شعار قسم مدونات

غزة وحلف الفضول العالمي!

تظاهر الآلاف في العاصمة السويدية للتنديد بقصف غزة المتواصل حاملين الأعلام الفلسطينية (وكالة الأناضول)

غزة التي هزت الدنيا وحركت تظاهرات تجاوزت التوقعات، ظلت قضيتها سنين طوالا تطرق الأبواب، وتطارد الحلول، لكن النهر لا يستسلم بل يفتح مسارات جديدة دائما، وهذا ما حدث أخيرا، لكنه يستدعي التفكير في أمر أبعد مدى..

  • ولنعد لما قبل 1500 عام وزيادة..

حلف الفضول بمنع التظالم تجربة جاهلية أشاد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكد في صحيح الأحاديث أنه لو دعي به لأجاب حتى بعد الإسلام، فهل نحن بحاجة لحلف فضول عالمي جديد؟

المظاهرات التي انبعثت في أوروبا وأمريكا خلافا لتصورنا، وتجاوزا لسقف طموحاتنا كان دافعها في الحقيقة الإنسانية، وإدراك أن حق الحياة، والكرامة الإنسانية الأصلية أمور مهمة ينبغي البدء بها لتكريس المعنى الحقوقي، والدفاع عنه بما يكفل تحفيز المشترك الإنساني

قد يسهل القول حقا إننا بحاجة لهذا النوع من التحالف العابر للثقافات والحضارات، والمتفق على أطر معينة يمكن الاشتغال عليها، وبها، ويبقى التساؤل المهم الذي نحتاجه ليس متصلا بمدى الحاجة لهذا الحلف فالحاجة له أظهر من النقاش، ولكن ما الأطر الناظمة؟ وما الأفكار المحفزة؟ وما القيم الجامعة؟ وكيف نؤسس له، فيما يغيب عن ذهن بعض أبناء حضارتنا معنى الكرامة الأصلية، وفي الوقت ذاته، ويعاني أبناء الحضارات الأخرى غياب المعرفة بالقيم الأصيلة.

وعلاوة على ما سبق فإن تعريف القيم، ودلالاتها قد يوقع في شيء من الالتباس، والتداخل بل قد يفضي للتخبط أحيانا، ولكن دعونا نفكر بصوت مسموع ربما يطرق صوتنا الأبواب الموصدة، ويصوغ فكرة جديدة ننتظرها تعيد القسط للناس.

فالمظاهرات التي انبعثت في أوروبا وأمريكا خلافا لتصورنا، وتجاوزا لسقف طموحاتنا كان دافعها في الحقيقة الإنسانية، وإدراك أن حق الحياة، والكرامة الإنسانية الأصلية أمور مهمة ينبغي البدء بها لتكريس المعنى الحقوقي، والدفاع عنه بما يكفل تحفيز المشترك الإنساني، والتعارف الذي ندب إليه الكتاب العزيز، ولا يمنع ذلك من بقاء التمايزات القيمية داخل كل إطار حضاري مبني على الدين، والثقافة، واطراد العادة، والعرف، فلا يمكن جمع الناس، وجعلهم أمة واحدة بل تلك إرادة القدير أن يخلقهم مختلفين، ولذلك خلقهم، وقد قيل في تفسير آية سورة هود عليه السلام: (ولا يزالون مختلفين) وما تلاها من آيات بأن الله خلق الناس ليختلفوا، وليختاروا الحق من الباطل اعتقادا، وعملا، فيجازيهم.

ولهذا فمن المهم تذكر أن المشترك الإنساني الذي فطر الله الناس عليه، وأوجده مكرسا في نفوسهم يسوقهم للحق، ويدفعهم للعمل الجاد، ويشعرهم بلذة من نوع ما، تقترب من تلك اللذة الروحية، والتي تمنح الإنسان راحة في قلق الحياة، ونزقها.

والحقيقة أننا هنا لا نتحدث عن نمط من جماعات القداسة الحداثية التي تبحث عن الحق والنسبية، والخلاص الأخروي الديني في الممارسة القيمية الإنسانية، لكننا نبحث عن سبل التعايش بيننا على الأرض، وأن يبقى لكل شرعته، ومنهاجه موقنين أن شرعتنا الخاتمة هي سبيل الحق، والنجاة والسعادة الدنيوية والأخروية.

إن حلفا كهذا لا يعمل بالأحلام، بل بتضافر الجهود، وتكاتف المساعي، وحركة الشعوب الواعية، ونهضة قادة الرأي المجدين، وقدرتهم على التفاعل مع الواقع، والوصول بالنتائج لآفاقها..

ولكن هذا الحلف حلف الفضول، ينبغي أن يبدأ حركة جماعية شعبية، تدافع عن كل مظلوم، ومضطهد، وتناقض -ولا تدمر أو تخرب- المصالح الاقتصادية التي تفضي لظلم، أو تظالم، وتسير بهدى قيم الفطرة، والسلوك القويم، وتحفز على احترام الآخر، وعدم قهره، ومحاولة التعايش معه.

وينبغي كذلك أن يتفق على قيمة الدفاع عن الكرامة الإنسانية الأصلية، والحقوق المكسوبة بناء عليها، والسعي في ذلك، وأن تتضافر الجهود في سبيل رفعة شأن الإنسان، كما ينبغي عدم توقع انتظام تلك الحركة في شكل تنظيمي مؤسسي بل على العكس من الخير لها أن تبقى تيارا شعبيا يفرخ أنواعا مختلفة من الأعمال الأدبية، والفنية، والفلسفية، ويتفاعل مع خبرات الحياة المختلفة، وتطوراتها المتنوعة بما يضمن، ويكفل للنوع الإنساني سعادة أرضية، من يدري ربما تكون باب الكثيرين للسعادة السماوية إن أدركوا عظمة ما لدينا من روح وقانون.

وينبغي الالتفات هنا إلى أن هذا الحراك ينبغي له كذلك أن يحترم التنوع، والاختلاف، وأنماط التعبير المختلفة عن قيم الفطرة، وأن يحرص كل الحرص على تحديد القيم التي يشتغل عليها، وبها، ويجتهد في دعمها، وفي الوقت ذاته أن لا يعني على الإطلاق هدم الدول، أو المؤسسات، أو ممارسة العنف، أو القسر، أو القهر، بل الأصل فيه التركيز على السلام، والحقوق، والعدالة الاجتماعية.

إن حلفا كهذا لا يعمل بالأحلام، بل بتضافر الجهود، وتكاتف المساعي، وحركة الشعوب الواعية، ونهضة قادة الرأي المجدين، وقدرتهم على التفاعل مع الواقع، والوصول بالنتائج لآفاقها..

وللحديث بقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.