شعار قسم مدونات

لماذا فشلت أميركا في أفغانستان؟ (2)

blogs الجيش الأمريكي
الكثير من الأهداف التي حددتها المؤسسات الأميركية لتحقيقها في أفغانستان لم تتحقق (رويترز)

نستكمل في هذا المقال استعراض التقرير الذي أعدته وكالة "سيغار" الأميركية التي أنشأها الكونغرس الأميركي عام 2008 للقيام بعمليات التفتيش والتدقيق والتحقيق المتعلقة ببرامج وعمليات إعادة إعمار أفغانستان التي أنفقت عليها الولايات المتحدة ما يزيد على 146 مليار دولار منذ عام 2002 وحتى عام 2021.

هذا التقرير -الذي حمل عنوان "ما الذي نحتاج أن نتعلمه؟ الدروس المستفادة من 20 عاما من العمل في إعادة إعمار أفغانستان"- يكشف حجم التخبط والفشل والفوضى والفساد والارتباك الذي ساد العمليات التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة في أفغانستان على مدى 20 عاما، ويقدم للقيادة الأميركية الدروس المستفادة من هذه التجربة والمقترحات التي تجنبها تكرارها في المستقبل.

الكثير من الأهداف التي حددتها المؤسسات الأميركية لتحقيقها في أفغانستان لم تتحقق رغم المليارات التي أنفقت عليها والجهود التي بذلت فيها

أهداف لم تتحقق

الدروس السبعة المستفادة من هذه التجربة -حسب التقرير- والتي استعرضناها في المقال السابق تتلخص في ما يأتي:

  • كافحت حكومة الولايات المتحدة باستمرار لتطوير وتنفيذ إستراتيجية متماسكة لما تأمل تحقيقه.
  • قللت حكومة الولايات المتحدة باستمرار مقدار الوقت المطلوب لبرامج إعادة إعمار أفغانستان، ووضعت جداول زمنية غير واقعية، وتوقعات تعطي الأولوية للإنفاق بسرعة، مما زاد الفساد وقلل فعالية البرامج.
  • العديد من المؤسسات ومشاريع البنية التحتية التي بنتها الولايات المتحدة لم تكن مستدامة.
  • سياسات وممارسات الأفراد المدنيين والعسكريين التي تؤدي إلى نتائج عكسية أحبطت هذه الجهود.
  • استمرار انعدام الأمن أدى إلى تقويض خطير لجهود إعادة الإعمار.
  • لم تفهم حكومة الولايات المتحدة السياق الأفغاني وبالتالي فشلت في تكييف جهودها وفقا لذلك.
  • نادرا ما أجرت الوكالات الحكومية الأميركية عمليات رصد وتقييم كافية لفهم تأثير جهودها.

ونتيجة لذلك، أوضح التقرير أن الكثير من الأهداف التي حددتها المؤسسات الأميركية لتحقيقها في أفغانستان لم تتحقق رغم المليارات التي أنفقت عليها والجهود التي بذلت فيها، وهذه الأهداف هي:

  • تدريب وتجهيز ودفع رواتب مئات الآلاف من الجنود والشرطة الأفغان.
  • بناء عملية انتخابية ذات مصداقية عن طريق تمويل الانتخابات، وتنمية الأحزاب السياسية، وتدريب مسؤولي الانتخابات والمراقبين.
  • تثقيف المزيد من الأفغان -خاصة الفتيات والنساء- من خلال بناء المدارس وإصلاحها وتزويدها بالموظفين وتجهيزها.
  • إعادة دمج عشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين في المجتمع بمهارات أخرى قليلة.
  • تطوير القطاع الخاص عن طريق تدريب رواد الأعمال، وخفض تكاليف تأسيس الأعمال التجارية وإدارتها، وخلق بيئة من شأنها جذب الشركات الأجنبية والمحلية للعمل في أفغانستان.
  • الحد من الفساد المستشري في الحكومة الأفغانية لتحسين أدائها وشرعيتها.
  • الحد من زراعة وتجارة الأفيون وتوفير سبل عيش بديلة للمزارعين الأفغان.
  • تقديم الخدمات على المستوى المحلي بحيث يصبح الأفغان في الأراضي المتنازع عليها في جانب الحكومة الأفغانية ضد طالبان.
  • تحسين جودة الرعاية الصحية وإمكانية الوصول إليها عن طريق بناء المرافق الطبية وإصلاحها وتزويدها بالموظفين وتجهيزها.
  • تدريب وتمكين المسؤولين الأفغان على مواصلة الجهود المذكورة أعلاه بعد مغادرة الولايات المتحدة من خلال جمع عائداتهم وإدارة ميزانيتهم ​​الوطنية بشكل فعال.

ويذكر التقرير أن الكثير من هذه الأهداف قد تحققت، ولكن الكثير منها كذلك لم تتحقق، وإذا كان الهدف العام من إعادة الإعمار ترك بلد يمكنه الحفاظ على نفسه ويشكل تهديدا ضئيلا لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة فإن الصورة العامة قاتمة، فوفقا لمعظم القياسات ساء الوضع الأمني ​​بشكل تدريجي، حتى بعد أن أنفقت حكومة الولايات المتحدة أكثر من 83 مليار دولار على بناء قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية فإن طالبان ما زالت تسيطر على المزيد من الأراضي أكثر من أي وقت مضى، وتتزايد هجماتها الفعالة بشكل مطرد.

الحرب التالية

يطرح التقرير أسئلة مهمة حول قدرة الحكومة الأميركية على تنفيذ جهود إعادة الإعمار على النطاق الذي شوهد في أفغانستان، فبعد 13 عاما من الرقابة فإن القائمة التراكمية للتحديات النظامية التي رصدتها "سيغار" وهيئات الرقابة الأخرى في غاية الأهمية، حيث تفتقد الحكومة الأميركية إلى نموذج استقرار محدد يمكن تطبيقه لما بعد الصراع، على حد قول مستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي.

