شعار قسم مدونات

تأجيل الانتخابات.. هل يمثل اعتداء على سيادة الشعب الفلسطيني؟

سيناريوهات - انتخابات فلسطين..اللقاء الوطني أم المرسوم الرئاسي؟
إجراء الانتخابات وتطبيق أحكام القانون يعززان الأمن والسلم الأهلي ويبعثان الطمأنينة والاستقرار في المجتمع (الجزيرة)

قررت محكمة النقض الفلسطينية -بصفتها محكمة إدارية- بتاريخ 11/10/2021، وفي متن حكمها الصادر بناء على دعوى أُقيمت للطعن في قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تأجيل الانتخابات العامة الصادر عنه بمرسوم رئاسي حمل رقم (12/2021)؛ أن تأجيل رئيس السلطة الانتخابات العامة يُعدّ من قبيل "أعمال السيادة" التي لا تخضع لرقابة للقضاء الفلسطيني، وحكمت بردّ الدعوى الإدارية عن الرئيس بصفته الوظيفية لهذا السبب الذي يبدو للوهلة الأولى أنه يتفق وصحيح القانون والمنطق، إلّا أنه ليس كذلك لعدة أسباب:

أولاً: خالف هذا القرار نصوصًا عديدة في القانون الأساسي الفلسطيني، الذي يُعدّ بمثابة الدستور الفلسطيني المؤقت، والذي جاء في ديباجته أن من أهدافه تنظيم العلاقة بين السلطة والشعب الفلسطيني، وأوّل هذه النصوص هي المادة الثانية منه التي جعلت من الشعب الفلسطيني مصدرا للسلطات التي يمارسها عن طريق السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفي هذا القرار مخالفة بيّنة لهذه المادة، ومصادرة لحق الشعب الفلسطيني في ممارسة سلطاته على أرضه، وحصر هذه الممارسة في مؤسسة الرئاسة، وإعطاؤها هذا الحق بمعزل عن الشعب الفلسطيني وإرادته السياسية، تلك الإرادة المسلوبة عن طريق مرسوم "تأجيل" الانتخابات العامة.

ثانيًا: جاء هذا القرار مخالفًا ومصادرًا لحقٍّ أصيل من حقوق الإنسان الطبيعية، وهو الحق في المشاركة السياسية وإدارة الحياة العامة، وهو حقّ وقّعت السلطة على الالتزام به بتوقيعها على البرتوكول الإضافي الضامن للحقوق السياسية والمدنية الصادر عن الأمم المتحدة، وجاء القانون الأساسي الفلسطيني مؤكدًا هذا الحق بشكل واضح في المادة (26/3)، حيث نصت على ما يلي: للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادًا وجماعات، ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: 3- التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون.

ثالثًا: القرار الصادر يُعدّ مناقضا للمادة (30/2) من القانون الأساسي الفلسطيني التي نصت على أنه: يُحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء، وهو ما لم تلتزم به المحكمة وحصّنت قرارا إداريا معيبا بعيب عدم المشروعية، متذرعة بنظريّة أعمال السيادة، وهذه الأعمال هي -بطبيعتها- أعمال إدارية وتخضع لرقابة القضاء. مع ملاحظة أن الفقه والقضاء الإداريين حصرا نظرية أعمال السيادة في تلك المختصّة بإدارة مرفق السلك الدبلوماسي وقرار الحرب والسلم وبعض القرارات الخاصة بالأمن القومي للدول، وقرار تأجيل الانتخابات العامة، فضلاً عن كونه مخالفة صريحة للقانون، فإنّه ليس من أعمال السيادة واجبة التحصين، بل هو قرار واجب النقض والإلغاء لتعارضه الفجّ مع حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية.

رابعًا: جاء هذا الحكم مناقضا لحكم صادرٍ عن المحكمة ذاتها حمل رقم (531/2010)، الذي ألغى قرار مجلس الوزراء بتأجيل الانتخابات المحلية وقتها، وقرر أن إلغاء الانتخابات المحلية ليس من أعمال السيادة، وأرفق هنا مقتطفات من ذلك الحكم:

"إن إجراء الانتخابات وتطبيق أحكام القانون يعزز الأمن والسلم الأهلي ويبعث على الطمأنينة والاستقرار في المجتمع، وإن قول النيابة العامة "أن المصلحة العامة تتطلب إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها على أحسن وجه وذلك باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمة هذه المرافق وإبعاد من ترى أنه غير صالح، وإن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا" مما يعدر هدمًا لأسس الديمقراطية التي يقوم عليها النظام السياسي والاجتماعي في فلسطين، والتي كرسها بنصوص واضحة وصريحة القانون الأساسي، كما أنها تمس في الصميم قيما ومبادئ راسخة في وجدان الشعب". انتهى الاقتباس.

وقال الزميل عمّار جاموس معلقًا على هذا الحكم:

"الحكم الجديد يؤكد أن السلطات الفلسطينية بما فيها السلطة القضائية متورطة في مصادرة الإرادة الشعبية للشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه الدستوري في انتخاب ممثليه. وقد سبق للقضاة قبل وقت قصير تعطيل انتخابات نقابة المحامين، إضافة إلى دورهم الرئيسي في توفير غطاء قانوني للنيابة العامة والأجهزة الأمنية في انتهاكاتها لحقوق الناس وحرياتهم"

أخيرًا، هذا الحكم القضائي إنما يُعبر عن حقيقة تتعزز لدى الحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني يومًا بعد يوم، بل وأصبحت شبه مسلمات، حقيقة أن مرفق القضاء الفلسطيني بات تابعًا للسلطة التنفيذية وأداة من أدواتها، أسوة ببقية الأنظمة العربية الاستبدادية، وأن القرارات بقانون الأخيرة التي أصدرها رئيس السلطة وألغت قانون السلطة القضائية بتعديله تعديلا جوهريًا، آتت أُكلها وسلبت ما كان قد تبقى للقضاء الفلسطيني من استقلالية وحياد، وبات هذا الأخير أحد مؤسسات السلطة التنفيذية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في اعتداء صارخ على مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات وقبل ذلك، الاعتداء على إرادة الشعب الفلسطيني وسلبه حقه الدستوري في الانتخابات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.