مصر تعلن موازنة تريليونية.. الحكومة تصفها بالاستثنائية ومعارضون: نقترض لسد الديون

يعد مشروع موازنة العام المالي 2022/2023 الأكبر في كل شيء، ولكنها تظل أرقاما على ورق، وتحقيقها مرهون بتحصيل الضرائب المقدرة، وتدبير القروض، المتوقعة في ظل أزمة حادة في الاقتراض وهروب الاستثمارات الأجنبية.

صورة 1 نواب البرلمان واجهوا وزير التعليم باتهامات مختلفة مجلس النواب المصري تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدامها
موازنة العام المالي الجديد 2022/2023 كشف عنها وزير المالية المصري محمد معيط أمام البرلمان (الجزيرة-أرشيف)

القاهرة- موازنة استثنائية في ظروف استثنائية، هكذا تصف الحكومة المصرية موازنة العام المالي الجديد 2022/2023 التي كشف عنها وزير المالية في البرلمان، أول أمس الاثنين، وقدّر المصروفات عند 2.071 تريليون جنيه، بنمو 12.7%، وزيادة الإيرادات إلى 1.518 تريليون بنسبة زيادة 11.2% وعجز كلي 558.15 مليارا، وهو ما يشكل 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي (الدولار يساوي 18.50 جنيها).

يأتي مشروع الموازنة الضخمة في كل شيء سواء فيما يتعلق بحجم المصروفات غير المسبوق، أو الديون والاحتياجات التمويلية أو الضرائب غير المسبوقة أيضا، في ظل ما يشهده العالم من ظروف اقتصادية استثنائية ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتأثير السلبي لجائحة كورونا، لكنه رغم ذلك جاء مساندًا للقطاعات والفئات الأكثر تضررا، بحسب بيان وزارة المالية.

خلف هذه الأرقام الضخمة توجد أرقام لا تقل ضخامة عنها في مشروع الموازنة الجديد والتي تجاوزت كل الأرقام في جميع الموازنات السابقة، نرصدها في النقاط التالية:

  • 690.1 مليار جنيه تكلفة خدمة الدين أي 33.3% من إجمالي المصروفات (أكبر بند في المصروفات) بزيادة قدرها 19%، أو ما يوازي نصف الإيرادات.
  • 1.2 تريليون جنيه إيرادات ضريبية، بزيادة نحو 19% أي 77% من إجمالي الإيرادات.
  • تراجع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 84% من الـ 85%.
  • تقليص نسبة العجز إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • تحقيق فائض أولي قدره 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

يعد مشروع موازنة العام المالي 2022/2023 الأكبر في كل شيء، ولكنها تظل أرقاما على ورق، وتحقيقها مرهون بتحصيل الضرائب المقدرة، وتدبير القروض، المتوقعة في ظل أزمة حادة في الاقتراض وهروب الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة بما فيها مصر، وفي حال نجحت الحكومة في الجمع بين الأمرين، هل تشكل الموازنة عبئا على الحكومة وعلى المواطنين معا بتكبيل الأولى بالقروض والثاني بالضرائب؟

لا تخفي الحكومة تفاؤلها حتى في أحلك الظروف حيث تواجه أزمة كبيرة في توفير الموارد الدولارية، وتقول إنها "تعمل على تحقيق مستهدفات طموحة.. في ظل مشهد عالمي استثنائي شديد الاضطراب" وتبدو مطمئنة لتحقيق مستهدفات مشروع الموازنة.

وفي إطار استعراض مؤشرات الأداء المالي خلال الأشهر التسعة الماضية، الأحد، أكد وزير المالية محمد معيط أن الاقتصاد يمتلك القدرة على التعامل الإيجابي المرن مع الصدمات الداخلية والخارجية، وكما استطاع احتواء تداعيات جائحة "كورونا" فإنه بالتنسيق بين الجهات المختلفة سوف يتمكن من امتصاص التأثيرات السلبية للأزمة الأوكرانية، والموجة التضخمية غير المسبوقة.

ومن جانبها لخصت وزيرة التخطيط هالة السعيد أهداف مشروع الموازنة الجديدة بالقول إن خطة العام المالي القادم تقوم على 3 محاور، وهي "تحسين جودة حياة المواطن، تفعيل البرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي، دعم التنافسية الدولية للاقتصاد".

هجوم برلماني.. موازنة كل عام

رغم الاعتداد الحكومي بمشروع الموازنة، أبدى نواب بالبرلمان رفضهم لها بشدة، وقال عضو لجنة الخطة والموازنة بالمجلس محمد بدراوي إن مشروع الموازنة الجديد لا يظهر أي تغيّر في سياسة الحكومة المعتمدة بالأساس على الاستدانة، مضيفًا "نستدين لسداد أقساط القروض ولسد عجز الموازنة ولعمل مشروعات لا تدر على الدولة أية أرباح".

