كيف تحرر أوروبا نفسها من الاعتماد على الغاز الروسي؟

قادة الاتحاد الأوروبي يخشون من قطع روسيا إمدادات الغاز الطبيعي (غيتي)

كانت الحرب الروسية على أوكرانيا سببا في الضغط على أوروبا لإعادة التفكير في كيفية حفاظها على صناعاتها المدعومة، حيث إن الخطوات مثل حرق المزيد من الفحم أو توسيع نطاق التدخل الحكومي في أسواق الطاقة التي كانت ستبدو مجنونة قبل أسابيع قليلة فقط، أصبحت الآن مطلوبة بشكل عاجل لوقف تمويل حرب فلاديمير بوتين.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية تقريرا كتبه كل من سيمون تاغليابيترا وجورج زاتشمان ومورغان بازيليان، حيث قالوا إن الأزمة قد أظهرت مدى اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي والنفط والفحم وحتى الوقود النووي الروسي، مما يجعلها معرضة بشكل خاص لأي تحرك من جانب روسيا لتعزيز هيمنتها على الطاقة، وهو ما شرعت أوروبا في إجراء تصحيح عميق له.

ووفق التقرير فإن هذا الأمر سيستغرق بعض الوقت، إذ يتعين على أوروبا أن تكون مستعدة في حال قامت روسيا بقطع إمدادات الغاز عنها، ويجب عليها أن تنضم إلى اتفاقية عبر المحيط الأطلسي مع الولايات المتحدة وكندا ومنتجي الطاقة الرئيسيين الآخرين للتأكد من حصولها على بدائل طاقة متاحة بسهولة ومن أجل تعزيز قدرتها على المواجهة.

واقترحت الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع إستراتيجية لإنهاء اعتماد التكتل على الغاز الروسي التي قد تؤدي إلى خفض كبير في الواردات الروسية هذا العام، وهو ما سيحققه الاتحاد الأوروبي من خلال زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، ونشر الطاقة المتجددة بشكل أكثر قوة، والحفاظ على الطاقة وتوسيع استخدام الغاز الحيوي والهيدروجين، إلى جانب تطبيق إستراتيجية احتياطيات الغاز الطبيعي، وشراء بعضها بشكل جماعي من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ويرى التقرير أن ترك أوروبا للغاز الروسي سيكون طويل المدى، حيث ستستغرق القارة معظم العقد لتخليص نفسها من تلك الإمدادات التي تمثل في الوقت الحالي أكثر من 40% من وارداتها من الغاز، مشيرين إلى أنه إلى الآن، ستستمر أوروبا في الشراء من روسيا، وإذا ما استمرت أسعار الطاقة في الارتفاع، فإن الأموال التي تدفعها أوروبا لروسيا سترتفع لتصل إلى متوسط 850 مليون دولار يوميا في النصف الأول من عام 2022.

عواقب اقتصادية

ومع استهداف العقوبات الغربية للقطاع المالي في روسيا وبنكها المركزي، فستمثل هذه الصادرات مصدر دخل أثمن لروسيا ولحرب فلاديمير بوتين، وقد قامت كندا والولايات المتحدة بالفعل بحظر واردات النفط والغاز الطبيعي الروسي في الوقت الذي تعهدت فيه بريطانيا بالتخلص التدريجي من واردات النفط بحلول نهاية العام، على الرغم من استمرار واردات الغاز حتى الآن.

ويشدد الكُتَّاب على أنه في حال استمرار الأعمال العسكرية اليومية في أوكرانيا أو تسارعها، فستتصاعد الضغوط الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء أوروبا لفرض حظر على الطاقة الروسية، وهو ما أكده المستشار الألماني أولاف شولتز الذي قال إن الإمدادات الروسية تظل ضرورية للاقتصاد الأوروبي في الوقت الراهن، مؤكدين أنه من شأن مثل هذا الحظر أن يمثل إحدى أهم الصدمات في تاريخ أسواق الطاقة، حيث يقترب سوق الغاز الطبيعي بالفعل من نقطة الانهيار، وقال وزير الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي الألماني روبرت هابيك إن هذا الحظر سيمثل اختبارا رئيسيا للاقتصاد والمجتمع الأوروبي على حد السواء.

وإلى جانب العواقب الاقتصادية المترتبة عن ارتفاع أسعار النفط، يخشى قادة الاتحاد الأوروبي أيضا من انتقام روسيا وقطعها لإمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا بعد أن كان الحظر الغربي يقتصر على قطع النفط الروسي فقط، ونظرا لخطورة هذا السيناريو، فإن أي تدابير عقابية يتخذها الاتحاد الأوروبي يجب توقعها بحذر بالتعاون مع الولايات المتحدة وكندا وغيرهما من الشركاء.

وينبغي أن يتضمن اتفاق الطاقة عبر الأطلسي إجراءات على 4 واجهات على الأقل، أولها، الغاز الطبيعي الذي بدونه ستكون إعادة ملء المنشآت التخزينية قبل الشتاء المقبل تحديا رئيسيا لأوروبا، وهو ما سيتطلب واردات قياسية من الغاز الطبيعي المسال في الربيع والصيف، ويجب أن تساعد الولايات المتحدة في ذلك اعتبارا من هذا العام من خلال ضمان وصول صادراتها إلى أوروبا بالكميات الضرورية وبتكلفة معقولة.

تعويض كميات النفط

ويتعين على الولايات المتحدة وأوروبا العمل معا للمساعدة في ضمان تسليم ما يكفي من النفط إلى السوق لتعويض الكميات الروسية المفقودة، وبما أنهما لا يتحكمان في تجارة النفط العالمية، فإن هذا سيتطلب تعاونا قويا مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومنتجي أوبك الآخرين الذين لن تكون كل دوله حريصة على هذا النهج.

كما يجب على أوروبا إعادة فتح محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وهو ما يعد صعبا للغاية من الناحية السياسية بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي لديها التزامات قوية بأهداف تغير المناخ، رغم أن حكومتي إيطاليا وألمانيا اعتمدتا بالفعل إجراءات طارئة للطاقة في حالة انقطاع الغاز الروسي. وبما أن أوروبا تستورد حوالي 47% من وقودها الصلب -خاصة الفحم- من روسيا، فسيكون استبدال ذلك أمرا صعبا للغاية.

يبدو أن أزمة أوكرانيا تعد بمثابة تذكرة صارخة لتسريع الانتقال للطاقة النظيفة في أوروبا والولايات المتحدة، وقد تكون إجراءات خفض استهلاك الطاقة في أوروبا أسرع طريقة لخفض الطلب، وبالمثل، فإن الجهد المبذول في زمن الحرب لتحسين كفاءة الطاقة في الولايات المتحدة يمكن أن يحرر كميات إضافية من الغاز الطبيعي للتصدير، مؤكدين على ضرورة أن تكون مراقبة الانبعاثات البيئية واللوائح التنظيمية جزءا من أي زيادة في صادرات النفط والغاز الأميركية كجزء من الإنتاج في زمن الحرب.

ويختتم الكاتبان بالإشارة إلى أن هذا الاتفاق عبر الأطلسي بين أميركا الشمالية وأوروبا يعد أمرا ضروريا إذا ما أرادت أوروبا أن تحرر نفسها من اعتمادها على الطاقة الروسية، مشيرين إلى أنه يمكن أيضا لمثل هذه الاتفاقية أن تبنى أساسا مهمّا للتعاون في ابتكار الطاقة النظيفة ونشرها وتقليل الطلب على الطاقة على المدى الطويل، مما سيعزز بشكل كبير أمن الطاقة في أوروبا.

المصدر : نيويورك تايمز