شعار قسم مدونات

الترجمة الصحفية

عدد مجلة الصحافة
الترجمة الصحفية ليست ترجمة عادية، بل تخضع لقواعد الكتابة الصحفية (الجزيرة)

تعد اللغة من الوسائل الأكثر أهمية التي يتصل من خلالها الناس مع بعضهم البعض، ويعبّرون عمّا يحيط بهم باستخدام التعابير والجمل. لذا، فإن اتساع العالم وأحداثه المتعاقبة جعلت من الترجمة حاجة أساسية لا بد منها، تعمل على توثيق الأحداث المتسارعة التي تمر بها البشرية. ومع ظهور وسائل الإعلام بدأت تتزايد أهمية البحث عن وسيلة أساسية تضمن وصول الحدث بدقة وسرعة للقارئ والمشاهد، لذا تزايد الاهتمام بما يعرف بـ"الترجمة الصحفية".

مفهوما الترجمة ووسائل الإعلام لا ينفصلان عن بعضهما البعض، إذ إنهما يؤديان -في النهاية- الهدف نفسه ويوصلان الرسالة ذاتها، فلا تقف مهمتهما على نقل الأخبار والمعلومات للمتلقي، بل أيضا من مهامهما أن يعملا على إيصال المعلومة بانسيابية بعيدة عن الركاكة.

وقد عرّف دكتور الإرشاد السياحي في جامعة الشارقة ماهر الشمايلة -في كتابه "الإعلام الرقمي الجديد"- الإعلام في اللغة بأنه يعني الإبلاغ، أي إيصال المعلومة ونقلها من مكان إلى آخر، بينما اصطلاحا فإنه يعني "عملية نقل المعلومات من خلال أدوات ووسائل الإعلام والنشر بقصد التأثير".

ويرى أستاذ الترجمة فواز يحيى المالكي أن الترجمة الصحفية هي "عملية نقل رسالة ما، خبرا كانت أم معلومة، من لغة إلى لغة أخرى عبر وسيلة إعلامية، تشمل المواطن البسيط والمثقف والسلطة". لذلك، فالصحافة تعتمد أسلوبا لغويا خاصا يخاطب الجميع، إلا أنها تتحرى الصدق والمصداقية والتدقيق والدقة والنقل حسب طبيعة المادة الإخبارية.

ولا تقتصر الترجمة الصحفية على شكل أو لون واحد بل تشتمل على المقالات، والتقارير والبيانات الصحافية، ومواقع الإنترنت الإخبارية، والصحف والمجلات وغيرها الكثير.

"في الحقيقة الترجمة الصحفية تختلف عن باقي أنواع الترجمات في عامل مهم، هو أن الخبر يخضع للقولبة مقارنة بأي ترجمة أخرى، فمثلا ترجمة ملف قانوني أو أدبي تفترض الترجمة الحرفية -كلمة بكلمة- أن ينقل نفس العبارات"، بحسب الصحفي والمترجم التونسي أشرف الشيباني حول موطن الاختلاف بين الترجمة الصحفية والترجمات الأخرى.

ويضيف الشيباني "يحتاج المترجم في الترجمة الصحفية إلى إضافة سياق للخبر، أو معلومات يفتقر لها النص الأصلي، لا يشترط أن تكون ترجمة حرفية مئة بالمئة، بل يكون هناك هامش لإضافة معلومات حتى يكون القارئ على دراية بموضوع محور الترجمة".

إن الترجمة الصحفية ليست ترجمة عادية، بل تخضع لقواعد الكتابة الصحفية، فيجب عليها أن تقدم للقارئ النص المترجم كما لو كان نصا أصليا، ويجب أن يكون مرجعيا للخبر الأصلي وأن يفسّر خلفياته، فمن يترجم المقال يجب أن يضفي عليه روح العمل الصحفي، ويخضعه للبناء الهرمي الخاص بالعمل الصحفي.

كما تختلف الترجمة الإعلامية عن الترجمات الأخرى بأنها تخضع لفلسفة المؤسسة الإعلامية، وعلى المترجمين الالتزام بضوابطها، فالترجمة الصحفية لا تنفصل عن طبيعة العمل الصحفي وقواعده ومعاييره.

يعطي دكتور اللغة الإسبانية في الجامعة الأردنية مؤيد شرّاب -الذي عمل على ترجمة رواية "زمن الخيول البيضاء" للكاتب إبراهيم نصر الله- مثالا آخر على الترجمات التي تختلف عن الترجمة الصحفية وهي الترجمة الاصطلاحية، ويقول "إن عملية الترجمة الاصطلاحية تضفي ثراء ثقافيا لأنه من خلال عملية الترجمة فأنت تعمل على نقل الكثير من عادات وثقافات الشعوب الأخرى، كالطعام واللباس، وتعرّف بها أهل اللغة التي تترجم لها هذه المصطلحات".

