هكذا تصرف الجيش في الحرب الأهلية الأميركية.. متى بدأت فكرة مقاسات الملابس؟

يعد نظام القياسات المستند إلى الحروف بدل الأرقام جزءا من المعيار الأوروبي المشترك لوضع العلامات على حجم الملابس لتبسيط عملية الإنتاج.

قبل القرن 19 لم تكن هناك أرقام أو حروف لتحديد مقاسات الملابس (بيكسلز)

نعرف جميعا مقاسات ملابسنا، إلى درجة أننا أحيانا كثيرة نشتري ملابس من دون تجربة قياسها، وتكون مضبوطة علينا تماما، لكن قبل القرن 19 لم يكن الأمر بهذه البساطة، حيث كانت وقتها فكرة صناعة ملابس بمقاسات ثابتة ومعروفة غير موجودة.

والأهم أن تطبيق مقاسات الملابس ارتبط بالحروب، وبدرجة كبيرة بالحرب الأهلية الأميركية، حيث كان على الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن تسهيل فكرة صناعة ملابس لأكثر من 2 مليون جندي، وكان ذلك سيستغرق سنوات، وربما أطول من سنوات الحرب، لو حاولوا صناعة ملابس لكل هذا العدد من الجنود من دون ابتكار وسيلة تأخذ فيها مجموعة مقاسات ثابتة لمتوسط أحجام الجنود، رغم أن ابتكار الفكرة أو بذرتها كانت أقدم من هذا التاريخ، وعكف علماء على منح بعض وقتهم وتفكيرهم لتحديد متوسط لمقاسات الملابس.

وإليكم الرحلة الطويلة التي مرت بها صناعة الملابس حتى أصبحت تجربة التسوق مريحة كما هي اليوم.

رحلة طويلة لتحديد مقاسات الملابس من الحرب الأهلية إلى المتاجر (بيكسلز)

متى بدأت فكرة مقاسات الملابس؟

فكرة مقاسات الملابس العصرية التي نعرفها حاليا تعود إلى العصور الوسطى، وتسجل مخطوطات ورسوم توضيحية للخياط وعالم الرياضيات الإسباني خوان دي ألسيغا تعود لعام 1589 محاولاته لتفنيد أشكال وأنماط وكمية القماش المتفاوت لصنع كل ثوب، لكنها لم تكن مسألة تحديد مقاسات بالمعنى الدقيق للكلمة، إذ سادت في ذلك الحين صناعة الملابس بشكل فردي وبطلب مسبق، وكانت متاحة بشكل عام لعدد محدود من الأثرياء.

لكن الحروب تطلبت صنع أعداد غير مسبوقة من الأزياء الرسمية؛ خاصة الحروب النابليونية (1803-1815)، وحرب القرم (1853-1856)، والحرب الأهلية الأميركية (1861-1865)؛ ولذا تم تطوير أنظمة تحجيم كامل الجسم، مما يجعل من الممكن حساب معايير أخرى بناءً على قياس صدر واحد.

وخلال الحرب الأهلية الأميركية، أخذ العملاء الفدراليون قياسات من آلاف المجندين، واكتشفوا أنماطا للقياسات المشتركة للصدر والخصر والساق بالنسبة لعدد كبير من الجنود، وهنا جاءت فكرة صنع أحجام موحدة من الملابس، كما أشار كتاب "تحجيم الملابس: تطوير أنظمة تحجيم فعالة للملابس الجاهزة" الصادر عام 2008 في مقاطع نقلها موقع "ميديوم" Medium الأميركي.

هذه الفكرة انتقلت من الحياة العسكرية إلى الحياة المدنية؛ فبحلول نهاية القرن 19، كانت الأغلبية العظمى من السكان الذكور على الأقل في المناطق الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية يرتدون ملابس موحدة الإنتاج بكميات كبيرة، كما ازداد الطلب على البدلات بين الطبقات الوسطى، بعد توفر بدلات بأحجام أساسية مختلفة.

ولأن الاعتماد الأساسي لتحديد القياس كان يركز على مقاس الصدر، فقد توفرت وقتها ملابس تتراوح قياسات الصدر فيها بين 40 و58 سنتيمتر (16 و23 بوصة)، وكانت شركات التصنيع تشتري سترة واحدة مصممة وتفككها لتحصل على نموذج أساسي يمكن تقليده في باقي إنتاجها.

