أمازون في مصر.. هل تسرق أحلام الصغار؟

أمازون الشركة العملاقة الرائدة في التجارة الإلكترونية تستثمر أكثر من مليار جنيه في مصر.

'Amazon' online shopping website- - ANKARA, TURKEY - SEPTEMBER 06 : Logo of 'Amazon' online shopping website is seen inside a circle held by a person in front of a screen in Ankara, Turkey on September 06, 2018.
افتتاح مستودع شركة أمازون بمصر رافقته تساؤلات ومخاوف (الأناضول)

تجارتها بحجم اقتصاد دول، ونجاحها سيحدث تطورا مهما في سوق التجارة الإلكترونية، أما إخفاقها فسيشكل انتكاسة اقتصادية ودعاية سلبية لا يمكن تصحيحها بسهولة، وجاءت لتهيمن وتستحوذ وليس لتتقاسم، هكذا لخص بعض خبراء الاقتصاد ظهور شركة "أمازون" في مصر مؤخرا.

على غرار ما يتم مع كبار الزوار، شهد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء والمسؤولين، الثلاثاء الماضي، افتتاح مستودع شركة أمازون بـمدينة "العاشر من رمضان" بمحافظة الشرقية، شمال القاهرة.

تستثمر الشركة العملاقة -الرائدة في التجارة الإلكترونية- أكثر من مليار جنيه في مصر (نحو 63 مليون دولار)، وتوفر أكثر من 3 آلاف وظيفة، وتمتلك ما يزيد على 15 محطة توصيل على مستوى الجمهورية، حسب بيان رئاسة مجلس الوزراء.

مساحة المستودع تبلغ 28 ألف متر مربع، ويعد الأول من نوعه في أفريقيا. وحسب مسؤولي الشركة، ما هو إلا البداية في إطار سعي الشركة لتوسيع نطاق عملياتها ونشاطها التجاري ليشمل أرجاء المنطقة كافة.

الشركة وإن كانت موجودة في مصر بشكل غير مباشر قبل أكثر من 4 سنوات باستحواذها على موقع "سوق دوت كوم" أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط مقابل 650 مليون دولار في مارس/ آذار 2017، أصبحت موجودة الآن بشكل مباشر بعد إعلانها على موقع الشركة "سوق.. بقى أمازون".

ويحتل السوق المصري المرتبة الأولى من حيث استثمارات أمازون في القارة الأفريقية، وتستهدف الشركة توفير تجربة تسوق وتوصيل أكثر سرعة عبر الإنترنت، كما أنها ستسهل تقديم المزيد من المنتجات إلى شريحة أكبر من العملاء في مصر، بحسب رونالدو مشحور، نائب رئيس الشركة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أمازون الحلم والكابوس

هذه التصريحات الوردية ليست كل القصة، فالوافد العملاق لم يأت ليتقاسم حصص الآخرين في البيع عبر الإنترنت، حيث توجد منصات تسوق كبيرة نسبيا مثل "جوميا" و"نون"، إضافة إلى منصات مراكز التسوق والشركات الإلكترونية الأخرى، إنما جاء من أجل الحصول على نصيب الأسد في تلك التجارة التي برع فيها بامتياز، ولديه من القوة التي تجعله يتحمل أي نفقات أو مصروفات بدون أرباح لفترة طويلة.

وهو ما يعني أيضا أن مستقبل كثير من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة قد يكون على المحك أو قد تتضرر تجارة بعض البائعين الصغار على منصات التواصل الاجتماعي لصالح الشركة الكبيرة، حسب خبراء اقتصاد تحدثوا للجزيرة نت.

وقال خبير أسواق المال الدكتور وائل النحاس إن "دخول أمازون السوق المصري شيء إيجابي، ولكنه قد يضر بالتجار الصغار الذين يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي للترويج لبضائعهم ومنتجاتهم، ولكن على الحكومة استغلال وجودها بالترويج لمشروعاتها التي أقامتها كمدينة الأثاث ومدينة الروبيكي للجلود وغيرهما وعرض جميع منتجاتها للعالم".

وحذر النحاس -في تصريحات للجزيرة نت- من أن يتحول إلى الأمر إلى دعاية سيئة للاقتصاد المصري، إذا ما تم التعامل مع الشركة العملاقة بشكل بيروقراطي من صغار الموظفين، لأنها شركة "تريليونية" تحتاج إلى التعامل معها باحترافية حتى تشكل دعاية إيجابية -لا سلبية- للبلاد.

وأكد النحاس ضرورة استغلال الشركة في إبرام عقود تجارية لترويج وعرض المنتجات المصرية لتكون بوابة مصر للعالمية، مع الأخذ في الاعتبار تضرر شريحة من البائعين الصغار الذين لا يملكون القدرة التنافسية للشركة العملاقة.

عوائق أمام أمازون

لكن طبيعة السوق المصري قد لا تسمح بسيطرة سريعة وسهلة لشركة أمازون بسبب أنه غير منظم، إضافة إلى انتشار الباعة غير الرسميين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ هم الذين يحتكرون البيع في المحافظات خارج مدينتي القاهرة والإسكندرية نظرا لعدم وجود بطاقات ائتمانية أو مسبقة الدفع لدى كثيرين في أرياف الدلتا والصعيد.

