شعار قسم مدونات

كيف يمكن للجماهير إيقاف الإبادة الجماعية في غزة؟

مظاهرات في الاردن على الجسر البري
مظاهرات في الأردن على الجسر البري لدعم غزة والتنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع (مواقع التواصل الإجتماعي)

منذ خمسة أشهر والحشود الشعبية تخرج أسبوعياً لتعبّر عن سخطها وتنديدها بحرب الإبادة الصهيو-أميركية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مطالبة بإيقاف فوري ودائم لإطلاق النار وإدخال المساعدات وتحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني والحصار البري والبحري والجوي الذي يفرضه عليه، ومساعدته على تحقيق آماله وتطلعاته وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة. إلا أن هذه الحشود لم تنجح حتى الآن في أكثر من تسجيل موقفها والتعبير عن رأيها، وهو أمر يبدو طبيعياً أمام عجز دول العالم والأمم المتحدة والمنظمات الدولية عن القيام بذلك، فهل يمكن والحال كذلك؛ تفعيل الحراك الشعبي ليتحول إلى أداة ضغط قويّة ذات تأثير مادّي حيوي، يدفع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ودول العالم إلى إيقاف الحرب وإنهاء هذه المأساة العبثية التي يقوم بها التحالف الصهيو-أميركي في قطاع غزة؟

المؤسسات المسؤولة عن تنظيم الحشود الشعبية الحالية تتحمل المسؤولية الكبرى في إعادة توجيه الطاقة الشعبية لتكون أكثر فاعلية وتأثيراً.

يمكن تحقيق ذلك بقليل من التفكير والتنظيم تستطيع جماهير العالم في الكثير من الدول تحويل حراكها الشعبي الحالي وما يمتلكه من قوّة مادية ديناميكية إلى أعمال وأنشطة كثيرة مؤثرة، دون اللجوء إلى العنف أو أية أعمال تخالف الدستور والقانون. وما أسوقه في هذا المقال ليس خطة استراتيجية متكاملة وإنما أفكار أولية لفتح آفاق جديدة أمام التفكير الشعبي ليتحرك بطريقة مختلفة أكثر تأثيراً من مجرد التعبير عن الموقف والرأي.

الجهات المسؤولة

هذا النوع من الحراك يحتاج إلى جهات مسؤولة لديها الخبرة والإمكانات والقدرة على تحديد الأهداف والتخطيط لها، ومن ثم القيام بما تحتاجه من التنظيم والحشد والفعل والمتابعة، وفقاً لسياسات عمل واضحة تجنبها الاصطدام بالجهات المسؤولة عن حفظ النظام والقانون، كما تجنّبها الاصطدام مع أصحاب المصالح، وتمكّنها من المساهمة الفاعلة في إيقاف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وإيقاف الدمار والقتل في صفوف المدنيين الذي يقارب ٥٠٠ قتيل ومصاب يومياً.

وفي مقدمة هذه الجهات:

  • المؤسسات المنظمة للحراك الشعبي

وهي المؤسسات المسؤولة عن تنظيم الحشود الشعبية الحالية من مؤسسات مجتمع مدني واتحادات طلاب ونقابات مهنية ومنظمات مجتمعية، والتي اكتسبت مصداقية لدى الشارع العام، وتقوم بالاتصال بالتجمعات الشعبية وتخطيط مسارات التحرك، ووضع الشعارات وإعداد اللافتات، والتنسيق مع الجهات الرسمية، وغير ذلك من الأعمال اللازمة لضبط المسيرات الشعبية، وتجنب حدوث أي تفلّتات أو اعتداءات أو تزاحم من شأنه إفشال المسيرات. هذه المؤسسات تقع عليها المسؤولية الكبرى في إعادة توجيه الطاقة الشعبية لتكون أكثر فاعلية وتأثيراً.

  • المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والإقليمية والدولية

وهي المنظمات الدولية والإقليمية الرسمية وغير الرسمية المسؤولة عن مراقبة الوضع القانوني والإنساني في دول العالم، ومدى التزام الدول بالقانون الدولي والإنساني، ومدى الانتهاكات والخروقات التي تقوم بها الأنظمة الحاكمة لهذه القوانين، ومدى الاعتداءات التي يتعرض لها السكان على أيدي هذه الأنظمة، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمجلس العالمي لمقاومة العنصرية ومنظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايس ووتش) وأطباء بلا حدود، وأنقذوا الأطفال.

  • النخبة المستقلة

وهم الطبقة المؤثرة في المجتمع والدولة في مختلف التخصصات، كالقانون والتجارة والفن والثقافة والتعليم والصحة والإعلام والتواصل الاجتماعي.

