جدل في مصر بعد ربط صندوق النقد زيادة المساعدات بضغوط نازحين من غزة

من اليمين مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا وإلى يسارها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ( مجلس الوزراء المصري – التواصل الاجتماعي)
كريستالينا جورجيفا ومصطفى مدبولي خلال لقاء جمعهما في مصر (التواصل الاجتماعي)

القاهرة – أصبحت مباحثات مصر مع صندوق النقد الدولي وثيقة الصلة بتطورات الحرب على قطاع غزة بشكل واضح، وربما أحد الأسباب الرئيسية المحركة لها بعد تعليقها؛ بسبب فشل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول آلية تنفيذ البرنامج الاقتصادي.

هذا الارتباط الوثيق، بحسب مراقبين ونشطاء، ظهر على مستويين؛ الأول مع الأسابيع الأولى من بداية الحرب والحديث عن زيادة محتملة لبرنامج القرض نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن هذه الحرب؛ والثاني الحاجة لتقديم "دعم شامل" لمساعدة مصر على التعامل مع الضغوط التي تفرضها قضية اللجوء من غزة.

وأثار استمرار ربط مباحثات صندوق النقد مع مصر بالحرب على قطاع غزة تساؤلات واسعة حول المغزى من ربط برنامج المساعدات الاقتصادية تارة بتداعيات الحرب على مصر، وتارة أخرى بالضغوط التي يشكلها احتمال استقبال لاجئين من غزة.

وفي سياق الحديث عن اقتحام مدينة رفح الفلسطينية المكتظة بالسكان والنازحين، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال جلسة نقاشية بمؤتمر ميونخ للأمن، الأسبوع الماضي، أن "عمليات التهجير تشكل تهديدا للأمن القومي المصري وضغطا على العلاقات مع مصر".

ولكنه أشار إلى سياسة الأمر الواقع، قائلا: "ليس لدينا أي نية لتقديم مناطق آمنة للنازحين، ولكن إذا فرض علينا الأمر الواقع، سنتعامل مع الوضع وسنقدم الدعم الإنساني، ولكن هذا ليس مبررا لفرض الأمر الواقع".

ربط برنامج الصندوق بالحرب على غزة

ربط برنامج صندوق النقد مع مصر بالحرب على غزة بدأ مبكرا، وذلك في النصف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حيث قالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا إن الصندوق "يدرس بجدية" زيادة محتملة لبرنامج القروض لمصر البالغ 3 مليارات دولار نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن حرب إسرائيل على غزة.

وأشارت جورجيفا، خلال تصريحات صحفية، إلى الصعوبات التي تشكلها الحرب على الدول المجاورة، مثل مصر ولبنان والأردن، من خلال الخسائر في إيرادات السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.

وقبل اندلاع الحرب على قطاع غزة، حذر صندوق النقد الدولي من أن مصر -التي تعد ثاني أكبر مقترض من الصندوق- "سوف تنزف" احتياطاتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى.

وبمرور الوقت أصبح الحديث عن مناقشات مصر مع صندوق النقد حول برنامج المساعدات لا ينفك عن تطورات الحرب في غزة، حيث أشارت المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، الخميس الماضي، بشكل صريح إلى أن ثمة حاجة لتقديم "دعم شامل" لمساعدة القاهرة على التعامل مع الضغوط التي تفرضها قضية اللجوء من غزة بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع.

وقالت إن "ثمة حاجة إلى حزمة دعم شاملة جدا لمصر، ونعمل بشكل شديد مع كل من السلطات المصرية وشركائها لضمان ألا يكون لدى مصر أي احتياجات تمويل متبقية وأيضا لضمان قدرة البرنامج على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي في مصر".

وبحسب الصندوق لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد؛ لكنه أشار إلى أنه اتفق مع السلطات المصرية على العناصر الرئيسية في تعديل البرنامج في إطار المراجعتين الأولى والثانية اللتين تم دمجهما لقرض مصر الحالي البالغ 3 مليارات دولار، وقال إن "السلطات عبرت عن التزام قوي" بها، بدون الكشف عن تفاصيل الحزمة المصرية لأن المفاوضات ما زالت مستمرة.

ويعود تاريخ الاتفاق على البرنامج المتعثر بين مصر والصندوق إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، حيث وافق الأخير على تقديم 3 مليارات دولار لمصر التي تتعرض لضغوط مالية قوية، في حين يُجري 8 مراجعات لبرامجها الإصلاحية، الأولى منها كانت مقررة في مارس/آذار 2023، لكنها لم تتم.

