شعار قسم مدونات

سامر أبو دقة.. ما أصعب الطريق ما أعذب النهاية

سامر أبو دقة
الشهيد الزميل المصور سامر أبو دقة (الجزيرة)

يتكرر الاستهداف، لكنه يصر، يدرك أنه في عين الخطر، لكنه يواصل، قرار واضح، ومسار محدد، يدرك الاحتمالات كافة، يكابد الشوق للأطفال، والأسرة، ربما يتذكر أشياء كثيرة، لكنه يدرك أن الرسالة تقتضي هذا.

سبقه آخرون على الطريق ذاته، آخرهم أسرة صديقه الدحدوح، هو نفسه أصيب قبل ذلك، ولكنه لم يبال، وواصل، ربما نجا من الانتقال لدار الحق في تلك المرحلة، لكن الحق أحق أن يتبع، والحق أحق أن ينصر، ولو بكلمة أو بصورة أو بتعليق.

هكذا هو المسار، الذي يستحق أن يكابد لأجله، وأن يتحمل اشتياق أبناءه له، واشتياقه لهم، ربما يتذكر تفاصيل اليوم القديم قبل أن يفارقهم، وجلساته معهم، نموهم قربه، تفاصيل الأسرة الصغيرة اليومية

يجب أن يعرف الناس ما يجري، صبر على هذا المسار الطويل، واحتمله، وكابد لأجله، يجب أن يعرف الناس ما يجري في الزيتون، والشجاعية، والرمال، والهوا، وغيرها، يجب أن يدركوا أن ثمة شعبا يريد حقه، وحريته، وكرامته.

واليوم لعل عزاء سامر وهو يغادر تلك المظاهرات التي تهدر في البلدان البعيدة زرقاء العيون شقراء الشعور، والتي يصدح الكل فيها بحق الناس في الحرية، والكرامة، والعيش تحت الشمس، هذا هو ما كان يريد سامر أبو دقة أن تحدثه رسائله الصحفية هو والدحدوح وبقية الفريق في غزة وعموم فلسطين مكتب القدس وبقية المكاتب، وهي في الحقيقة ليست إلا أماكن لإخراج الحقيقة الميدانية، فالصحافة لا تعرف المكاتب أصلا.

هكذا هو المسار، الذي يستحق أن يكابد لأجله، وأن يتحمل اشتياق أبناءه له، واشتياقه لهم، ربما يتذكر تفاصيل اليوم القديم قبل أن يفارقهم، وجلساته معهم، نموهم قربه، تفاصيل الأسرة الصغيرة اليومية، لكنه يعرف أن كل هذا هين أمام تفاصيل تتصل بقيمة الحياة الحقيقية، التي تجعل كل هذه اليوميات أمور هامشية إذا ما قورنت بواقع الناس وحجم الرسالة المطلوبة لإيصال الحقيقة للعالم.

ما قدمه سامر أبو دقة من جانب آخر كان مثالا رفيعا في التجرد، فلا يبالي بالمنصب، ولا المسمى بل تعنيه الرسالة التي يؤديها، والغاية التي يعنيها، والقضية التي يعمل لأجلها، ومن هنا فلنا الحديث عن إنسان الواجب المنتمي لقضيته الذي يؤدي ما عليه

سامر أبو دقة رأى بعينيه كيف يفقد كثيرون عوائلهم بأكملها، ويجب أن يعرف العالم هذا، يرى بعينيه كيف محيت عائلات ممتدة بأجيالها الثلاثة الجد والأب أو الأم والأبناء بل وأبناء الأبناء أيضا قد  محيت من السجل المدني، ومربعات سكنية، أصبحت قاعا صفصفا بمختلف الذرائع، وأن مجتمعا كاملا يواجه احتمال التفكك التام تمهيدا لالتهامه لقمة سائغة، لكنه يعرف، ويمضي وفقا لما يعرف، حيث يكفيه يقينه ليواصل، وهو يدرك أن المهمة تستحق هذا الثمن الغالي المبذول فيها.

ما قدمه سامر أبو دقة من جانب آخر كان مثالا رفيعا في التجرد، فلا يبالي بالمنصب، ولا المسمى بل تعنيه الرسالة التي يؤديها، والغاية التي يعنيها، والقضية التي يعمل لأجلها، ومن هنا فلنا الحديث عن إنسان الواجب المنتمي لقضيته الذي يؤدي ما عليه، ولا ينتظر الشهرة، بل يرجو ما فوقها بكثير، ولكل نيته، فليس مهما على أي ثغرة تقف المهم على أي مبدأ تقف ثم ليكن موقعك ما يكون، ما دمت تؤدي الواجب وتعمل فيه بما تستطيع.

أما وائل الدحدوح الذي رددها سابقا: معليش..، فيدرك جيدا أنه قد يكون القادم، ويعرف وهو الذي فضل العودة للعمل في اليوم التالي لمصابه أنه قد يلحق بعائلته، ومع ذلك يواصل بلا يأس، ولا انتحارية بل باستشهادية كاملة طريقه.

ثمة فرق بين الانتحارية، والاستشهادية هذه حقيقة، فأن تمضي يائسا نحو الموت فهذا انتحار، أما أن تمضي عازما ممتلئا بالرغبة في الفعل، والمواصلة في العطاء، والبذل فهذا استشهاد، لهذا قد ينال الشهادة من يموت على فراشه، لأنه واصل الحياة، وعرف كيف يعيشها، وكيف يتعامل معها، وكيف يفهمها، ويدرك أن له رسالة فيها.

ويمضي قدما، فالحق يحب الحق، ومن يتبع الحق، والحق أحق أن يتبع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.