أسبوع واحد من اليابان إلى كندا ومن نيوزيلندا إلى جنوب أفريقيا، قد يكفي لإيقاظ العالم وإشعار زعماء الدول والحكومات أن حرب الإبادة الجماعية التي تجري في فلسطين، هي حرب إبادة ضد الإنسانية جمعاء.

الأنشطة الغائبة

من المهم جداً المحافظة على الحشود الشعبية للتعبير عن رأي العالم فيما تقوم به دولة الكيان الصهيوني من انتهاكات يندى لها جبين البشرية على مدى التاريخ، وهو الذي طالما ذرف دموع النفاق والمراوغة مستجدياً تعاطف العالم للوقوف إلى جانبه على الدوام لمنع تكرار المحرقة النازية مرة أخرى ضد الشعب اليهودي. من المهم المحافظة على ذلك في كافة دول العالم، ولكن الأكثر أهمية اليوم؛ ألا تقتصر الجهات الفاعلة على ذلك، بل تعمل على استغلال هذه الطاقة الشعبية للتأثير المادي العاجل على أصحاب القرار للتعجيل في وقف إطلاق النار وإنهاء حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة، ومن هذه الأنشطة على سبيل المثال:

  • الإضرابات

الإضراب هو التوقف عن العمل بصورة مقصودة يتم الإعلان عنها لفترة محددة، بهدف التأثير على حركة الحياة اليومية والضغط على الحكومات لتحقيق الأهداف التي دعت إلى الإضراب، وقد جاء الوقت لتتحرك الجهات والمؤسسات والنخب والجماهير للقيام بإضرابات محددة تشل حركة الحياة، وتؤثر على سير قطاعاتها المختلفة من أجل الضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف أكثر جدية تجاه الكيان الصهيوني، وتعجّل في إيقاف حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها في قطاع غزة. وعلى سبيل المثال يمكن للجهات والمؤسسات المنظمة أن تتواصل فيما بينها على مستوى العالم لتعلن عن أسبوع فلسطين أو أسبوع غزة، أسبوع يتم الإضراب فيه في المدارس والجامعات والأسواق والقطارات والمطارات والموانئ والمستشفيات. أسبوع واحد من اليابان إلى كندا ومن نيوزيلندا إلى جنوب أفريقيا، قد يكفي لإيقاظ العالم وإشعار زعماء الدول والحكومات أن حرب الإبادة الجماعية التي تجري في فلسطين، هي حرب إبادة ضد الإنسانية جمعاء.

  • الفعاليات

تنظيم فعاليات يومية وأسبوعية وشهرية، تعقد فيها مؤتمرات صحفية وندوات تعريفية ولقاءات توعوية، ومعارض تثقيفية وعروض توثيقية؛ تفضح همجية الكيان الصهيوني، وتكشف عن الوجه العنصري الدموي الذي يتستر خلفه منذ أكثر من مئة عام، وتكشف الأكاذيب التي يرددها صبح مساء حول الإرهاب الفلسطيني الذي يزعزع استقراره ويهدد شعبه، كما تكشف حجم الخطر الذي يشكله الكيان الصهيوني ضد النظام العالمي بسبب رفضه لقرارات الشرعية الدولية، وتمرده على مؤسسات المجتمع الدولي ووكالاته المختلفة، وتحذّر من خطر هذه السلوكيات الوحشية الهمجية على صورة اليهود في العالم. وتعرض في الوقت نفسه تفاصيل حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ خمسة أشهر، وتفاصيل المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في سائر الأرض المحتلة منذ فجر القضية لطمس هويته وسرقة تاريخه ومنعه من إقامة دولته وتحقيق آماله وتطلعاته. مع ضرورة دعوة المؤرخين والمفكرين والأكاديميين والمشاهير المستقلين والمسؤولين السابقين الذين لا يجدون حظاً في وسائل الإعلام للمشاركة في هذه الفعاليات.

  • الدعم المباشر

جمع التبرعات للمساهمة في الدعم الإنساني غير الرسمي، وتنظيم وفود متخصصة في الإغاثة والصحة والإعلام والقانون وغيرها، وتسيير سفن مباشرة إلى قطاع غزة عن طريق البحر أو جواً وبراً عن طريق مصر، لتعويض العجز الإقليمي والدولي، والوقوف على حقيقة ما يجري وتوثيقه عن قرب ونقله للعالم.

لا يقف الأمر عند هذه الأنشطة، فالأمر متروك للجهات المنظمة والمؤسسات المعنية والنخب الحيوية؛ للنظر في هذه الأنشطة والفعاليات وغيرها مما يساهم في الاستفادة من الزخم الجماهيري العالمي الداعم للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وزيادة التأثير والضغط على الولايات المتحدة لإنهاء الإبادة الجماعية والوقف الفوري الدائم لإطلاق النار، والضغط على المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لتحقيق مطالبه الوطنية المشروعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.