ارتفاع مبيعات كتب الفلسفة.. حراك ثقافي لافت في السعودية يطلق العنان لأم العلوم

مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ( المصدر وكالة الأنباء السعودية)
حضور لافت لكتب الفلسفة في المكتبات والمعارض السعودية (وكالة الأنباء السعودية)

تشهد الساحة الثقافية السعودية حاليا حراكا فلسفيا لافتا، بخاصة مع تدشين عدد من المنابر الفلسفية وإعلان وزارة التعليم السعودية عن وضع مناهج دراسية جديدة تهتم بالفلسفة والتفكير الناقد، وهو ما يمثل تطورا مهما لدى المهتمين بأم العلوم.

ويرى البعض أن الانفتاح الحالي على الفلسفة فرصة للتعامل الصحي مع التخوّف منها، من خلال التواصل المفتوح والحواري مع الأنشطة الفلسفية والتعرف عليها عن قرب.

ويقول الكاتب والمؤلف والعضو المؤسس لجمعية الفلسفة السعودية طريف السليطي إن الاهتمام بالفلسفة مسألة طبيعية، و"يدل على تطور عضوي في الحركة الثقافية داخل المملكة، فقد نمت أجناس الكتابة العلمية والإبداعية في شتى المجالات؛ في الأدب، وفي الدين، وفي العلوم الإنسانية والطبيعية، وبرزت طاقات شابة في هذه الميادين، وجاء انتشار الخطاب الفلسفي متدرجا منذ أواسط الألفينيات الميلادية عبر الصحافة والمواقع الإلكترونية وإن كان قد كتب عنها في المملكة قبل ذلك لكن في مجال التأليف والنشر".

سنوات من المخاض

ويضيف السليطي، في تصريح للجزيرة نت، أن الحضور القوي حاليا لـ"أم العلوم" هو تتويج لمخاض سنوات طويلة من جهود الناشطين في مجال الفلسفة، والتحقت بهم فئات من الشباب والشابات الذين يقرؤون النتاج الفلسفي في المملكة أو من الخارج، "ولا شك أن للفلسفة جاذبيتها في استقطاب القراء الجدد لكونها تتطرق إلى أسئلة مهمة وحيوية تشغل كثيرا من القراء والمهتمين".

السليطي يقول إن الأهتمام بالفلسفة يدل على تطور الحياة الثقافية في السعودية (الجزيرة)
السليطي يقول إن الاهتمام بالفلسفة يدل على تطور الحياة الثقافية في السعودية (الجزيرة)

ويشير إلى أن هذه اللحظة التاريخية من النشاط الفلسفي لا تخدم الخطاب الفلسفي وحده، بل تتعاضد مع فلسفة الدين، والفن، والاقتصاد، والتاريخ، مضيفا "إننا نعيش ذروة هذا النشاط في الوقت الحالي، وغايته هو التطور في الحركة الثقافية السعودية، وهو أمر له مردوده العظيم الذي سيغذي الثقافة العربية لأجيال قادمة".

ويتحدث الكاتب والمؤلف السعودي عن علاقة النخب الثقافية في السعودية بالفلسفة قائلا "هناك نخب تهتم بالفلسفة وإن لم تكتب عنها، فكثير منهم يصادف الكتابات الفلسفية في قراءاته الأدبية والدينية والتاريخية".

ويتابع بالقول "ما من غرابة في تأييدهم لمثل هذا الدعم للنشاط الفلسفي لإدراكهم لأهميتها في تعميق البحث العلمي وتطوير الخطابات المختلفة في المجالات المذكورة، ونظرا لقراءاتهم الفلسفية السابقة وخبرتهم مع النص الفلسفي، أما الجامعات والأكاديميات فلم تشرع بعد في تدريس الفلسفة وهذا ما أرجو تحققه قريبا".

مستقبل الفلسفة

ويعلق السليطي على ارتفاع مبيعات الكتاب الفلسفي في السعودية، مؤكدا أنه أمر يبشر بالخير ويبعث على التفاؤل بمستقبل الفلسفة في السعودية، متمنيا ألا تكون موجة مؤقتة تنتهي مع انحسار المدّ الحالي، راجيا استمرار هذا الشغف الفلسفي وأن يثمر عن مدارس فلسفية وفكرية سعودية و"ننتج خطابا فلسفيا عربيا معاصرا مثلما كان عليه الأمر في مصر ثم المغرب العربي، والآن جاء دور المملكة والخليج بما يمثله من ثقل مؤثر على العالم العربي"، حسب قوله.

كما تمنى السليطي أن يكون لهذا الإقبال على الكتاب الفلسفي نتائجه المستقبلية الإيجابية في توليد أسماء إبداعية جديدة في الفلسفة، "فالنصوص تولد النصوص كما يدرك الجميع".

