العنصرية في الصحافة "البيضاء".. كيف تجاهلت الصحافة الأميركية قضايا المجتمع الأسود؟

يقول تقرير نيويورك تايمز إن ما قدمته المؤسسات الإعلامية الأميركية -تاريخيا- على أنه صحافة "عادلة" و"محايدة" كان في الواقع مشحونا بالصور النمطية العنصرية التي نُشرت لتسويغ العبودية.

Civil Rights March on Washington, D.C. [Leaders marching from the Washington Monument to the Lincoln Memorial. In the front row, from left are: Whitney M. Young, Jr., Executive Director of the National Urban League; Roy Wilkins, Executive Secretary of the National Association for the Advancement of Colored People; A. Philip Randolph, Brotherhood of Sleeping Car Porters, American Federation of Labor (AFL), and a former vice president of the American Federation of Labor and Congress of Industrial Organizations (AFL-CIO); Walter P. Reuther, President, United Auto Workers Union; and Arnold Aronson, Secretary of the Leadership Conference on Civil Rights.]
مسيرة الحقوق المدنية في واشنطن العاصمة 1963 (الصحافة الأجنبية)

مهّدت الصحف التي دافعت عن تفوق البيض في الجنوب الأميركي، في مرحلة ما قبل حركة الحقوق المدنية (1896-1954)، الطريق أمام الإعدام خارج القانون للأميركيين الأفارقة بإعلان أنهم ليسوا أشخاصا (كاملي الأهلية). لقد تبنّوا لغة كانت في ما مضى تُعتمد في مزادات العبيد من خلال إنكار حق المواطنين السود بمناداتهم بلقب سيد وسيدة، والإشارة إليهم بدلا من ذلك بـ"الزنجي" و"الزنجية".

وقال عضو هيئة التحرير في صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية، برينت ستابلز، إن صحافة البيض وصفت الرجال السود بأنهم مغتصبون بالفطرة، مهيئة بذلك الظروف لشنقهم أو إطلاق النار عليهم أو حرقهم وهم أحياء في الساحات العامة في جميع أنحاء الكونفدراليات السابقة. وأصبحت هذه الصحف أكثر دموية في نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20 من خلال إثارة حلقات جهنميّة من العنف تسببت أحيانا في محق مجتمعات سوداء بأكملها.

أهوال الجنوب وصحافة الشمال

فرّ الأميركيون الأفارقة من أهوال الجنوب فقط ليجدوا أن صحافة البيض في الشمال أقل عدوانية بصورة هامشية، ولكن صحافة البيض في ولايات الشمال (الصحافة اليانكية) التي كانت تعتز برفض الإعدام خارج نطاق القضاء للسود في المطلق، كانت تسوّغ ذلك في الواقع بوصف الضحايا على أنهم ميّالون بطبيعتهم إلى الجريمة.

وأشار المؤرخ رايفورد لوغان (1897-1982) في دراسته لهذه الحقبة من التاريخ الأميركي إلى أن صحافة البيض في ولايات الشمال رسّخت الصورة النمطية للأسود البربري بجعل سواد البشرة مرادفا للجريمة. وقد تضمنت عناوين الصحف عبارات من قبيل "الزنجي الهمجي" و"الملون المتوحش". وبوصف السود على أنهم أقل إنسانية، سوّغت صحافة البيض الشعبية سطوة الإرهاب التي نشرها الجنوب في حين جرّدت الأميركيين الأفارقة من حقوقهم التي تمتعوا بها مدة وجيزة غداة الحرب الأهلية في ما يعرف بفترة "إعادة الإعمار".

ومنذ بداية القرن الـ21 اعتذرت صحافة البيض -تاريخيًا- في كل من ألاباما وكاليفورنيا وفلوريدا وكنتاكي وميسيسيبي وميزوي وكارولينا الشمالية بدرجات متفاوتة من الصراحة عن الدور الذي شاركت به في هذا التاريخ. وتشهد هذه الاعترافات على التغطية الإخبارية العنصرية على مدى أكثر من قرن من الزمان، بما في ذلك انهيار فترة إعادة الإعمار، وبروز قوانين جيم كرو، والحربان العالميتان، وحركة الحقوق المدنية، وأعمال الشغب الحضري في الستينيات، وحرب فيتنام وما بعد ذلك.

