بين الفرح والحزن والغيرة.. كيف نتعامل مع مشاعر الأب عند زواج ابنته؟

تشكي الشابة منال دعكور انها تعذبت في الفترة من الزواج في التعامل مع والدها خصوصا من غيرته الواضحة- (مواقع التواصل)(صورة تعبيرية)_
يجب على الأب التحدث عن مشاعره مع ابنته العروس قبل الزفاف (مواقع التواصل)

تعد "الفتاة حصة الأب" كما يقال؛ فالأب حنون على ابنته، وكلما كبرت يصبح أكثر حماية لها، ويحاول أن يؤمن لها كل سبل الراحة لتكون سعيدة في حياتها اليومية، وتواجده في حياتها كنز ثمين.

حب الأب بالنسبة لابنته لا يمكن استبداله بأي حب آخر حتى بعد حياتها الزوجية، فهو يمنحها الإحساس بالأمان والثقة والتوازن النفسي، ويمكن القول إن وجود الأب الإيجابي في حياة الفتاة يسهم في نجاحها سواء في حياتها العلمية أو العملية أو الاجتماعية.

لكن هناك آباء يتحول حبهم وتعلقهم الزائد بالابنة إلى حالة مرضية؛ لدرجة أنهم لا يرغبون في تزويجها بحجة أنهم لم يجدوا من يستحق الثقة، فبماذا يشعر الأب في يوم زفاف ابنته؟ ولماذا لا يستطيع حبس دموعه أحيانا؟ وكيف يستطيع التعامل مع المشاعر المختلطة التي تعتريه يوم زفافها؟

خصوصية هذه العلاقة لا يفهمها إلا الأب والبنت، لذلك من الواجب على الاثنين التعامل مع مشاعر الفراق بشكل صحيح، والتعبير عنها، وعدم إنكارها من الطرفين، فهذه اللحظات العاطفية مهمة جدا، ومن الضروري إيجاد الإيجابية للشعور بالسعادة والابتعاد عن الأفكار السلبية والتخلص من الخوف والتوتر والقلق.

استمعت "الجزيرة نت" إلى آراء بعض الآباء وما يراودهم من صراع نفسي، بين الشعور بالغضب والغيرة والخوف من تزويج الابنة للشخص المناسب.

حزن وفرح معا

عدنان م (طبيب) لديه ابنة وحيدة، هي كل شيء له في الدنيا، يقول "أنا أعرف أن الزواج سنة الحياة، ويجب أن تتزوج ابنتي، ورغم أنها تزوجت في سن 23 فإنها بالنسبة لي كبرت في وقت قياسي، ولا أعلم كيف مرت السنون هكذا، إلا بعد أن بدأ الخطّاب يطرقون الأبواب ليطلبوا يدها مني، فهنا أدركت أنها كبرت ونضجت. وفي كل مرة يطلب مني شاب الزواج منها كان ينتابني شعور غريب يقطّعني داخليا، لدرجة أنني كنت لا أوافق، من دون أن أخبرها هي ووالدتها، إلى أن حدث ما لم يخطر لي على بال، عندما جاءت ابنتي في يوم وأخبرت والدتها أن صديقها في الجامعة يريد أن يرتبط بها وهي تحبه كثيرا وتتمنى ذلك".

ويذكر عدنان أن قلبه تمزق عند سماع الخبر، لكن فرحة ابنته جعلته يصمت عن أشياء كثيرة، ويظهر سعادته رغم كل الحزن الموجود داخله، وأثناء عقد القران بكى على فرحة ابنته وعلى حزنه الشديد لفراقها وانتقالها إلى حضن آخر غيره، خاصة أنها ستغادر البلاد بعيدا ولن يراها يوميا كالسابق، لكنه يحمد الله فبعد فترة وجيزة اطمأن قلبه وهدأت مشاعره المختلطة عندما وجد أن صهره يعامل ابنته بما يرضي الله ويحبها كثيرا وهي تشعر بالراحة والسعادة معه.

الاب عدنان م يقول ان فرحة ابنته جعلته يصمت عن أشياء كثيرة ويظهر سعادته رغم كل الحزن الموجود بداخله- (جزيرة نت)
الطبيب عدنان بكى عند عقد قران ابنته بسبب فرحتها وعلى حزنه الشديد لفراقها (الجزيرة)

حب وغيرة

أما ماهر شهاب (مدير بأحد البنوك) فيذكر أن ابنته هي الأولى التي رُزق بها بعد 4 سنوات من زواجه، وكانت الفرحة والضحكة الموجودة في المنزل، فهي تتمتع بروح الفكاهة والحنان والعطف، وكل الصفات الجميلة موجودة فيها، وتتمتع بمعزّة خاصة داخل قلبه؛ فهي تضحكه وتسهر على راحته، وهو لا يستطيع العيش من دونها.

لكن عندما شاء القدر وجاء من يطلب يدها، شكّل الأمر صدمة كبيرة، وتبادرت إلى ذهنه عدة أسئلة: هل هذا الرجل سيحافظ عليها ويحميها ويحبها مثله؟ أو سيعاملها معاملة سيئة؟ ومن هنا بدأ الخوف والقلق يتسللان داخله، ولكن بعد الخطوبة وجدها سعيدة أكثر بخطيبها، وبدأ الاهتمام والحب يتوزعان عليهما لدرجة، أنه كان يغار منه في بعض الأوقات، وكان يجلس معهم ويتحدث في كل الأمور حتى لا ينفردا، لدرجة أنه ذات يوم طلب منهم الخروج والتنزه معهم في أي مكان، وكان يخبر زوجته أنه فعل هذا من باب الاطمئنان على ابنتهما، ولكن الحقيقة غير ذلك فهو من باب الغيرة، إلى أن تم الزواج وبكى بحرقة على فراقها لدرجة أنه أصيب بحالة من الاكتئاب بعد زواجها.