** داخلية** خالد الغنامي يقول إن المملكة تقترب من نهضة علمية فلسفية تتشكل ببطء (الجزيرة)
الغنامي يقول إن المملكة تقترب من نهضة علمية فلسفية تتشكل ببطء (الجزيرة)

من جانبه، يقول الكاتب السعودي والمترجم والباحث في الأديان والفلسفة خالد الغنامي إن الفلسفة في المدة الأخيرة بدأت تأخذ مكانة في الحياة الثقافية السعودية، مرجعا ذلك إلى الجهود التي قامت بها الجمعية الفلسفية (جمعية الفلسفة) التي كان إعلان تأسيسها بجهود فردية في 2020 بالمشاركة مع مجموعة من الأشخاص المهتمين بالفلسفة.

ويوضح الغنامي، في تصريح للجزيرة نت، أن جمعية الفلسفة تعدّ أول جمعية فلسفية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وهي تعنى بالشأن الفلسفي في البلاد وتسعى لتمكين المهتمات والمهتمين بالشأن الفلسفي من المشاركة المجتمعية العامة، معتبرا أن هذه الجمعية من الأسباب الرئيسة لانتشار الفلسفة في المملكة وأصبحت نشاطاتها من محاضرات وندوات تحظى باهتمام ومتابعة كبيرة من الآلاف.

ويلفت إلى أنه قبل الإعلان عن التأسيس الرسمي لجمعية الفلسفة في السعودية كان هناك تنظيم لبعض المحاضرات الخاصة بالفلسفة وكان يقتصر الحضور فيها على عدد محدود جدا، فقد كان الصوت المعارض للفلسفة هو الأعلى، لكن مع مرور السنوات ازداد اهتمام الناس بالفلسفة لا سيما أن الموضوعات المطروحة تبعثهم على التساؤل واقتناء الكتب الفلسفية والقراءة؛ ليكون ذلك بمنزلة انتقال تدريجي بطيء من جانبهم للاهتمام بالفلسفة.

 نهضة علمية

ويوضح الغنامي أن السعوديين معروف عنهم حبهم للقراءة، وخير دليل على ذلك النجاح وحجم المبيعات الكبير الذي يحققه معرض الرياض للكتاب سنويا، مؤكدا أن الجيل الجديد من الشباب لديه نهم كبير للاطلاع على العلوم كافة لا سيما الفلسفة، وهو شيء يدعو للتفاؤل.

وحسب المؤلف والمترجم السعودي، فإن المملكة بصدد نهضة علمية فلسفية تتشكل ببطء نظرا لطبيعة المجتمع السعودي الذي يمتاز بالصبغة المحافظة والمقاوم إلى حد كبير لكل جديد.

ويشير الغنامي إلى أن الأوساط الشبابية السعودية لا تتخوف من الفلسفة أو تنفر وتنزعج منها، "بل على العكس هناك تقدير واحترام ورغبة في المعرفة، وهذا هو الهدف الرئيس؛ أن يصبح لدى الإنسان حس التساؤل والدهشة من وجوده، فيطرح الأسئلة بهدف الرغبة في المعرفة وهو شيء طبيعي؛ أن يتساءل عن هدف وجوده وغايته في الحياة".

ويلفت إلى أن التساؤل والدهشة أشياء أساسية في التكوين الإنساني ولا ينبغي رفضها أو الانزعاج منها، لكن تشدد البعض وحساسيتهم من الفلسفة كانا وراء ذلك المفهوم، فالفلسفة تساعد في أن تصبح الصورة منطقية أمام الإنسان حتى يعيش حياته بطريقة إيجابية ويستطيع دعم العلم والتجربة والمكتشفات والبحث من أجل نهضة حقيقية.

ويبدي الغنامي تفاؤلا كبيرا إزاء الإقبال الكبير من جانب الشباب في السعودية على تعلم الفلسفة ومبادئها، مؤكدا أن ذلك من شأنه أن ينعكس على الحياة الاجتماعية وتطور الإنسان بوجه عام.

ودعا الكاتب السعودي والمترجم والباحث في الأديان والفلسفة خالد الغنامي إلى دراسة وتبنّي تعليم الفلسفة بشكل رسمي يسهم في تكوين نخب مستنيرة تتكاثر ولا تنعزل عن المجتمع، بل تندمج معه وتسهم في ارتقائه، بخاصة أن التوجه في المملكة حاليا يدعم الانفتاح على الأفكار وحرية التفكير.

وأعرب عن أمله في انتشار الفلسفة والمعرفة التي تدعو إلى الاستنارة وطرح التساؤلات وليس الفلسفة القائمة على الجدال والسفسطة والهدم، لافتا إلى أن الفلسفة فيها تيارات متناقضة ولا يُنظر إليها على أنها عقيدة أو ذات فكرة واحدة بل تحوي أفكارا متناقضة ومتعارضة.

المصدر : الجزيرة