شعار قسم مدونات

الهدنة الغزية.. أسئلة المقبل

لتجنب خسائر فادحة بالمدرعات والدبابات الحديثة والمتطورة الجيش الإسرائيلي يعيد إلى الخدمة الدبابات القديمة ويستعين بها في ظل المعارك المحتدمة بغزة
الهدنة فرصة لالتقاط الأنفاس وإلزام إسرائيل بالاعتراف بحماس طرفا يجري التفاوض معه (الجزيرة)

لا شك أن الهدنة الغزية تمثل ضوءا في آخر النفق، فعلى الأقل ثبت أن الانتقام لم يعد مجديا، فجرح إسرائيل العميق المسمى السابع من أكتوبر سيبقى هاجسا عالقا لا يزول، وسيبتلع نتنياهو، لهذا فهذه الهدنة نصر للمقاومة له استحقاقه، وهزيمة للاحتلال رغم كل ما فعل، ولننظر معا في الحسابات.

 

عمر نتنياهو السياسي انتهى عمليا، والأسباب تعود لعوامل مختلفة فبطء استجابته ووقوعه تحت تأثير الصدمة، وبطء استجابة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية

بحسابات المقبل في إسرائيل فإن حكومة نتنياهو وصلت مرحلة الشجار العلني، ويكفي أن الحكومة الإسرائيلية لم تعقد مؤتمرا صحفيا مشتركا بل بدا جليا أن غالانت في واد، ونتنياهو في واد، والشاباك والشين بيت في واديين منفصلين آخرين تماما، وعدم التنسيق بينهم واضح تماما، كما أن الخطط العسكرية الإسرائيلية ليس فيها ابتكار جديد خارج الصندوق، بل إنها تعيد إنتاج الخطط التي يعرفها الفلسطينيون في غزة على الأقل منذ 14 سنة مضت.

عمر نتنياهو السياسي انتهى عمليا، والأسباب تعود لعوامل مختلفة فبطء استجابته ووقوعه تحت تأثير الصدمة، وبطء استجابة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ناهيك عن عدم التنبؤ أو على الأقل عدم الاستعداد للعملية التي قامت بها حماس.

ومما يعجل بإنهاء عمره السياسي كذلك ما يتعلق بالاضطرابات التي خلقها طوال الفترة الماضية عبر مشكلة الإصلاحات القضائية التي طرحها، وأثارت بلبلة شديدة في المجتمع، وشلت أجهزة الدولة المختلفة قبيل السابع من أكتوبر، تشرين الأول.

كما أن تصريحات ابنه، وتصريحاته هو نفسه التي هاجم فيها الأمن، والجيش، واضطر لحذفها لاحقا أدت لإظهاره بمظهر المرتبك غير القادر على الإمساك بزمام القرار.

من ناحية أخرى، يبدو جليا أن تحالفه كله في خطر، وسيتأثر مستقبل غالانت، وبن غفير، وسموتريتش أيضا بالزلزال الغزي المسمى بزلزال السابع من أكتوبر، ولا يمكن تجاهل حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي نفسه يتساءل عن جدوى الدولة ذاتها.

الهدنة تفتح خريطة طريق جديدة مليئة بتفاوضات متتالية، ومتتابعة، وهو ما يعني إحداث تحولات في المجتمع الغزي من ناحية أخرى، فمشكلة الخسائر المادية، وانهيار البنية التحتية، وعدد الشهداء الذي تجاوز 13 ألف شخص مدني، كلها تحتاج عملا طويلا لا يتصور أن يبدأ اليوم أو غدا.

بالنسبة لحماس فإن الهدنة فرصة لالتقاط الأنفاس، وإلزام إسرائيل بالاعتراف بحماس طرفا يجري التفاوض معه، ويمكن لهذا الطرف إلزام إسرائيل بالتنازل عن الخطوط العليا، والشروط المرتفعة السقف، بل وإعادتهم لخانة اليك.

كما أن الهدنة مشروطة مقيدة، وليست تسليما مطلقا، والأهم أنها مبنية على مبادلة الأسرى الذين يشكلون عبئا على حماس بالأسرى المهمين للكرامة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته، فإن هذا التبادل فضيحة لإسرائيل فأمام العالم إسرائيل تقتل الأطفال، وإسرائيل تعتقلهم أيضا.

ومن المهم التأكيد هنا على أن الهدنة تفتح خريطة طريق جديدة مليئة بتفاوضات متتالية، ومتتابعة، وهو ما يعني إحداث تحولات في المجتمع الغزي من ناحية أخرى، فمشكلة الخسائر المادية، وانهيار البنية التحتية، وعدد الشهداء الذي تجاوز 13 ألف شخص مدني، كلها تحتاج عملا طويلا لا يتصور أن يبدأ اليوم أو غدا.

فمسلسل الهدن إذا بدأ سيجعل الحياة في غزة متوقفة، وقد يفتح بابا لأعمال جانبية مبنية على جهود الإعمار والأعمال اللاحقة لها، ولهذا فمن المهم التنبه لكون المجتمع الغزي نفسه لم يمر بمحنة مشابهة لهذه، وسيحتاج جهدا طويلا لاستعادة العافية النفسية، والمجتمعية، وإذا سلمنا بأنه مجتمع حرب إلا أن هذه الضربات كانت الأشد، وعلينا الإقرار بذلك.

ولهذا كله فالهدنة نصر له استحقاقه، وعلى حماس الاستثمار في هذا الاستحقاق بحيث ينبغي عليها عدم الاغترار بهذا الانتصار، والتعامل بموضوعية مع الوقائع القائمة، فإسرائيل ستحاول اختراق المقاومة هذا إذا كانت استعادت وعيها، وستجتهد في أن تكشف ما تخفيه هذه المقاومة التي فاجأت الجميع بلا استثناء.

ومن الأمور المهمة أن تحاول حماس التخطيط طويل المدى للتنسيق مع الضفة بصورة أو بأخرى، وذلك مع مراعاة واقع الضفة الأكثر تعقيدا في الحقيقة لعوامل اجتماعية، واقتصادية مختلفة.

الهدنة نصر مرحلي له استحقاقه.. وعند الطرف الآخر هزيمة مذلة.. وغصة نأمل دوامها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.