شعار قسم مدونات

لماذا يرفض البعض معاهدة دولية لحماية الصحفيين؟

من جلسة الأمم المتحدة
الأمم المتحدة شهدت نقاشات ومداولات بشأن حماية الصحفيين (الجزيرة)

الاعتداءات المتكررة على الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة، والتي كان آخرها اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم 11 مايو/أيار الماضي أثناء تغطيتها أحداث مخيم جنين، قد أعادت إلى الصدارة من جديد نداءات عديدة طالما سمعناها في أعقاب كل حادث أليم يلم بهم، تؤكد على ضرورة حمايتهم في ضوء دورهم الحيوي في كشف جرائم الحرب والاحتلال وإشباع شغف الجماهير في معرفة أخبار الحروب والنزاعات المسلحة. ولا شك في أن البعض منا قد يتساءل عن أسباب عدم القيام بمنح هذه الفئة من الصحفيين وضعا قانونيا خاصا يأخذ في الاعتبار طبيعة عملهم الذي يعرضهم لكثير من الأخطار التي قد تكلفهم حياتهم.

وكانت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بمسألة حرية الصحافة قد انتبهت إلى إشكالية حماية الصحفيين الذين يؤدون أعمالهم في إطار مهام خطيرة، ودار حول هذه المسألة جدل كبير لسنوات عدة. فلقد كانت هناك محاولات عديدة لمنح هذه الفئة من الصحفيين وضعا خاصا من خلال إبرام معاهدة دولية كإحدى الوسائل التي تم التفكير فيها لتحسين منظومة الحماية المتعلقة بالصحفيين، وقد أثنى البعض على هذه المحاولات، مؤكدين على وجود حاجة ماسة لتقديم حماية كافية لهذه الفئة من الصحفيين في ضوء المخاطر التي يتعرضون لها في سبيل البحث عن الحقيقة. بيد أنه كان هناك من ينتقد مثل هذه المحاولات التي تهدف إلى منح الصحفيين وضعا خاصا عن طريق معاهدة دولية.

وقد يستغرب المرء لمعرفة أن طائفة المنتقدين والرافضين لمثل هذه المقترحات تضم ليس فقط فقهاء قانون دولي أو ممثلين لبعض الحكومات التي لا ترغب في أن يكون للصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة وضع خاص يحميهم، بل إن هناك أيضا صحفيين يرون أن مثل هذا الوضع الخاص قد يجلب على الصحفيين من المتاعب أكثر مما يحقق لهم من المزايا.

وقد كانت لهذا الفريق من المعترضين حجج وآراء عبّروا عنها أثناء مناقشة هذه المقترحات.

ففي السبعينيات من القرن الماضي شهدت أروقة المنظمة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بأمور الثقافة والعلوم، المعروفة اختصارا باسم اليونسكو، مقترحات ومداولات عدة بخصوص حماية الصحفيين، كما كانت هناك محاولة لإبرام معاهدة من خلال الأمم المتحدة لحمايتهم. وكنتيجة للاختلافات الأيديولوجية التي ارتبطت بفترة الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشيوعي، واصطفاف بعض دول العالم الثالث إلى جانب هذا المعسكر أو ذاك، كانت تطفو دائما على السطح أثناء صياغة نصوص المعاهدة إشكالات عديدة تتعلق بالتوافق على أمور مثل واجبات الصحفيين ومسألة إدخال منظومة قواعد حول أخلاقيات المهنة.

وبعد طول مناقشات استمرت لفترة تربو على 5 سنوات، استقر الرأي آنذلك داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة على عدم جدوى فكرة إبرام معاهدة دولية خاصة بالصحفيين لأنها مسألة أثبتت المناقشات صعوبة التوصل إلى اتفاق مرض للجميع بشأنها. وبدلاً من ذلك قامت المنظمة الدولية بإحالة المسألة برمتها إلى المؤتمر الدبلوماسي في جنيف الذي كان معنيا في ذلك الوقت بعملية تطوير القانون الدولي الإنساني. وقد أثنت المنظمة آنذاك على الصيغة المقترحة للمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف، والذي تم التوقيع عليه عام 1977، واعتبرت الأمم المتحدة تلك المادة مخرجا مناسبا لإشكالية حماية الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة.