ويذكر التقرير أن هذا كان واضحا بنفس القدر بعد حرب فيتنام عندما كانت منهكة من الحرب، ولم يكن لديها الاستعداد للانخراط في صراع آخر مماثل، فقام الجيش الأميركي -على سبيل المثال- بحل معظم وحدات الشؤون المدنية النشطة، وتخفيض عدد الضباط من خبراء الجيش المختصين في العمليات السياسية والعسكرية، وابتعدت القوات الخاصة عن مكافحة التمرد، وركزت بدلا من ذلك على إجراء عمليات صغيرة النطاق لدعم القوات التقليدية، وتم تخفيض عدد موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يو إس إيه آي دي" (USAID) تدريجيا بنسبة 83%.

ووفقا للنائب الأسبق لرئيس أركان الجيش الجنرال جاك كين، فإن الجيش بعد حرب فيتنام قام بالتخلص من كل ما يتعلق بالحرب غير النظامية أو التمرد كرد فعل على كيفية خسارتنا تلك الحرب، وقد تبين له -بعد فوات الأوان- أنه كان قرارا خاطئا.

ومع ذلك، فإن عدم القيام بالاستعداد بعد فيتنام أدى إلى الدخول في الحرب في العراق وأفغانستان، والتي كان مؤكدا أنها ستصبح مستنقعات.

يقول وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس (2006-2011) "لقد لاحظت الكثير من الميل نحو ما يمكن تسميتها "الحرب التالية"، حيث يميل الكثيرون في مؤسسة الدفاع إلى تأييد ما قد يكون مطلوبا في صراع مستقبلي، وبشكل عام فإن أنواع القدرات التي سنحتاجها على الأرجح في السنوات المقبلة غالبا ما تشبه أنواع القدرات التي نحتاجها اليوم".

الانخراط في مثل هذه النزاعات عملية مكلفة للغاية، فقد بلغ إجمالي تكاليف الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وباكستان على مدى العقدين الماضيين نحو 6.4 تريليونات دولار

الاستعداد للتجارب القادمة

يعتقد التقرير أن تجربة ما بعد أفغانستان قد لا تكون مختلفة، ويرى أن هناك أسبابا عديدة تدعو الإدارة الأميركية إلى تطوير القدرات والاستعداد لمهام إعادة الإعمار في البلدان المتضررة من النزاعات، وعلى رأس هذه الأسباب:

  • أن الانخراط في مثل هذه النزاعات عملية مكلفة للغاية، فعلى سبيل المثال بلغ إجمالي تكاليف الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وباكستان على مدى العقدين الماضيين نحو 6.4 تريليونات دولار.
  • تسير عمليات إعادة الإعمار عادة بشكل سيئ.
  • الاعتراف الواسع النطاق بأنها تسير بشكل سيئ لم يمنع المسؤولين الأميركيين من الاستمرار فيها.
  • إعادة إعمار البلدان الغارقة في الصراع هو في الواقع مسعى مستمر للحكومة الأميركية في البلقان وهاييتي ومالي وبوركينا فاسو والصومال واليمن وأوكرانيا وأماكن أخرى.
  • عادة ما تبدأ حملات إعادة الإعمار الكبيرة على نطاق صغير، لذا لن يكون من المستبعد على حكومة الولايات المتحدة الانزلاق في هذا المنحدر مرة أخرى في مكان آخر، وأن تكون النتيجة مماثلة لما حدث في أفغانستان.

وفي ضوء ذلك، يقدم التقرير في الختام عددا من المقترحات التي تساعد الحكومة الأميركية على الاستفادة من التجارب السابقة وتجنب التعرض لتجارب جديدة مستقبلا يشكل فيها المتمردون تهديدا لمصالح الولايات المتحدة، وتتلخص هذه المقترحات فيما يأتي:

  • بناء المعرفة والقدرة اللازمتين للتعامل بشكل سريع مع المناطق التي ستقوم فيها بعمليات إعادة الإعمار، فقد ثبت -كما حدث في أفغانستان والعراق- أن التأخر في القيام بذلك أمر صعب ومكلف وعرضة للأخطاء التي يمكن تجنبها.
  • ضرورة إعداد التصورات المفاهيمية والإدارية واللوجستية لعمليات إعادة الإعمار واسعة النطاق، لزيادة فرص الحكومة الأميركية في النجاح في حملات المستقبل.
  • ضرورة قيام المكاتب الحكومية الأميركية الحالية بإنشاء قاعدة بيانات للموظفين المؤهلين للاستدعاء عند الضرورة، وبناء عقيدة مشتركة بين الوكالات لمساعدة قطاع الأمن، وإنشاء مكاتب لمكافحة الفساد داخل الوكالات الرئيسية.
  • على الوكالات الأميركية الاستمرار في استكشاف كيف يمكنها ضمان امتلاكها قدرات التخطيط الإستراتيجي وعقيدة إعادة الإعمار والسياسات وأفضل الممارسات وإجراءات التشغيل الموحدة والمعرفة المؤسسية وهياكل الموظفين اللازمة لبعثات إعادة الإعمار الكبيرة والصغيرة.

انتهى التقرير، ولكن القضايا والدلالات التي طرحها وأثارها لم تنته بعد فيما يخص المغامرات الفاشلة التي تقوم بها الإدارات الأميركية المتعاقبة والدول التي تغامر فيها والشعب الأميركي الذي يمول هذه المغامرات، وهو ما سنتناوله في المقال القادم بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.