شعار قسم مدونات

اتبعوا ملتهم.. ليرضوا عنكم!

في يومها الـ100.. ما أبرز محطات الحرب الإسرائيلية على غزة؟
عند انبلاج الفجر الذي لم يختلف عن ليل مثخن بالألم ورائحة الدم ففيه لم تعد رائحة الخبز بل رائحة البارود وشظايا القذائف (الجزيرة)

ذات صباح وعند انبلاج الفجر الذي لم يختلف عن ليل مثخن بالألم ورائحة الدم، ففيه لم تعد رائحة الخبز -الذي لم يعد موجودا- ذاتها قبل تلك السنين العجاف بل خالطتها رائحة البارود وشظايا القذائف، لأن الموقد لم يعد يشتعل بالحطب أو الغاز، وإنما اصطلى بجذوة من لهيب المعارك وقاذفات الفسفور الأبيض وجملة من الأسلحة المحرمة دوليا والموجهة مع سبق الإصرار والترصد، وسط رقصات المجتمع الدولي الذي تمرغ "بالفيتو" وذرت القوى الكبرى الرماد في العيون وفق "مسرحية هزلية" قدمتها رموز مهطعة خاضعة بأفئدة هواء، أدت ما فرض عليها بمقياس المسافة "صفر".

لا أستطيع بيع قدم مربع واحد من فلسطين، فهي إرث المسلمين، ولن أفرط بها لقاء ذهب العالم، فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا قُسمت الإمبراطورية فقد يتمكن اليهود من الحصول عليها مجانا ولكن فوق أجسادنا

  • السلطان عبد الحميد الثاني

لم تعد الرموز العربية والإسلامية في العصر الحديث وفق الدارج "الهزلي" رموزا تاريخية أو حضارية يشار إليها بالبنان، خاصة إذا كانت المعايير تدور حول تسجيل موقف إسلامي في خضم المواقف الدولية التي تدعم "إرهاب الدول العظمى"، وفق توجه عقائدي يستهدف تقويض السلام والإسلام، على نهج شريعة الغاب، لذلك تعجبك أجسامهم وإن قالوا تسمع لقولهم فهم الخُشُب المسندة، والصور التي لا أحلام لها فهم أقرب للأشباح التي لا منطق ولا عقل لها، فكانوا أعين للأعداء وبؤس على أصحاب الحق، لأنهم ساهموا ووجهوا قدراتهم المادية نحو تغييب المعتقد الجمعي تجاه قضية نكون أو لا نكون، في وطن لا تحده حدود التقسيم ولا يحتاج إلى جواز للعبور، فكل بقعة تعلو فيها كلمة الله هي الوطن الذي وجب الدفاع عن حياضه.

بعد ما يزيد عن 1400 عام يعود "سامري" العصر الحديث في حلة توّرث التخبط وتستبيح "الحرمات"، إذ يقف بكل بجاحه ليعيد "العجل" بخواره، فينصبه ملاذا لعبدة الطاغوت تحت ذريعة قبول الآخر وردم هوة الخلاف والتعايش، وتعزيز الأخوة الإنسانية، التي نبرأ منها كبراءة الذئب من دم يوسف، وما ذلك إلا امتدادا لمخطط يستهدف عقيدتنا الإسلامية، التي يراد لها أن تكون جسدا سقيما مشتتا مقسما ومجزأ تشوبه النزاعات والخلافات، وتستباح فيه الإنسانية وتتغير فيه التوجهات العقدية، من خلال إنتاج أجيال تعيش وفق ولاء "السامري" وتتبنى خدعة السلام التي جنحوا لها، وهي لا تبتعد عن مسار المؤامرة المرسومة والنوايا الموسومة بالتسامح حسبما يعتقدون ويؤمنون.