ويظهر نص معاهدة الأمم المتحدة الخاصة بالصحفيين كيف أن منحهم وضعا خاصا تم ربطه بتكليفات وواجبات عدة خشي البعض معها أن تصبح وسيلة لتقييد حرية الصحافة ووضع الصحفيين تحت رحمة سلطات الدول. فعلى الرغم من أن حرية التعبير وحرية الصحافة تعدان من الحقوق الأساسية للإنسان، فإن التطبيق العملي لهما يختلف من دولة إلى أخرى.

فلكي يتمتع الصحفيون بوضع خاص لابد من منحهم بطاقات هوية، ويخشى البعض أن تستغل السلطات في بعض الدول هذه المسألة عند منح أو تجديد تلك البطاقات للتحكم في الصحفيين. كما أن قائمة الواجبات الخاصة بالصحفيين التي كان منصوصا عليها في مسودة المعاهدة كانت تتضمن أيضا ألا يتدخل الصحفيون في الشؤون الداخلية للدولة. وهذه مسألة قد تتوسع بعض الدول في تفسيرها وتستعملها لتبرير إجراءاتها التعسفية أو الانتقامية ضد الصحفيين.

كما كانت هناك أيضا نقطة أخرى محل خلاف كبير ألا وهي مسألة الشعار الذي ينبغي للصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة أن يحملوه مثلهم في ذلك مثل ممثلي الصليب الأحمر الدولي ورجال الخدمات الطبية، حيث ينص القانون الدولي الإنساني على منحهم وضعا خاصا، وقد كانت هذه المسألة تحديدا محل جدل كبير أثناء مناقشة المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف.

وقد برر البعض رفضهم إضافة الصحفيين إلى تلك الفئات بخشيته أن يؤدي توسيع دائرة الأشخاص المتمتعين بوضع خاص يساعد في حمايتهم من المخاطر المرتبطة بالعمليات العسكرية، إلى إضعاف منظومة الحماية التي تتمتع بها تلك الفئات مثل ممثلي الصليب الأحمر الدولي ورجال المهن الطبية، والتي يتركز عملها بالأساس على التخفيف من معاناة ضحايا الحرب والأشخاص المدنيين بمن فيهم الصحفيون أنفسهم.

وقد رأى أنصار هذا التوجه الرافض لمنح وضع قانوني خاص للصحفيين أن حمايتهم باعتبارهم أشخاصا مدنيين يمكن أن يتحقق بالأساس من خلال مزيد من الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحرم في كل الأحوال استهداف المدنيين أثناء العمليات العسكرية.

وخلاصة القول إن مخاوف البعض من أن تستغل الفقرات التي كانت موجودة في مسودة المعاهدة الدولية الخاصة بالصحفيين من قبل بعض الدول في تقييد حريتهم، بالإضافة إلى تخوف بعض الدول من أن يسيء بعض الصحفيين استغلال هذا الوضع للقيام بأنشطة ضارة بالأمن القومي، قد صعبا كثيرا مهمة التوصل إلى اتفاق مرض في هذا الشأن، مما قاد في نهاية المطاف إلى التخلي عن فكرة عقد معاهدة خاصة بالصحفيين والاكتفاء بالمادة 79 من البروتوكول الأول لمعاهدات جنيف، والتي تنص على أن يعامل الصحفيون الموجودون في مناطق الصراعات المسلحة معاملة المدنيين، وهو ما يعني تحريم الهجوم عليهم أو استهدافهم باعتبار ذلك جريمة حرب.

ومثلما ذكرنا في مقال سابق، فإن المادة 79 وإن كانت تمثل حسب رأي الفريق الرافض لمنح الصحفيين وضعا خاصا حلاً مناسبا، إلا أنها حسب رأينا لا تقدم حماية كافية للصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة. فهذه المادة لا تضيف إلى الصحفيين جديدا، إذ إنهم كانوا وظلوا ينظر إليهم باعتبارهم أشخاصا مدنيين. كما أن هذه المادة لا تراعي حقيقة أن الصحفيين العاملين بمناطق الصراعات المسلحة أكثر عرضة من غيرهم من المدنيين لمخاطر عديدة مرتبطة بطبيعة عملهم في مناطق الحرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.