وذكر الكاتب أن صحيفة "ليكسنغتون هيرالد ليدر" في كنتاكي، على سبيل المثال، تحدثت بالنيابة عن مئات الصحف عندما اعترفت بأنها "تجاهلت" تغطية حركة الحقوق المدنية في وقت كانت فيه الحركة تغير معالم البلاد. كذلك اعتذرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" عن كونها "مؤسسة متجذرة بعمق في تفوق البيض" في جلّ تاريخها، واعترفت بسجلها الذي يتضمن اللامبالاة و"العدوانية الصريحة" تجاه سكان المدينة من غير البيض، حسب تقرير الصحيفة الأميركية.

ازدراء السود

ومن جهتها، أقرّت صحيفة "كنساس سيتي ستار" بأنها "حرمت وتجاهلت وازدرت أجيالا من المواطنين السود في كنساس"، و"سلبت مجتمعا بأكمله" من "الكرامة والعدالة والاعتراف". فبينما كانت تُظهر اهتماما كبيرا بالعمليات العسكرية في الخارج -حسب ما أشارت إليه الصحيفة- التزمت الصمت بشأن القنابل التي انفجرت في منازل السود التي لم تكن تبعد كثيرا عن مكاتبها. وعندما دمر فيضان المدينة في عام 1977، اكتفت الصحيفة وغيرها بالتركيز على الأعمال التجارية والضواحي متجاهلة حقيقة أن الفيضان ابتلع منازل المواطنين في المناطق التي يقطنها السود، وأظهرت الصحف اهتماما أكبر بالحيوانات الأليفة المفقودة أكثر من حياة المواطنين السود الذين جرفهم السيل.

ويرى الكاتب أن حركة الاعتذار كان لها صدى تاريخي من نواح عدة، فهي تقدم اعترافا مناسبا للتخصص الأكاديمي المعاصر المعروف باسم "النظرية العرقية النقدية"، بإظهار أن ما قدمته المؤسسات الإعلامية على أنه صحافة "عادلة" و"محايدة" كان في الواقع مشحونا بالصور النمطية العنصرية التي نشرت لتسويغ العبودية. كما تكشف كيف أقصت صحافة البيض أجيالا من الأميركيين الأفارقة الذين لا يزال العديد منهم يرون المنابر الإعلامية في الولايات المتحدة الأميركية جزءا من "إعلام البيض" العدائي.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الحركة تجسّد ما تحدثت عنه اللجنة الاستشارية الوطنية للاضطرابات المدنية للرئيس ليندون جونسون -المعروفة باسم لجنة كيرنر- في عام 1968 عندما انتقدت الصحافة بشأن كتابة التقارير ونقل الأخبار "من وجهة نظر الرجل الأبيض".

عنصرية إعلامية

وذكر الكاتب أن صحافة البيض في الجنوب أملت على الأميركيين في جميع أنحاء البلاد كيفية رؤية الفظائع التي عاشها السود من خلال تصوير أكثر ممارسات العنف بشاعة على أنها ضرورية لحماية المجتمع الأبيض المحاصر، وقد صادقت المؤسسات الإعلامية في أماكن أخرى على هذه الكذبة دون تفكير. في المقابل، كان المحررون في صحف السود الصغيرة المتعثرة يخاطرون بحياتهم لدحض ما عدّوه بحق دعاية لتفوق البيض في شكل أخبار.

وحسب تقرير الصحيفة الأميركية، واصلت صحف البيض احتقار السود بأساليب مهينة أحدها استمر حتى خمسينيات القرن الماضي، من خلال حرمان البالغين السود من لقب سيد وسيدة، وعدم الاعتراف بشرعية زواج السود من خلال إشارة الصحف إلى النساء السود المتزوجات بأسمائهن بدلا من سيدة. وقد استخدم مجتمع جيم كرو هذا التشهير لتسويغ الاعتداءات الجنسية للرجال البيض على النساء السود، حسب الصحيفة الأميركية.

في المقابل، كانت صحف السود على غرار "بالتيمور أفرو-أماريكان"، و"شيكاغو ديفندر"، "وبيتسبرغ كورييه" ملاذا في وجه عدوانية صحافة البيض، ومثلت حاضنة ومحفزا لبوادر حركة الحقوق المدنية.

وبحلول عام 1966 اكتسبت حركة الحقوق المدنية زخما كبيرا امتد عقدا من الزمن إذ تبنّى آلاف الأفارقة الأميركيين إستراتيجية تقوم على الاحتجاج السلمي الذي ينبذ العنف ضد الفصل العنصري والمطالبة بحقوق متساوية بموجب القانون.

المصدر : نيويورك تايمز