تصريحات مثيرة للجدل

ولم تغب تلك التصريحات عن وسائل التواصل الاجتماعي، وتساءل البعض عن علاقة زيادة حجم التمويل إلى مصر بمسألة استقبال لاجئين فلسطينيين على أراضيها رغم إعلان القاهرة رفضها القاطع مخطط التهجير الإسرائيلي.

ووصف الباحث السياسي في الشأن الأفريقي أحمد عبد ربه في تغريدة على موقع "إكس" حديث الصندوق بأنه "يعمل لضمان عدم تكبد مصر أعباء مالية للتعامل مع لاجئين محتملين من غزة" بأنه تصريح في غاية الخطورة، على حد قوله.

نفي مصري

في وقت لاحق، نفى مصدر مسؤول لقناة محلية محسوبة على النظام، بدون أن تسميه، تصريحات الصندوق بشأن وجود دعم إضافي بسبب حرب غزة.

ونقلت القناة عن المصدر قوله إنه "لا صحة لما تردد عن وجود مناقشات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد حول وجود احتياجات مالية إضافية لـ"مصر بسبب الحرب على غزة"، من دون أي تفاصيل أخرى.

واعتبر البعض أن مثل تلك التصريحات تستهدف النيل من مصر، ولا تعدو عن كونها مجرد إشاعات، على حد قولهم.

وتعليقا على الموضوع، يقول الباحث في الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف إن "هناك علاقة مباشرة بين زيادة قرض صندوق النقد بتداعيات الحرب على قطاع غزة وبصفقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي بقيمة 35 مليار دولار بين مصر والإمارات".

وأوضح، للجزيرة نت، أن صندوق النقد دأب خلال الشهور القليلة الماضية بالتأكيد على تأثير الحرب في غزة بشكل مباشر مصر من عدة اتجاهات؛ إيرادات قناة السويس والسياحة والاستثمارات المباشرة، ولكن التصريحات الأخيرة بشأن النازحين المحتملين يجعلنا نضيف سببا جديدا، وعلى وجه اليقين لا أحد يعلم هل هناك اتفاق أو توافق على هذا السبب بين القاهرة وصندوق النقد أم لا.

وتوقع أن يفرج الصندوق عن الشريحتين المعلقتين وزيادة حزمة الإنقاذ قبل شهر رمضان، خاصة بعد الإعلان عن صفقة رأس الحكمة، ووصول تدفقات دولارية خلال شهرين بمليارات الدولارات؛ وهو ما يسمح للحكومة المصرية باتخاذ خطوة خفض قيمة الجنيه مجددا والتحوط من أي مضاربات على الدولار مجددا.

بحضور عدد من كبار المسئولين بالدولتين: رئيس الوزراء يشهد مراسم توقيع أكبر صفقة استثمار مباشر بين مصر والامارات لتطوير وتنمية مدينة "رأس الحكمة" مدبولي في كلمته: 35 مليار دولار استثمار أجنبي مباشر تدخل للدولة المصرية في غضون شهرين.. و35% من أرباح المشروع-(المصدر مجلس الوزراء المصري عبر فيسبوك)
جانب من مراسم توقيع صفقة رأس الحكمة بين مصر والإمارات (الصحافة المصرية)

انفراجة كبيرة

وفي السياق، قال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في بيان الخميس الماضي، إن الحكومة تعمل حاليا على إتمام الاتفاق مع صندوق النقد، كما أنها مستمرة في إجراءاتها التي أقرتها وثيقة سياسة ملكية الدولة.

ويقول صندوق النقد الدولي، إنه ومصر في "المرحلة الأخيرة" من المفاوضات لزيادة برنامج القرض، وإنهما اتفقا على عناصر السياسة الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ضمن المباحثات التي تهدف إلى الوصول إلى اتفاق نهائي لزيادة قرض البلاد بدون الإفصاح عن حجم الزيادة.

وتشهد مصر أزمة اقتصادية ومالية تتجلى في ارتفاع فاتورة خدمة الدين إلى نحو 42.3 مليار دولار خلال عام 2024، وهي أعلى فاتورة على الإطلاق مطلوب سدادها في عام واحد، بعد أن قفز الدين الخارجي للبلاد إلى نحو 164.5 مليار دولار، مع وجود احتياطي نقدي لا يتجاوز 35.2 مليار دولار.

وحافظ البنك المركزي على عدم تحريك سعر صرف الجنيه أمام الدولار منذ نحو عام عند 30.85 جنيها بالمخالفة للاتفاق السابق مع صندوق النقد باعتماد سعر صرف مرن، ولكنه كان أكثر مرونة في السوق السوداء؛ حيث يجري تداوله عند مستوى 50 جنيها بعدما لامس 71 جنيها قبل أن تعلن مصر عقد صفقة ضخمة مع الإمارات بشأن مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي قبل أيام بقيمة 35 مليار دولار.

المصدر : الجزيرة