إغلاق الجامعات الحكومية في السودان.. آثار أكاديمية واقتصادية واجتماعية

جامعة النيلين في الخرطوم أوصدت أبوابها عدة مرات مثل بقية الجامعات السودانية منذ عام 2018 (الجزيرة)

الخرطوم- تحوَّل حدثٌ اعتيادي، كتخريج دفعة جامعية في السودان، مؤخرا، إلى حدث استثنائي، جراء السنوات الإضافية التي فرضها إغلاق الجامعات الحكومية لفترات طويلة، تصل في بعض الأحيان إلى زيادة سنوات الدرس والتحصيل إلى الضعف وأكثر.

وأوصدت الجامعات الحكومية، أبوابها عدة مرات منذ عام 2018، لأسباب تتصل بتبعات جائحة كورونا (مارس/آذار 2020 – نوفمبر/تشرين الثاني 2020 – مايو/أيار 2021)، والاضطرابات السياسية خلال الاحتجاجات التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير في الفترة ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى أبريل/نيسان 2019، وبعد إجراءات الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وبرز مؤخرا عامل جديد متمثل في دخول أساتذة الجامعات في إضراب عن العمل احتجاجا على عدم وفاء السلطات بالهيكل الراتبي المجاز في عام 2018.

رأي طلابي

على غير المعتاد، بدت ردهات جامعة الخرطوم، أهمّ وأعرق جامعات البلاد، بدايات الأسبوع الجاري، أقرب إلى السكون، ما عدا حركة بسيطة لعدد من طلاب الكليات الخاضعين لأداء امتحانات النقل إلى الفصل الدراسي التالي.

وبدأت عملية عودة الطلاب إلى الجامعة بصورة تدريجية، مع مطلع العام الجاري، بعد أشهر من التوقف.

ويلحظ العابر لشارع المين الرئيسي الذي يشق أهم مجمعات الجامعة، خفوت حركة المارة، حد سماع أصوات حفيف الأشجار الضخمة التي تظل الفراغ تقريبا، بوقتٍ تتسلل أشعة الشمس من بين الشجيرات نواحي الطريق الأسفلتي، باحثة في خجل عن حلقات النقاش السياسية، والفعاليات الثقافية، وأقدام الطلاب الكثيفة التي تجوب الطريق جيئة وذهابا.

مبنى كلية الهندسة في جامعة الخرطوم (الجزيرة)

وفي مبنى مجاور للمبنى الرئيس للجامعة، حيث تقبع كلية العلوم الرياضية والمعلوماتية، أكدت طالبة المستوى الرابع، نُهاد الطيب، أنّ حركة الطلاب -بالفعل- أقل بكثير مما جرت عليه العادة، بسبب نظام المداورة الذي تتبعه الكلية، لاستحالة تجميع 7 دفع داخل مقر مهيأ في أحسن الأحوال لاستقبال 5 مستويات دراسية.

وولجت نُهاد للجامعة في عام 2015، وكان من المأمول أن تنهي دراستها بحلول عام 2020، ولكن من المرجح أن يحدث ذلك العام المقبل، في حال لم تطرأ مستجدات جديدة.

وقالت نُهاد للجزيرة نت، إن كثيرا من الطلاب اليوم عالقون في المنتصف، إذ ليسوا واثقين من إكمال دراستهم في وقتٍ قريب، ولا قادرين على التوجه للجامعات الخاصة الملتزمة بالتقويم الدراسي دون فترات توقف.

مرافق جامعة الخرطوم خالية من الطلاب (الجزيرة)

وأضافت أن الأمر عند الطلاب الجدد أو في المستويات الأدنى، أقل كلفة من منحى زمني، مشددةً على وجود هجرة واسعة للجامعات والكليات الخاصة، سواء داخل أو خارج البلاد.

وطبقا لآخر نتيجة صادرة في 2021، فإن 295 ألفا و198 طالبا وطالبة، مؤهلون لدخول الجامعات السودانية خلال العام الجاري 2022.

وتطالب نُهاد بمزيد من الجهد الإداري، لاستعادة الدراسة بمواقيت معلومة، يصاحبها عودة للنشاط غير الأكاديمي، بصورة تسهم في صقل تجربة الطلاب بجامعة عرف عنها إسهاماتها العامة والخاصة.

في المقابل، قدّم أمجد محمد ضو البيت، استقالته من كلية الآداب بجامعة أم درمان الإسلامية (حكومية)، بعدما أكمل فيها عاما دراسيا، والتحق بكلية الإمارات للعلوم والتكنولوجيا (خاصة)، في مساق المحاسبة.

