الأمور في مصر التي تتم معالجتها عشوائيا (الجزيرة)

القدرة المالية

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحافظ الصاوي في تصريحات خاصة للجزيرة نت أن ظاهرة الزواج والتفكير فيها في إطار البعد النفسي والصحي أمر إيجابي، ولكن هناك أبعاد أكثر إلحاحا في المجتمع المصري للمقبلين على الزواج يأتي في مقدمتها البعد الاقتصادي ثم البعد الاجتماعي.

ويضيف الدكتور الصاوي أنه للأسف الشديد فإن الزواج كشأن الكثير من الأمور في مصر التي تتم معالجتها عشوائيا وبتناول جزئي للظواهر، مع التركيز على التعامل معه على نحو لا يحمّل الدولة أي أعباء وبالتالي لا يتم النجاح، وهو ما يعاني منه المقبلون على الزواج.

ويوضح الخبير الاقتصادي أن مشكلة الشباب المقبلين على الزواج في مصر الآن هي مسألة تأمين عمل دائم ومستقر والحصول على دخل مناسب يكفي متطلبات الحياة، إلى جانب توفير قدر مالي يعين على إتمام مشروع الزواج، خاصة تجهيز بيت الزوجية وتوفير مسكن مناسب، سواء بالإيجار أو بالتمليك.

ويشير الصاوي إلى أن الجانبين الصحي والنفسي مطلوبان، ولكن يجب النظر لهما في إطار دراسة تقول كم يمثلان في حالات الفشل في الزواج أو التسبب في الطلاق، ومن ثم نعطيهما الأولوية على بقية العوامل الأخرى، لكن أن نركز على مسألة وجود إجراءات جديدة تتسبب في زيادة تكاليف الزواج دون وضوح للفائدة أو التلاعب بتلك الإجراءات عبر الرشاوى فهذا باب من زيادة أعباء الزواج وليس تيسيره كما يريد البعض.

وأكد أن مثل هذه القضايا الاجتماعية الحساسة يجب أن تطرح للحوار المجتمعي بحضور علماء الاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والصحة بوجود دراسة اقتصادية توفر إجابات للمختصين وتحدد الأعباء المترتبة على أي قرار، خاصة في مسار الزواج.

محمود القلعاوي
الدكتور محمود القلعاوي: أظن أن كل ما سيحدث هو زيادة الأوراق المطلوبة للزواج ورقة أخرى وفقط (الجزيرة)

مهمة بضوابط، ولكن

من جانبه، يرى رئيس مجلس إدارة أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية الدكتور محمود القلعاوي في تصريحات خاصة للجزيرة نت أنه من الواجب على المقبل على الزواج أن يجتهد في السؤال والتفحص والتمحيص في الشخص الذي سيكمل معه مسيرة حياته كلها، والذي سيجابه به تقلبات رحلته في الحياة.

ويضيف القلعاوي أنه إذا كانت هذه الشهادة ستحقق الهدف فلا بأس بها ما دام المختصون من علماء النفس وضعوا لها ضوابطها التي تحقق هدفها ولن تدخل فيها محسوبيات ورشاوى لتخرج كورقة ليس لها علاقة بالواقع.

ويستدرك "ولكن هل مثل هذه الأوراق نتجاوز بها الأزمات والمشكلات التي تعاني منها الأسرة من غلاء أسعار وضغوط نفسية ومتطلبات حياتية فوق طاقة الجميع؟ ولذلك أظن أن كل ما سيحدث هو زيادة الأوراق المطلوبة للزواج ورقة أخرى وفقط".

وأضاف القلعاوي أن العلاج الحقيقي أبعد ما يكون عن هذا، لافتا إلى أن المطلوب هو الإصلاح الشامل للمنظومة التي تعيشها البلاد، مما يخفف الإنهاك الاقتصادي الذي يدخل الأسرة في نفق الضغوط النفسية على الزوج والزوجة، وهو ما يجعل المشاكل الأسرية نتيجة طبيعية.