ولمقاربة تاريخية بين ما يحدث الآن وما حدث سابقا مع محاولات "هرتزل" التي لم تأخذ حيزها عندما كان عرض البيع ماليا وواضحا على السلطان عبد الحميد الذي قال آنذاك: "لا أستطيع بيع قدم مربع واحد من فلسطين، فهي إرث المسلمين، ولن أفرط بها لقاء ذهب العالم، فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا قُسمت الإمبراطورية فقد يتمكن اليهود من الحصول عليها مجانا ولكن فوق أجسادنا"، تلك هي الرموز التي وعلى الرغم من دخول الدولة العثمانية في مرحلة "الرجل المريض" إلا أن ذلك لم يحول من التمسك بشبر واحد، لأن الأرض إرث إسلامي، وليس صفقة اقتصادية يمكن أن تجعل الدولة الفقيرة غنية، وترفع من شأن السلاطين لاستدامة المنصب، وإنما كان تمسكهم ينطلق من العقيدة الإسلامية بعيدا عن إسقاطات السيطرة المغلفة بالتعايش الذي خيل لرموزنا بأنها إنسانية.

مرارة ذلك وعد بلفور وتقسيمات سايكس بيكو ومعاهدات واتفاقيات أخرى على شاكلتها وصولا إلى "صفقة القرن" توضح مدى الانهزامية والتهاون في فرض سيطرة أصحاب الأرض، فلم يكن للرموز حضور في كثير من تفاصيلها أو حتى تسجيلا لموقف يتحدث عنه التاريخ

ومع تفعيل وعد "بلفور" الذي كان مجحفا وفيه من الإذعان والترصد الكثير، وطمس لحقوق المسلمين التي لم تكن مأخوذة في حسبان ذلك الاتفاق، فإن الهدف استعماري بحت، والتوجه يفوح منه الشر والخبث بانتزاع الأرض من أصحابها ومنحها لمن لا يستحقها لتوليد صراع دموي تغيرت فيه التوجهات وبانت النوايا التي انتهكت فيها الأخلاق ومُزقت الإنسانية فلم ولن تنطلي علينا تلك الرسائل والتصرفات التي يقوم بها رموز العصر الموجهة، إن كانوا فعلا رموزا أوكلت إليها مهمة خدمة العامة والحرص على متطلباتها، إلا أن التناقض الفج سمة عصرية وخيانة ممتدة، وها هو التاريخ يعيد نفسه مع فوارق بسيطة في مفاهيم ومصطلحات الحدود الوضعية التي لم تأخذ بوصية "سابع جار" أو الجار بالجنب.

إن مرارة ذلك الوعد وتقسيمات سايكس بيكو ومعاهدات واتفاقيات أخرى على شاكلتها وصولا إلى "صفقة القرن" توضح مدى الانهزامية والتهاون في فرض سيطرة أصحاب الأرض، فلم يكن للرموز حضور في كثير من تفاصيلها أو حتى تسجيلا لموقف يتحدث عنه التاريخ، وإنما ترك الحبل على الغارب بحكم "الاهتمامات الداخلية"، وتقويض حركات التحرر ضد المد الصهيوني المدعوم عالميا والمسكوت عنه تواطئا عربيا وإسلاميا، وما هو إلا استمرارا لمأساة القرن، وهي الكارثة التي وصفها "اللورد إيسلنغتن" وجاءت في كتاب أطلس فلسطين 1917 ـ 1966 لـ سلمان حسين أبو ستة، حيث قال اللورد: "إن خطة استجلاب شعب غريب وتوطينه وسط شعب يقطن أرضه تتعارض وجميع توجهات العصر.. إنها بمثابة الدعوة لكارثة محققة، بالمعنى الحرفي للكلمة".