شجار يوم الزفاف

تحكي الشابة منال دعكور عن حب أبيها الشديد لها رغم أن لها أخوة كثيرين، إلا أنها كانت لها منزلة خاصة -وما زالت- عند أبيها، حتى أنه كان يرفض العديد من العرسان الذين تقدموا لطلب يدها ولا يرتاح إلا بعد رفضهم، إلى أن جاء زوجها وتقدم لخطبتها ولم يجد والدها فيه أي عيب ليرفضه، لكنه كان لا يطيقه رغم اضطراره للموافقة على الزواج، حتى أنه يوم الزفاف تشاجر مع والدتها لإصراره على أن ابنته مرعوبة من الزواج، وهو يريد أن يأخذها معه ويلغي هذا الارتباط، لكنها ذهبت مع زوجها وفاجأها أبوها بزيارة في الصباح الباكر، ودفع فيها العريس حين فتح له الباب ودخل مندفعًا يسأل عن ابنته إن كانت بخير.

تشكي دعكور أنها تعذبت في الفترة الأولى من الزواج في التعامل مع والدها، خاصة مع غيرته الواضحة، لكن بعد ولادة طفلها محمد تغيرت مشاعره وصار تعلقه الشديد بالحفيد، وتقبل زوجها على أنه فرد من الأسرة، وشعر براحة تامة عندما تأكد من سعادتها مع عائلتها الصغيرة واطمأن قلبه وأزيلت كل مخاوفه وتمنى لها الأفضل دائما.

شعور الأب بالغيرة

تؤكد الأستاذة في علم النفس الاجتماعي آنا حريقة أن هذا الشعور الذي ينتاب معظم الآباء أمر طبيعي ووارد جدا مع البعض، وترجع الأسباب في ذلك إلى جانبين: الأول شعور الأب بغيرة قوية من الرجل الذي سيتزوج ابنته ويستمتع معها، وهذه نظرة طبيعية وسوية ناتجة عن شدة ارتباط البنات بالآباء. أما الجانب الثاني فيرجع إلى الحزن والغضب الناتجين عن الفراق، أي لمجرد فراق البنت عن أبيها التي تربت وجلست أكبر وقت معه وفي حضنه، وفي ليلة واحدة ستصبح بعيدة عنه، وستنتقل للعيش عند رجل آخر.

غيرة الاباء من زواج البنات
شعور الغيرة الذي ينتاب معظم الآباء طبيعي ووارد جدا مع البعض (شترستوك)

دموع الفرح

وتوضح حريقة أن هذا الشعور يجب أن يكون طبيعيا بالنسبة للآباء، مضيفة أن الآباء يبحثون عن أفضل الأساليب لإسعاد أبنائهم، فلماذا يبكي الأب على بعدها؟ فمن باب أولى أن تبكي الأم لأنها التي ربت وأرضعت، فغريزة الأمومة تجعلها تبكي على فراقها وبعدها عنها؟

لكن دموع الأب هذه تكون دموع فرح وليست حزن على زواج ابنته، وذلك لأن كل أب يتمنى لابنته أن تعيش حياة سعيدة وجميلة وناجحة أفضل من الحياة التي يعيشها، وعندما يتم المراد وتتزوج البنت يسعد بهذه المناسبة.

التعامل مع مشاعر الفراق

أما الاستشارية في العلاقات الأسرية والصحة النفسية جوليا عودة، فتنصح باعتماد بعض الطرق التي تساعد كل أب على التعامل مع مشاعر فراق ابنته العروس بشكل صحيح:

  • التحدث عن مشاعره مع ابنته العروس قبل الزفاف، وأن يسألها عن مشاعرها ويترك لها وله المجال للبكاء واستعادة الذكريات، فهكذا سيتم إخراج كل المشاعر السلبية قبل الزفاف.
  • أن يشغل نفسه يوم زفاف ابنته، ولا يبق جالسا وحيدا يتذكر.
  • التحلي بالإيجابية والثقة في قرار ابنته وباختيارها.
  • تجنب التواجد بالقرب من العروس كلما أحس أنه سيبكي أمامها.
  • في يوم الزفاف عليه أن يعتاد على أخذ نفس عميق والتفكير بأمر جميل أو موقف مضحك، كلما أحس بعاطفية الموقف، خاصة عندما يتم إعلان العروسين زوجة وزوجا، وعندما يراها بالفستان الأبيض.

عدم كتمان المشاعر السلبية

تؤكد عودة أن كثيرا من الآباء يلجؤون إلى كتمان مشاعرهم، وإنكارها وحبس الدموع في هذا الموقف، لكن هذا الأمر ليس صحيا أبدا؛ لأن كتمان المشاعر السلبية يسبب مشكلات نفسية كثيرة وتراكمات، وقد تؤدي إلى الانفجار والبكاء أو الدخول في نوبة عصبية مفاجئة، كما قد تؤدي إلى مشكلات صحية كارتفاع ضغط الدم ومشكلات في القلب والشرايين وغيرها.

المصدر : الجزيرة