وكذلك أعطت الحرب العالمية الأولى دفعة لإنتاج مصانع الملابس، التي أصبحت فجأة تمتلك أعدادا هائلة من قياسات الذكور، لكن أزياء النساء ظلت محتفظة لفترة تالية بالنظام القديم في صناعتها لتناسب جسم كل سيدة، خاصة شيوع ثقافة ارتداء "الكورسيهات" التي كانت تحتاج قياسات دقيقة بالسنتيمتر لتلائم خصر كل سيدة، لكن مع بداية القرن 20 بدأت أزياء باريس الابتعاد عن هذه التصميمات، واتجهت للتصميمات النسائية الأكثر طبيعية وميسورة التكلفة، لتمهد الطريق لأنظمة قياس واحدة للملابس النسائية أيضا.

فكرة مقاسات الملابس العصرية التي نعرفها حاليا تعود إلى العصور الوسطى (بيكسلز)

أنظمة القياسات الحديثة

نشأت الفكرة مع الحرب، لكنها تطورت بعد ذلك بسنوات؛ ففي عام 1939 مولت الحكومة الأميركية (وزارة الزراعة) الإحصائيين لجمع قياسات الوزن والحجم لـ15 ألف امرأة، لبحث القياسات الرئيسية لإنشاء نظام قياس موحد لصناعة النسيج، في حين كانت صناعة الملابس الجاهزة في مهدها، وتمكنوا بالفعل من إنشاء 59 قياسا. لكن بسبب استخدام معظم المقاسات لنساء بيض لم تكن مجموعة البيانات المتنوعة دقيقة للنساء، لذلك مر نظام القياس بالكثير من التعديلات اللاحقة، وكان هناك نظام قياس أميركي، وآخر بريطاني، كما شرحت مجلة "سيم ورك" (Seamwork).

وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ظهر بصيص أمل في نظام قياس شامل عندما بدأت شركات الملابس تخفيض تصنيف ملصقات المقاسات، وإضافة أرقام أقل لتشجيع العملاء على شراء الملابس التي تناسبهم. ثم جاء التنظيم الحكومي حينما قررت وزارة التجارة الأميركية سحب نظام المقاسات القديم، وإنشاء آخر دقيق ويناسب معايير تجارة الملابس عالميا.

ثم ظهرت منظمات معنية بهذا الأمر تحديدا، بينها المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (ISO)، التي تأسست عام 1946، استجابة لرغبة العديد من البلدان في التنسيق الدولي للمعايير، وقد شمل المؤسسون الاتحاد السوفياتي، وأستراليا، والصين، والهند، وعددا من الدول الأوروبية.

الجهود لوضع معايير قياس لم تقتصر على أميركا، ففي عام 1966 حاولت ألمانيا وضع معايير لمقاسات ملابس الرجال والأولاد، وحددت 88 مقاسا تجاريا، واهتمت الصين كذلك بوضع معايير لمقاسات الملابس منذ عام 1974 لتسهيل فرص التجارة العالمية.

نشأت فكرة مقاسات الملابس مع الحرب لكنها تطورت بعد ذلك بسنوات (بيكسلز)

مقاسات "إكس لارج"

أغلب المحاولات لتحديد قياسات الملابس كانت تعتمد على الأرقام، ثم جاءت مقاسات: إس (S)، وإم (M)، وإل (L)، وإكس إل (XL) التي بدأ استخدامها للملابس غير الرسمية والقابلة للتمدد (مصنوعة من أقمشة قابلة للتمدد مثل الليكرا)، التي يناسب المقاس منها حجمين أو 3 أحجام مختلفة وقريبة من بعضها.

يعد نظام القياسات المستند إلى الحروف بدل الأرقام، واستخدام متوسط لأحجام الأجسام؛ جزءا من المعيار الأوروبي المشترك لوضع العلامات على حجم الملابس "إي إن 13402" (EN 13402)، الذي تم تطويره لأول مرة عام 1996، ويقوم على ترميز الحروف في تحديد المقاسات لتبسيط عملية الإنتاج، مع تقليل العناصر ذات الأحجام المختلفة للتصنيع، وبمعايير تناسب الأسواق الدولية.

المصدر : مواقع إلكترونية