أما عن الترجمة الصحفية، فيقول مجدي قطب مساعد رئيس تحرير جريدة الجمهورية والمحاضر بكلية الإعلام في جامعة القاهرة -في كتابه "الترجمة الإعلامية من وإلى العربية والإنجليزية"- إن هناك تعبيرات مستخدمة من قبل المؤسسة الصحفية من الممكن أن تكشف عن توجهها أو الفكر الذي تتبناه، سواء إن كانت تريد الانحياز لطرف من الأطراف بطريقة غير مباشرة أو بقاءها حيادية في عرض المعلومات.

ومن التعبيرات الأخرى التي تظهر سياسة القنوات الإخبارية هي استخدام تعبير "هجوم إرهابي" أو "هجوم مسلح"، إذ تستخدم بعض المؤسسات الإعلامية غير الحيادية التعبير الأول إن كان الجاني مسلما، بينما تستخدم التعبير الثاني إن كان الجاني شخصا أوروبيا.

يطرح ما سبق سؤالا مهما، هو هل بإمكان المترجم أن يكون صحفيا؟

تجيب المترجمة سلام العمر: "لا يمكن للمترجم أن يدرك مقومات الكتابة الصحفية بالبديهة إلا بعد سنوات طويلة من الترجمة والاطلاع على البنية الصحفية… بإمكانه أن يكون ناقلا سريعا للخبر ولكن ليس صحفيا إلا بعد سنوات من الممارسة".

في حين ترى المترجمة مروة خريسات أن المترجم الصحفي لا يمكن أن يكون صحفيا، لأنه إن كان هناك مترجم متخصص في ترجمة النصوص الطبية فإن هذا الأمر لا يجعل منه طبيبا، الأمر نفسه ينطبق على الترجمة الصحفية، ولكن الصحفي بإمكانه أن يكون مترجما إن كان ملما بأكثر من لغة، لأنه الأعلم بالسياق الصحفي.

تتشابه صفات المترجم مع الصحفي، إذ يجب على المترجم في هذا المجال أن يكون دقيقا وسريعا، ينتقي الأخبار من المصادر الموثوقة ويكون حريصا على استخدام العبارات وانتقائها، وأن يكون على اطلاع دائم ومتابعة مستمرة لأبرز الأحداث في العالم.

تتنوع مصادر الترجمة الإعلامية بين وكالات أنباء، وصحف ومجلات أجنبية، وإذاعات ومحطات تلفزيونية أجنبية، وشبكة الإنترنت، والمراسلين الصحفيين.

يجب على المترجم أن يراعي العديد من الأمور، منها تجنب الترجمة الحرفية كلمة بكلمة، واعتماد الأسلوب السلس الذي لا يوحي للقارئ بأن النص مترجم، وأن يبدأ المترجم نصه بفعل حتى في حال عدم التزام الخبر بلغته الأصلية بذلك، وكذلك تجنب صيغة المبني للمجهول التي يكثر ظهورها في النصوص الإنجليزية. وعلى المترجم أيضا أن يتذكر دائما أن الخبر الصحفي هو وسيلة لنقل الخبر وليس وسيلة لاستعراض اللغة، لذا يجب عليه استخدام اللغة العملية المباشرة التي يسهل على القارئ فهمها، والحفاظ على توحيد المصطلحات التي قد تتكرر في كافة جمل الخبر.

يُنصح المترجمون عادة بالعديد من الجوانب المهمة في الترجمة الصحفية، إذ يجب على المترجم أن يقرأ النص الأصلي كخطوة أولى تسبق خطوة البدء بالترجمة. كما على المترجم أن يراعي بدايات الجمل، فإن كان يترجم للعربية فيبدأ الجملة بفعل، وإن كان يترجم للإنجليزية أو للإسبانية فيبدأ الجملة باسم.

كما أن على المترجم أن يراعي عناصر الربط بين الجمل، وأن يكون على دراية بعلامات الترقيم.

يجب على المترجم أن ينتبه أثناء التعامل مع المفاهيم التي يستخدمها الغرب في صياغة الأخبار، ومثال على ذلك عندما يتناول الغرب ما يدور من صراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإنهم يعبرون عن ذلك بقولهم مثلا "إسرائيل والفلسطينيين" (Israel and the Palestinians)، ليستقر في ذهن القارئ أن إسرائيل دولة لها كيان قائم.

لا تزال الترجمة الصحفية تفتقر في الوطن العربي إلى العديد من الأبحاث والدراسات، ويتساهل البعض في ترجمة النصوص الصحفية، بينما تعتبر هي من أهم الترجمات التي تقترن مع ضمير ومبادئ المترجم في ترجمة بعض التعابير أحيانا، وأحيانا أخرى في كيفية قولبة النص وإبقائه حياديا بعيدا عن التأثير الذي يبثه النص الأصلي.

 

المصادر

  • الشمايلة. ماهر. 2015. الإعلام الرقمي الجديد. دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع. ط1: عمان.
  • قطب. مجدي. 2008. الترجمة الإعلامية من وإلى العربية والإنجليزية. دار الجمهورية للصحافة. ط1: مصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.