وقال أمجد للجزيرة نت، وصلت المستوى الثالث فيما أقراني بـ"الإسلامية" لم يتخطوا المستوى الثاني بعد.

وأضاف أن الجامعات الحكومية لا تراعي اليوم مستقبل الطلاب، وأسرهم التي تنتظرهم سنوات طويلة ليشاركوا في تحمل المسؤولية.

دكتور إسماعيل حسن: هجرة الأساتذة والطلاب تعد الملمح الأكاديمي الأبرز لإغلاق الجامعات (الجزيرة)

الهجرة

ويرى الأستاذ المساعد، والمسجل الأكاديمي في كلية الفنون الجميلة بجامعة النيلين، دكتور إسماعيل حسن إسماعيل، أنَّ هجرة الأساتذة والطلاب تعد الملمح الأكاديمي الأبرز لعمليات إغلاق الجامعات.

وكشف إسماعيل في حديثه مع الجزيرة نت، عن هجرة عدد من الأساتذة والطلاب مع أسرهم إلى خارج البلاد، نتيجة للظروف الأكاديمية والاقتصادية والسياسية بالبلاد. وحذّر من إمكانية اختفاء مهنة مساعد التدريس بحلول مارس/آذار المقبل، بحال استمر تراجع الأوضاع في الجامعات الحكومية.

ونوه إسماعيل إلى أن من آثار التوقف بالشق الأكاديمي، تراجع تصنيف الجامعات السودانية، وتنامي ظاهرة التكدس في الدفع والمستويات الدراسية، وزيادة الضغوط الممارسة على الطلاب جراء تقليص زمن إنجاز المناهج، علاوة على تراجع غلتهم في التحصيل والتقييم النهائي.

ويحتضن السودان 34 جامعة حكومية، و20 جامعة أهلية وخاصة، بجانب 87 كلية جامعية خاصة، والأخيرة أخضعت لتدقيق شديد من قبل الجهات المختصة في إبان عهد الحكومة المعزولة.

جامعة الخرطوم أهمّ وأعرق جامعات البلاد تبدو أقرب إلى السكون (الجزيرة)

آثار اقتصادية

ويشدد المحلل والصحفي الاقتصادي، عبد الوهاب جمعة، على أن ما يسميه "نزيف الشباب" هو أكبر أثر اقتصادي لإغلاق الجامعات الحكومية.

وقال جمعة للجزيرة نت، إنه من الملاحظ وجود عمليات هجرة كبيرة للأساتذة، ولا سيما في ظل زيادة ساعات عملهم أسبوعيا نتيجة التكدس الطلابي، من دون أن تطرأ زيادات على أجورهم الضعيفة، إضافة إلى وجود حالة إقبال كبيرة من الطلاب على التقديم في المنح الخارجية، خاصة بدول تركيا ومصر وبقية دول الخليج العربي، الأمر الذي يُفقد السودان خيرة شبابه.

ولفت إلى آثار اقتصادية أخرى متمثلة في حدوث فجوة كمية ونوعية بسوق العمل، وزيادة معدلات الصرف داخل الأسر جراء طول أمد الدراسة، وتراجع لقطاع النقل المعتمد بشكل كبير على حركة الطلاب، فضلا عن نزوع الجامعات الخاصة للمغالاة في أسعارها باعتبارها وجهة محببة للطلاب حاليا.

جامعة النيلين في الخرطوم (الجزيرة)

آثار اجتماعية

بدورها، تحذر أستاذة علم الاجتماع، ثريا إبراهيم، من حالة الإحباط التي تصيب الطلاب والأسر على حدٍ سواء، من مضاعفة سنوات الدراسة الجامعية.

وقالت للجزيرة نت، إن حالة الإحباط هذه قد ينجم عنها سلوكيات خاطئة كإدمان المخدرات وإقامة العلاقات غير الشرعية، وممارسة ضغوطات على الطالبات للزواج، زد على ذلك تعزيز القناعات لدى بعض أولياء الأمور بعدم جدوى التعليم نفسه.

وحثت أستاذة علم الاجتماع الطلاب على استغلال فترات التوقف، بالانخراط في العمل، ولو بصورة مؤقتة، وتطوير الذات من خلال اكتساب المعارف والعلوم.

وتُخرّج الجامعات والكليات السودانية، عشرات الآلاف من الطلاب سنويا، في ظل تراجع تصنيف الجامعات المحلية، نتيجة لاهتمام الدولة بالتوسع في التعليم الأكاديمي، دون إعداد مناهج ذات طبيعة تنافسية، وبلا مراعاة لاحتياجات سوق العمل.

المصدر : الجزيرة