من الواجب على المقبل على الزواج أن يجتهد في السؤال والتفحص والتمحيص في الشخص الذي سيكمل معه مسيرة حياته (غيتي)

الرأي النفسي

المختصون النفسيون شاركوا في الجدل الدائر، وسط انقسام في آرائهم.

من جهته، الخبير النفسي الدكتور شهاب الدين الهواري يرى أن الأمر لا طائل منه، وتساءل في تدوينة بلهجة عامية على صفحته الرسمية في فيسبوك "إيه الفكرة من إلزام المقبلين على الزواج بتقييم نفسي؟ وهل احنا فالحين في التقييم العضوي الوظيفي الرسمي لما نعمل تقييم نفسي؟".

 

 

كما تساءل الهواري "وهل اللي اقترح القانون مخطرش في باله فكرة الإلزام بحضور ورشة تأهيل معتمدة وتقييم حضوره وليس تقييم شخصه؟ وهل تم عمل مراجعة بحثية لتجارب الدول المشابهة، ماليزيا مثلا؟ هل تم استعمال القدرات البحثية في دراسة الجدوى من التطبيق؟".

وأعرب الهواري عن أسفه لتلك الإجراءات التي وصفها بأنها "خطوات محزنة شكلية".

في المقابل، دافع استشاري الطب النفسي بمصر الدكتور محمد طه عن فكرة إصدار الشهادة النفسية للمقبلين على الزواج.

وقال طه في بيان مقتضب على صفحته الرسمية على فيسبوك "خبر سعيد جدا.. وأرجو أن يتم تطبيقه في أقرب وقت"، مضيفا أنه طالب بإصدار هذه الشهادة النفسية في أكثر من برنامج تلفزيوني.

 

جدل مجتمعي

وانشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمصر في مناقشة الأمر ما بين موافق ورافض، كما طالب المتحدث باسم منظمة العدل والتنمية الحقوقية زيدان القنائي بضرورة إصدار شهادة صحة نفسية للعروسين كشرط لإتمام عقد القران، مؤكدا أهمية أن تتولى وزارة الصحة إصدار تلك الشهادات عبر لجنة طبية متخصصة.

وقال القنائي في بيان على فيسبوك "الشهادة تهدف لمواجهة العنف الأسري وحالات الطلاق المبكر التي تحولت لظاهرة مؤخرا داخل مصر، وكذلك بناء أسرة مصرية سوية اجتماعيا ونفسيا مؤهلة لتربية الأطفال".

واستحسنت آلاء سعد في تدوينة على حسابها على فيسبوك الفكرة، واعتبرت أن الأمر مطلوب للمقبلين على الزواج، ووصفته بأنه مثل مقابلة العمل للمقبلين على الوظائف.

وأضافت أنه لا بد من عقد اختبارات تأهيل وتسليم شهادة للناجحين فيها بما يفيد تؤهلهم للزواج، إلى جانب الدورات التدريبية عن كيفية التعامل مع شريك الحياة وكيفية تربية الأطفال بشكل سوي سليم.

 

في المقابل، انتقدت دعاء المحجوب في تدوينة لها على فيسبوك الأمر برمته.

وتساءلت عن مدى وجود معلومات عن نسبة المقبلين على الزواج في القرى والأرياف في مصر، ونسبة الأطباء النفسيين القريبين من أماكن وجودهم، ومدى صلاحية هؤلاء الأطباء النفسيين من الأساس في ظل تأثرهم بأزمات المجتمع.

وترى أن العناية بالنشء وإصلاح التعليم هما سبيل الحفاظ على الأسر وعدم الحاجة لمثل هذه الشهادات.

وقلل نبيل الكيلاني في تغريدة له على تويتر من جدوى الشهادات في ظل النسبة القليلة للزواج بحسب ما يرى. وقال "نسبة الزواج قليلة أصلا من غير أي شهادة نفسية أو صحية".

 

المصدر : الجزيرة