شعار قسم مدونات

غلاف غزة هل هو مشكلة العقد الثامن حقا؟

عندما يكون الأمر مرتبطا بالأقصى نتذكره وننسى كل ما عداه (الجزيرة)

أكملت إسرائيل 75 عاما، لدرجة أن ذكرى النكبة نفسها صارت تمر بلا ضجيج تقريبا، كيف لي مثلا تذكر النكبة، وأنا أرى الخرطوم أصلا تحترق، والعيلفون بالأمس تنهب، ويتعرض سكانها ومجتمعها الذي يكمل قرنه السادس اليوم للنهب، والترويع الممنهج.

لكن عندما يكون الأمر مرتبطا بالأقصى، نتذكره، وننسى كل ما عداه، ثبت فعليا أنها قضيتنا الأولى التي لم تفلح الانفجارات الأخرى في جعلنا نتجاهلها، وعلينا التذكير بأن الصراعات الوجودية أطول نفسا من العمليات الجزئية، والتكتيكية، بل والاستراتيجية.

حالة تجاوز الأزمة الداخلية بتزايد اقتحام الأقصى، وتعزيز الاستيطان، وحالة اقتحام الأقصى هذه المرة كانت مزعجة صاحبها التعدي على المقدسات، والمصاحف، وشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم

أكملت إسرائيل عقدها السابع مغرورة، لكنها ما إن ولجت الثامن حتى بدأت الأسئلة تكثر عن صمودها وبقائها، فنادرا ما استمرت سلالة يهودية في الحكم المستقل الناجح لما يزيد عن 80 عاما، ولكن القلق في الحقيقة هذه المرة يكمن من الداخل، فانقسامات إسرائيل الداخلية تظهر في إعادة الانتخابات لعدة مرات، والتجاذبات بين الكتل السياسية التي تمثل كتلا مجتمعية منفصلة، فلك أن تتصور أن التيارات الرئيسية: المتدينون، والإصلاحيون، والعلمانيون يحتوون في داخلهم تمايزات عديدة ما بين الأشكناز -يهود الغرب- والسفارديم -يهود العالم العربي بما فيهم يهود الأندلس قديما- وكل فئة من الفئتين تتضمن في داخلها انقسامات أخرى ثانوية، فالمتدينون يتوزعون على الأرثوذكس، والحريديم، والعلمانيون يتضمنون الليبراليين، واليساريون والإصلاحيون يقدمون حالة وسطية أميركية المنبع، وهكذا دواليك.

حالة تجاوز الأزمة الداخلية بتزايد اقتحام الأقصى، وتعزيز الاستيطان، وحالة اقتحام الأقصى هذه المرة كانت مزعجة صاحبها التعدي على المقدسات، والمصاحف، وشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل وشمل التعدي على الكنائس، والأديرة والقساوسة كذلك، فما الذي يحدث؟ ما هذا الهياج الهستيري الذي يصيب إسرائيل؟

نتنياهو بتحالفاته المرتبكة وإن كانت كلها يمينية، وضعف اتجاهات اليسار، واختفاء حزب العمل، وضعف حركات السلام كان طبيعيا، ويتسق مع بنية المجتمع، وفائض القوة الناتج عن هدوء التسعينيات، والرفاه الاقتصادي العام، الذي تواصل في العقد الأول من القرن الراهن، حيث أدى لحالة عامة من فائض الاستقرار والاطمئنان.

لا أعتقد أن الأقصى سيتحرر، ولا أن جيلي قد يتمكن من الصلاة فيه، لكن على الأقل سنخبر الأجيال اللاحقة أننا شهدنا بواكير ذلك الحراك، ونشهد نهوض الأمة ووجهتها نحو مقدساتها، والتفاتها إليها

  • ما الفرق بين مايو/أيار 2022، وأكتوبر/تشرين الأول 2023؟

العمل البري، التوغل، السيطرة التامة على 3 مستوطنات، والسيطرة الجزئية على 4 مستوطنات أخرى، كم المفقودين من الإسرائيليين، عدد القتلى، عدد الجرحى، الحالة العامة من الاستنفار، كلها مؤشرات على إشكالية داخلية في إسرائيل نفسها، في مايو/أيار 2022، ثار الداخل الفلسطيني، ودفع ثمنا غاليا لاحقا، في تلك المرة تحركت الصواريخ ووصلت لحيفا، وتحرك الداخل، وفرغت الرملة واللد لأول مرة من الجنود والشرطة، ولكن هذه المرة الحركة برية، والعمل مكثف، والتخطيط أطول نفسا.

لا أعتقد أن الأقصى سيتحرر، ولا أن جيلي قد يتمكن من الصلاة فيه، لكن على الأقل سنخبر الأجيال اللاحقة أننا شهدنا بواكير ذلك الحراك، ونشهد نهوض الأمة ووجهتها نحو مقدساتها، والتفاتها إليها.

رغم جرحي في العيلفون، وود عشانا، والخرطوم المثلثة، والأبيض، والفاشر، وكبكابية، وما شاكل.. لكن لا دواء ناجعا لكل تلك الجراح الفرعية إلا بمداواة جرحنا الأقدس: أقواس الأقصى، ونعيب الغربان عليها.

سيزول ذلك كله يوما، ونؤوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.