شعار قسم مدونات

ظاهرة النفاق في الحروب والأزمات (2)

الفرقة 98 بالجيش الإسرائيلي التي يقودها المقدم دان غولدفوس، التي وكلت لها مهام القتال وتفجير مداخل الأنفاق في خان يونس. المصدر: تصوير مكتب الصحافة الإسرائيلي الحكومي الذي عممها على وسائل الإعلام للاستعمال الحر.
المؤمن لا يستغني عن الله في جميع أحواله ولا يفتر عن الاستعانة به والثقة بدينه مهما حصل (الجيش الإسرائي)

تعرفنا في القسم الأول من هذا المقال على ظاهرة النفاق وأبرز علاماتهم، ونكمل في هذا القسم في توضيح باقي علاماتهم، وبيان الحل لعدم الوقوع في هذه الآفة.

ومن أظهر علاماتهم لمزهم وسخريتهم من العاملين لدين الله والمجاهدين بما يستطيعون، كما قال تعالى عنهم: (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب (78) الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) (التوبة: ٧٨-٧٩).

من علامات المنافقين تخلفهم عن القتال والمعارك، وكراهتهم أن يبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله، كما قال تعالى في بيان هذه الصفة عندهم: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)

ومن علاماتهم أنهم لا يحبون أن ينتصر المجاهدون، ويترقبون انكسارهم في كل لحظة، وإذا رأوا جهدا أو جهادا استحقروه، وتسوؤهم إنجازات المجاهدين، كما قال تعالى عنهم: (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون (50) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (التوبة ٥٠-٥١).

ومن علاماتهم تخلفهم عن القتال والمعارك، وكراهتهم أن يبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله، كما قال تعالى في بيان هذه الصفة عندهم: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون (81) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) (التوبة:٨١-٨٢).

ومن علاماتهم تكاسلهم عن العبادات، ومنها أداء الصلوات على وقتها وعلى وجهها الصحيح، وقلة ذكرهم لله عز وجل، وحبهم الرياء والمظاهر والدنيا في كل شيء، قال تعالى عنهم: ( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) (التوبة:٤٢)، وقال تعالى في وصفهم: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) (النساء: 142)

ومن علامتهم اتخاذهم المنابر والقنوات لنشر فكرهم وتغليف كلامهم بغلاف النصيحة وإرادة الخير، وهدفهم إبعاد المؤمنين والمجاهدين عن الطريق التي يرضاها الله عز وجل، وبث الفرقة فيما بينهم، كما قال تعالى في وصفهم: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون) (التوبة: ١٠٧).

ومن علاماتهم تصديقهم للشائعات، وتناقلهم لها، وترديدهم لأخبار العدو وإذاعتها بين الناس، كما قال تعالى في وصفهم: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (83) فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا) (النساء: ٨٣-٨٤)، وهذا الصنف من الناس عجيب، يقدس عدوه، ويحتقر ابن أمته ودينه، يصدق أخبار العدو كأنها منزلة، وهم أهل الغدر والخيانة، ويشكك في أخبار المجاهدين أبناء دينه، وهم أهل التقوى والطاعة.

من علامات أكفر المنافقين، ومن بلغوا القذارة منهم أنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ويتعاونون معهم ضد المسلمين والمجاهدين، ظنا منهم أن العزة وحفظ مكتسباهم في التعاون مع الكفار ضد المسلمين

ومن علاماتهم أنهم مذبذبون مترددون، يميلون ويدورون مع القوي حيث دار، ليكسبوا شيئا من فتات الدنيا، وليحفظوا أنفسهم من القتل كما يظنون، قال تعالى في وصفهم: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (141) إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) (النساء: ١٤١-١٤٣).

ومن علاماتهم اتهامهم المجاهدين بالغرور، لأنهم وثقوا بربهم وبدينهم، فكل إنجاز وثبات يعدونه غرورا، فيقولون عن المجاهدين أنهم مغرورون، وضيعوا الناس بغرورهم، ونسوا أنهم يقاتلون دول عظمى!، هذا كلام أهل زماننا، وأخبرنا الله عن كلام أسلافهم من المنافقين الأوائل، وسبحان الله قالوا مثل قولهم وتشابهت قلوبهم، قال تعالى عنهم: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) (الأنفال: ٤٩)، وقال تعالى عنهم أيضا: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) ( الأحزاب: ١٢)، وأحسب أن هذه الكلمات في ذم المؤمنين والمجاهدين قد تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري في صحيحه: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم"، وداخل أيضا في قذف المجاهدين وقذف عبادة الجهاد، وحرمة المجاهدين عند الله عظيمة في أنفسهم وفي أهليهم، كما جاء عند الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟ وفي رواية : فخذ من حسناته ما شئت، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فما ظنكم؟". أي هل في ظنكم يترك له شيئا من حسناته. فإياك ثم إياك ثم إياك أن يكون خصمك يوم القيامة مجاهد في سبيل الله.

ومن علامات أكفر المنافقين، ومن بلغوا القذارة منهم أنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ويتعاونون معهم ضد المسلمين والمجاهدين، ظنا منهم أن العزة وحفظ مكتسباهم في التعاون مع الكفار ضد المسلمين، قال تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) (النساء: ١٣٨-١٣٩).

اتق الله وكن صادقا مع الله ومع نفسك، واسع في جهاد عدوك وإغاظته ما استطعت، فمجرد أن تغيظ عدوك، وأن تنال منه نيلا ولو كان ضئيلا، حتى لو بأن تزعجه وتهز ثقته بنفسه فقد أنجزت، وأنت عند الله من المحسنين.

وبعد كل هذا الذي عرفناه، ما الحل لنحذر من النفاق ولا نقع فيه من هذا الباب؟

الحل هو أنه يجب على كل مسلم أن يقوي إيمانه بالله، وأن يوطن نفسه على البذل والعطاء والصبر والتخفف من الدنيا، ويربي نفسه على الجهاد والتضحية ونصرة دين الله، ومحاربة الكفر وأهله، ويستعيذ بالله من النفاق أو أن يكون فيه صفة أو خصلة منه وهو لا يدري، كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن احتمالية وجود خصلة من النفاق في الشخص، كما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها"، والحل كذلك في سورة التوبة نفسها التي استدللنا بها على معظم علامات المنافقين، فبعد أن ذكر الله سبحانه  كل هذه المظاهر والعلامات على النفاق، قال الله في نهايات السورة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين* ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين* ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) (التوبة:١١٩-١٢١)، هذا هو مختصر الموضوع، اتق الله وكن صادقا مع الله ومع نفسك، واسع في جهاد عدوك وإغاظته ما استطعت، فمجرد أن تغيظ عدوك، وأن تنال منه نيلا ولو كان ضئيلا، حتى لو بأن تزعجه وتهز ثقته بنفسه فقد أنجزت، وأنت عند الله من المحسنين.

وختاما فالمؤمن لا يستغني عن الله في جميع أحواله، ولا يفتر عن الاستعانة به، والثقة بدينه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى لو قل السالكون، وانتكس المنتكسون، وتولى الكثيرون، وهذه هي الوصية الختامية في آخر سورة التوبة، قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم* فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) (التوبة: ١٢٨-١٢٩).

اللهم ثباتا وتأييدا وقوة ومعية واستعمالا في سبيلك، ورضا وقبولا يا أكرم الأكرمين، والحمد لله رب العالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.