شعار قسم مدونات

صحفيون في عين العاصفة

لجنة حماية الصحفيين: على الرئيس بايدن التحرك بسرعة وتكليف مكتب التحقيقات الفدرالي بالتحقيق في مقتل شيرين ابو عاقلة
مؤتمر صحفي عقدته عائلة الزميلة شيرين أبو عاقلة وحضره عدد من النواب الأميركيين وممثلو منظمة حماية الصحفيين (الجزيرة)

في مقال سابق في يونيو/حزيران الماضي كنا قد أوردنا الحجج التي يذكرها الفريق المعارض لمنح الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة وضعا خاصا من خلال معاهدة دولية لحمايتهم من المخاطر التي يتعرضون لها في أثناء تأدية عملهم. وقلنا إن من بين هذه الحجج خشية البعض من أن تتضمن مثل هذه المعاهدة قيودا يكون من شأنها الحد من حرية الصحافة، كما أن هناك دولا تخشى من أن يسيء بعض الصحفيين استغلال هذا الوضع الخاص للقيام بأنشطة ضارة بالأمن القومي للدولة.

أسباب ضرورة تحسين منظومة الحماية الخاصة للصحفيين

وفي هذا المقال نورد حجتين أساسيتين نرى أنهما تعززان -من وجهة نظرنا- مطالب الكثيرين بضرورة تحسين منظومة الحماية الخاصة بتلك الفئة من الصحفيين. وكان مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة على أيدي القوات الإسرائيلية في 11 مايو/أيار الماضي في أثناء تغطيتها أحداث مخيم جنين قد أعاد إلى الصدارة من جديد مسألة حماية الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة.

الحجة الأولى

هي تغير ظروف عمل تلك الفئة من الصحفيين نتيجة تنامي ظاهرة ما يسمى "الحروب غير التقليدية" التي ذابت فيها أو كادت أن تتلاشى خلالها حدود جبهات القتال، مما أدى إلى تزايد الصعوبات في التمييز بين المقاتلين والمدنيين وبالتالي تساقط المزيد من القتلى المدنيين -بمن فيهم الصحفيون- في أثناء الصراعات المسلحة. وفي ظل أجواء العمل هذه قد يسعى البعض -ممن يخشون ظهور الحقيقة وافتضاح جرائمهم- إلى الاستهداف المتعمد للصحفيين مثلما حدث على ما يبدو مع مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.

الحجة الثانية

هي تزايد أهمية عمل المراسلين الحربيين في عصر الأقمار الصناعية، فالأحداث أصبحت تنقل الآن لحظة وقوعها مباشرة إلى جميع أنحاء العالم. ولا شك أن وجود الصحفيين في مناطق القتال يساعد في كشف جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وتسهيل ملاحقة مرتكبيها أمام المحاكم الجنائية الوطنية وكذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي فإن وجود الصحفيين في هذه المناطق يساهم في الضغط على الأطراف المتحاربة لكي تلتزم بقواعد القانون الدولي الإنساني. ويتضمن هذا القانون مجموعة من القواعد التي تهدف إلى التخفيف من ويلات الحرب بالنسبة للأفراد والسكان المدنيين وضحايا الحروب. فهو يلزم الأطراف المتحاربة بضرورة التمييز في أثناء خوض العمليات الحربية بين المقاتلين وغير المقاتلين ويحرم استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، كما أنه يحرم استخدام وسائل وأسلحة معينة مثل الأسلحة البيولوجية والكيميائية وبطبيعة الحال الأسلحة النووية؛ وذلك لما تحدثه من دمار شامل.

ويتضمن القانون الدولي الإنساني كذلك مجموعة من القواعد التي تنظم التعامل مع الأسرى والتي من بينها النص على ضرورة معاملتهم بشكل يصون كرامتهم. وبالتالي فإن دور الصحافة الحرة المحايدة في كشف جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي قد يرتكبها أحد أو كلا طرفي الصراع المسلح؛ لا يقل في أهميته عن دور تلك الفئات مثل ممثلي الصليب الأحمر الدولي والعاملين في الخدمات الطبية والذين يتمتعون -وفق قواعد القانون الدولي الإنساني- بوضع وحماية خاصة. فدور الصحافة الحرة والمحايدة يصب أيضا في مصلحة ضحايا الحرب والمدنيين. وفي الواقع فإن الصحافة الحرة والمحايدة والتي لا ترتضي لنفسها أن تكون مجرد بوق دعاية كاذبة تنشر الكراهية وتروج للعدوان، والتي تتحرى الدقة في نقل الأخبار؛ تعد بمثابة عيون للعالم الخارجي في ميادين القتال والصراعات المسلحة. هذه الأهمية التي ينطوي عليها عمل الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة تبرر -من وجهة نظرنا- ضرورة تحسين المنظومة الخاصة بحمايتهم، فالقول إنهم أقدموا باختيارهم على تلك المخاطر المرتبطة بعملهم في مناطق الصراعات قول غير مقنع، وذلك لأن هناك مصلحة عامة كبيرة في عملهم هذا.

ضرورة تعديل نص المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف

ذكرنا في مقال سابق لنا في مايو/أيار الماضي أنه بالنظر إلى صعوبة التوافق على معاهدة دولية خاصة بالصحفيين؛ فربما يكون من الأيسر إدخال تعديل على نص المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف والذي صدر عام 1977، بحيث يتم النص صراحة على أن الهجوم المتعمد على الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة يعد جريمة حرب، وسيتم التحقيق فيها من خلال لجنة دولية محايدة يتم إنشاؤها خصيصا لهذا الغرض.

وعلى الرغم من أن أي استهداف للمدنيين -بمن فيهم الصحفيون- يعد وفق قواعد القانون الدولي الإنساني جريمة حرب، فإنه في حال النص الصريح على ذلك في المادة 79 من البروتوكول مثلما أقترح؛ سيشكل لا شك عامل ردع إضافي في حالة الصحفيين.

خلاصة

إن الأمر اللافت للنظر هو أنه في كثير من حالات الهجوم على الصحفيين ومؤسساتهم -مثلما حدث على سبيل المثال في واقعة الهجوم على مكتب قناة الجزيرة في كابل أثناء الحرب على أفغانستان عام 2001 أو في حالة الهجمات الأميركية الثلاثة على مكتب الجزيرة ومكتب تلفزيون أبو ظبي وعلى فندق فلسطين ببغداد في الثامن من أبريل/نيسان 2003 في أثناء حرب العراق- لم يتم إجراء تحقيق جدي أو إجراء أي تحقيق على الإطلاق. وينطبق الأمر نفسه على مسألة الهجوم الإسرائيلي على مقرات المؤسسات الإعلامية في برجي الشروق والجوهرة في غزة في 12 مايو/أيار 2021، وكذلك على قضية مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة على أيدي القوات الإسرائيلية، إذ لم يتم إجراء تحقيق من قبل السلطات الإسرائيلية يمكن وصفه بأنه شامل وشفاف.

وعليه فإن تعديل المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف على النحو الذي اقترحناه وإنشاء لجنة دولية محايدة للتحقيق في جرائم الحرب التي قد تستهدف الصحفيين؛ ربما يشكلان -في حال حصولهما- نقطة انطلاق حاسمة في توفير مزيد من الحماية للصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.