ورأى بدراوي أن الحكومة تقدم نسخا مكررة من موازنة كل عام، وأكد في تصريحات صحفية أن الحكومة ليس لديها تصور لوقف الاقتراض، أو قصره على سد قيمة العجز وزيادة الموارد، فهي تقدم موازنة تعكس نفس الرؤية كل عام.

بدوره، فند البرلماني المعارض ضياء الدين داود مشروع الموازنة، وقال خلال كلمته في المجلس بعد إلقاء وزيري المالية والتخطيط لبيانهما عن الموازنة "هناك أزمة طاحنة في البلد، وعلى المجلس أن يتحمل مسؤوليته" وإن عجز الحكومة عن تدبير النقد الأجنبي للخامات الأولية الداخلة في الصناعة سيؤدي لتوقف صناعات عديدة رغم إيداع قيمة الاعتماد مغطى بـ 120%.

لافتا إلى أنه من المتوقع أن يرفع الفدرالي الأميركي الفائدة 300 نقطة أساس مما قد يحمل الموازنة الجديدة عجزا إضافيا 300 مليار جنيه. فما الخطة لمواجهة ذلك؟ ويعلق داوود بأنه "رغم الأزمة لم نر التقشف بعد في تصرفات الحكومة".

بلغة الأرقام، فإن الرقم الذي يبدو أنه يشكل معضلة حقيقية للحكومة، هو ارتفاع الاحتياجات التمويلية للعام المالي الجديد بنسبة 30% مقارنة بالاحتياجات التمويلية العام المالي الجاري، بحسب البيان المالي لمشروع موازنة العام 2022/ 2023:

  • تُقدر الاحتياجات التمويلية عند 1.52 تريليون جنيه مقارنة بـ 1.06 تريليون العام المالي الجاري.
  • تتوزع هذه الاحتياجات بين العجز الكلي، وسداد القروض المحلية وسداد القروض الأجنبية.
  • 881.4 مليار جنيه قيمة القروض المحلية مقارنة بنحو 477.6 مليارا العام المالي الجاري.
  • 146.4 مليار جنيه قيمة القروض الأجنبية مقابل 78.3 مليارا العام المالي الجاري.

فكيف سوف تدبر الحكومة هذا المبلغ الضخم؟
تخطط وزارة المالية للاعتماد على مصادر تمويلية متنوعة داخلية وخارجية تبدو كالتالي:

  • الحصول على تمويل خارجي بقيمة 146.4 مليار جنيه.
  • إصدار سندات دولية بقيمة 91.5 مليار جنيه.
  • إصدار سندات وأذون خزانة محلية بقيمة 1.37 تريليون جنيه مقابل 990.1 مليارا العام المالي الجاري.

حلقة مفرغة من الاقتراض والسداد

موازنة الدولة تدور في حلقة مفرغة هدفها تجميل الأرقام، وفقا لتقديرات الدكتور حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، حيث توظف الدولة الأرقام من خلال منظومة الاقتصاد الكلي لإرسال رسائل خادعة للمؤسسات الدولية وهي جزء من سياسة الاقتصاد المسموم المصري التي بدأت مع بداية مرحلة القروض ومع تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، والتي يتحمل أعباءها المواطن دافع الضريبة.

وحذر هذا الأكاديمي الزائر -في تصريحات للجزيرة نت- من مغبة استمرار الإفراط في الاستدانة من أجل الترويج لأرقام اقتصادية لا تقوم على إنتاج حقيقي، فمعظم الأرقام الخيالية بالموازنات ليست من نتاج إصلاح هيكلي حقيقي للاقتصاد بل نتيجة أمرين فقطك أولهما التوسع في سياسة الجباية من المواطنين، وثانيهما: زيادة الاقتراض دون سقف، وبالتالي تكبيل الدولة بقروض ضخمة.

لكن أكبر معضلة الآن تواجه تحقيق تلك الأرقام، من وجهة نظر الشاذلي، هو تأمين القروض والضرائب، وهي مهمة ليست بالسهلة، والاستمرار في السياسات الاقتصادية التقليدية العقيمة لن يفضي إلا إلى عجز الدولة عن تدبير موارد دولارية لسد احتياجاتها والتزاماتها.

أكبر مُصدر للديون

ستصبح مصر أكبر مُصدِر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، بإصدارات تبلغ 73 مليار دولار خلال العام الحالي، مقابل 63 مليارا العام الماضي من خلال إصداراتها من السندات، حسب توقعات مؤسسة "ستاندرد آند بورز" (S&P) المالية.

وواصل التضخم ارتفاعه في مصر حيث بلغ تضخم أسعار المستهلكين خلال أبريل/نيسان 14.9% مقابل 4.4% خلال نفس الشهر من العام السابق، و12.1% خلال مارس/آذار الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي).

المصدر : الجزيرة