إن التباين الصارخ الذي تمارسه القوى العظمى بين طرفي الصراع لا يبتعد أن يكون تسويفا يدفع رموزنا إلى الإيمان بالأمل المفقود الذي يدور حول "التعايش" عندما تكون المسألة انهزامية وفق دلالات السيطرة التي لم تكن خافية في كثير من التصريحات بأنها حرب دينية بفكر رأسمالي، يكون المال هو الموجه دون مراعاة للأخلاق، وهذا كله يهدف إلى تقويض مد السلام والإسلام، لذلك كانت القوى التي نصبت نفسها بضعفنا لاعب كبير على الحبلين تحقيقا لأهداف الصهيونية اللإنسانية، وما ذلك ببعيد عما كان يفعله "وايزمان" عندما كان يعمل وفق جبهتين سياسيتين، فلكل طرف تعامل وتغذية فكرية مختلفة فقد كان يؤكد لأصحاب الأرض بأن: "المصالح مصانة وأن  شعرة واحدة على رأس عربي لا تمس.. وليس هدفنا أن نقتلع أي شخص من أملاكه" وهي نفس الوعود التي انشغل بها "رموزنا" حتى يومنا هذا حيث الأمل يدور بأن التعايش السلمي سيكون ذا فائدة عبر تفعيل ثروات اليهود التي ستبني لهم مدنهم وتمد في فترات ثباتهم.

لم تقوى الرموز أن تنبس ببنت شفتها إلا أنه وبعد أكثر من 100 يوم تتغير المشاهد من خلال رموز وشركاء عرفوا تصنيف الإبادة الجماعية بسبب عرقي أو ديني فطرحوها علنا في قاعة محكمة العدل الدولية

في المقابل وفي الغرف المظلمة كانت الخطط تبنى على "أن العربي لا يؤمن جانبه.. وهو جشع ومهمل ومخادع"، وهذا لا يختلف عما يحدث حاليا مع انكشاف سافر لكثير من التصريحات الغربية في تقديم دعمها بشكل لافت، وتطور الخطاب الغربي تجاه الصراع يشير إلى وضوح النوايا التي لم تكن مخفية ولا تستخدم فلسفة التعايش وإنما الاصطفاف لحماية رأس الأفعى، ومقدار الرضى الذي تطمح له الحركة اليهودية أن يتبع ملتها لفرض سيطرتها من النيل إلى الفرات وهو ما يتفق فيه النصارى، وهذا ما توضحه الأحداث بشكل جلي "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير" (البقرة: 120).

ثمانية عقود وهم يدارون رأس الأفعى بستار أميركي غربي يرتكب المجازر واحدة تلو الأخرى، ولم تقوى الرموز أن تنبس ببنت شفتها إلا أنه وبعد أكثر من 100 يوم تتغير المشاهد من خلال رموز وشركاء عرفوا تصنيف الإبادة الجماعية بسبب عرقي أو ديني فطرحوها علنا في قاعة محكمة العدل الدولية، من خلال وقائع وعلامات أطلقها المتبجحون الصهاينة بأنهم ماضون في الطمس والتهجير لسكان قطاع غزة ونزع عنهم صفة البشرية "نحن نقاتل حيوانات بشرية" مع تكثيف الحصار القاتل، ناهيك عن أن معادلة الثبات والمبادئ التي أظهرت رموز الواقع والحق كانت شرارة قوية لا تقل عما نقله التاريخ من بطولات "صلاح الدين الأيوبي"، ولا تحيد عن جادة الصواب بأن الحق لا ينتزع إلا بالقوة، وهي القوة التي أصابتهم في مقتل لم يكن متوقعا، فهل سيكون للمحكمة صوتا لوقف تلك المجازر؟

تلك الظروف مجتمعه تشير إلى أن ولادة الرمز الإسلامي لا تحتاج إلى شهادات من أعرق الجامعات أو وصايا غربية تراعي مصالحهم، وإنما مبدأ تربى وتخرج من بين ثنايا  الكتاب المسطور وتطابقه مع الكتاب المنظور بدقة متناهية، فالأمة الإسلامية تعرف أبطالها الحقيقيون الذين ساروا على نهج الصحابة في الكر والفر، والذين لم يتبعوا إلا ملة واحدة "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" ]آل عمران: 19[.

في عام 1921 ونستون تشرتشل يجيب الوفد الفلسطيني الرفيع في القدس عشية مطالبته بتمثيل الشعب الفلسطيني تمثيلا ديموقراطيا: "سنطور المؤسسات الديموقراطية خطوة خطوة وسيؤدي ذلك إلى حكومة كاملة الاستقلال ولكن هذا لن يتم قبل وفاة أولاد أولادكم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.