يقول صاحب محل "بيبي شارك" لبيع ملابس الأطفال، الذي له صفحة على موقع التواصل الاجتماعي، منذ بضع سنوات مضت كانت وسيلة البيع الوحيدة في المحافظة هي المحلات فقط، ولكن ظهرت صفحات شخصية خلال السنوات الماضية اكتسبت رضا الناس وثقتهم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح إيهاب فوزي، وهو حاصل على ليسانس آداب، أن الغالبية لا تزال تؤمن برؤية المنتج وفحصه أولا، ولا يوجد لديهم بطاقات مالية للشراء عبر الإنترنت ويفضلون الدفع نقدا، إلى جانب أن البعض لا يجيد التعامل مع المنصات الإلكترونية.

وبالفعل، تكشف أرقام البنك الأهلي المصري -أكبر البنوك المحلية في مصر، الذي يستحوذ على 60% من حجم التجارة الإلكترونية بالسوق المصري- أن عدد المحافظ المالية الذكية، أو بطاقات الائتمان، ليست كبيرة.

يقول الرئيس التنفيذي للتجزئة المصرفية والفروع في البنك الأهلي المصري، كريم سوس، في تصريحات صحفية إن عدد المحافظ بخدمة "الفون كاش" 1.7 مليون محفظة إلكترونية، وعدد بطاقات الائتمان 1.37 مليون بطاقة بنهاية يونيو/حزيران الماضي.

زاد الإنفاق على التجارة الإلكترونية نتيجة تفشي فيروس كورونا وما تبعه من إجراءات إغلاق وقائية فرضتها حكومات العالم، وفي هذا الصدد أشارت توقعات تقرير "اقتصاد 2021" الصادر عن "ماستركارد" إلى أن 20 إلى 30% من الزيادة في الإنفاق على التجارة الإلكترونية ارتبطت بتفشي الفيروس ستبقى اتجاها دائما في حصة الإنفاق الإجمالي لقطاع التجزئة العالمي.

حجم التجارة الإلكترونية في مصر

الباب لا يزال مفتوحا، وحجم سوق التجارة الإلكترونية في طوره الأول، ويرى رئيس لجنة الاتصالات بالجمعية المصرية لشباب الأعمال المهندس شريف مخلوف أن حجم التجارة الإلكترونية في مصر تنامى بشكل كبير، وأنها هي النسخة المستقبلية للتجارة في شكلها الحالي.

وما يشجع على نمو التجارة الإلكترونية أيضا تنامي أعداد مستخدمي الإنترنت عن طريق المحمول، حيث بلغ عددهم 52.40 مليون مستخدم، بحسب نشرة مؤشرات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أبريل/ نيسان الماضي.

وتؤمن الحكومة المصرية بمستقبل التجارة الإلكترونية حيث يرى رامي يوسف، مستشار وزير المالية للضرائب الدولية والتطوير، أنها "أصبحت واقعا، وتعتبر المستقبل الذي يتجه إليه العالم، ويتعايش معه الأفراد والحكومات، والتعامل معه يشمل جوانب كثيرة، مثل تكنولوجيا المعلومات والنواحي الضريبية والمالية".

وتمثل التجارة الإلكترونية البالغة نحو 34 مليار جنيه أقل من 3% من حجم التجارة الداخلية في مصر التي تصل إلى 1.2 تريليون جنيه (نحو 82 مليار دولار) وتسهم بخمس إجمالي الناتج المحلي.

مخاوف الاحتكار

اعتبر الخبير الاقتصادي ورئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة الدكتور أحمد خزيم أن "سوق التجارة الإلكترونية المصري هو سوق واعد وينمو بشكل مطرد، ولكن احتمالات هيمنة شركة أمازون قائمة والتجارب السابقة في دول العالم الأخرى تؤكد ذلك".

ورأى -في حديثه إلى الجزيرة نت- أن الخطورة تكمن في أن تصبح الدول النامية سوقا لعرض المنتجات الأجنبية بأسعار وعروض تنافسية تؤدي إلى ركود أو تراجع المنتجات المصرية بدلا من زيادتها؛ لأنها دول استهلاكية غير منتجة.

وأشار إلى أن الشركات الكبرى العابرة للقارات تحكمها مصالحها الشخصية في المقام الأول، ولا مانع من توجه الدولة لفرض أو تحصيل ضريبة القيمة المضافة على المنتجات والسلع التي يتم بيعها عبر موقعها على الإنترنت من باب الحماية وتعويض خزينة الدولة.

وتسعى الحكومة المصرية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة من نمو التجارة الإلكترونية عبر فرض ضريبة القيمة المضافة (14%)، حيث تعد ضريبة القيمة المضافة، والضريبة على الدخل من أهم موارد الضرائب العامة للدولة المصرية.

وأكد مدير خدمة الممولين بمصلحة الضرائب الدكتور محسن الجيار خضوع التجارة الإلكترونية لضريبة القيمة المضافة بمقدار 14% وفقا لقانون الضريبة على القيمة المضافة وقانون الإجراءات الضريبية الموحد.

المصدر : الجزيرة