شعار قسم مدونات

العالم على أعتاب ميلاد جديد

blogs تأمل

ينقلب السحر على الساحر! ويرجع الشر لأهله بأقبح العطايا! تتقيأ الأيام مرّ لحظاتها، لتطهّر جوفها، وتختبر العتق وقد انصهرت بحرارة الروح أغلالها، مخلّفةً أطرافاً محروقة، وقلبا يرفرف خارج قضبان الجسد ويطير فوق الدخان، انقلب السحر على الساحر! رغم إصرار البعض على مواصلة التصفيق وقد غابت بصائرهم! وخيّل إليهم أنّ الوهن لا يطال ساحرهم، فجعبته فيها الكثير، وقوّته مِن خدرِ حواسهم يستمدّها ويحبسهم بها، ويشوّه بكفّيه ما تبقّى مِن أرواحهم كي يسجدوا لسلطانه، ويقدّسوا صورهم المشوّهة في مرآته!

 

لمَن يصعب عليهم قراءة التاريخ، وتهتز نفوسهم للانكسارات والخيبات.. يا مَن تشربون كأس المنافع والمطامع، ولا ترفعون رؤوسكم المثقلة بالخيانة والتفريط، املأوا بطونكم كيفما شئتم، وأتخموا أرواحكم بقذارة الموائد التي أُعدّت لتُطعمكم بعض لحمكم ودمكم، لن تصحوا مِن موتٍ ضمائرُكم، وسيأتي يوم تتحطّم فيه أوثان عبدتموها، وستتبرأ منكم! تغربل الأرض ساكنيها.. تهزّهم بلطف حينا، وبعنف حينا آخر، ليتساقط مِن الفتحات الصغيرة المسكونون بالخواء، فيكتشف المشكّكون على حدود الدهشة كم كان عمالقة مخيّلتهم صغارا.. صغارا لدرجة أن ينفذوا مِن فتحات غربال!

 

فتلك كورونا تجوّلت على صفحات كوكب متعب بلا استئذان، حملت الخوف واحتمالات الرحيل القسري عن مساحات الحياة.. جعلت الناس في مواجهة أنفسهم لأول مرة، وأجبرتهم على اختبار أولوياتهم وقد أوقفت عقارب ساعةٍ لا تفقه غير الدوران! أوقفت اللهاث ليلا ونهارا، وحبست الناس والأسواق.. كورونا أعادت للناس إحساسهم بهيبة السماء، وعلّمتهم كيف يرفعون رؤوسهم لها! ذلك المخلوق الجحود الذي يغادر بمحض إرادته إنسانيته، ويخرّب توازن الكون الذي سُخّر لإرادته، يسفك الدماء، ويرفع لواء الظلم، ويجاهر بعداوته للإله، ذلك الكائن المتمرّد على خالقه يرتعش عجزا في مواجهة مخلوق لفرط صغره لا يمكنه أن يراه أو يلمسه، وهو ميّت لا يحيا إلا به ورغما عنه!

 

هي الآيات تتوالى مِن حولنا، فأبصروا بقلوبكم، نحن على أعتاب ميلاد جديد، فلا تشكوا المخاض! واستعدّوا للبشائر فالوليد لكم، يأتي ليرفع مِن جديد ذكركم، فلا تضيّعوه.. أمريكيا التي شيّدت بنيانها مِن جماجم الأبرياء، واستولت على الأرض بقتل أصحابها، تحمل ذات المشروع الذي تموِّله وتؤجج نيرانه في أرضنا المقدّسة، لكنها تخذل نفسها هذه المرة، وتغوص في وحل تعنّتها، حين تظن البركة تغادر أرضا لا تفارقها عين السماء! فالأرض المباركة تلعن مَن يدنّس طهر ترابها، ويُدني منها قتلة الأنبياء!

يتلاعبون بالمفردات كما يفعلون بمصائر الشعوب المعتقلة خلف قضبان حكّامها الطغاة، مكشوفون غير أنّ العمي كثر! وأكثر منهم مَن ينكر ما يُبصر، طمعا في السير في قوافل الظلم

لمن فوجئ بمدى التشابه بين الدول التي تدّعي الديمقراطية وتلك الأنظمة المصنوعة على عينها! والتي لا همّ لها سوى قتلنا وتجهيلنا، وتكبيلنا بأصفاد تجعل منا عبيدا خاضعين لجورها، أمريكيا لم تتغيّر! لم تبدّل وجهها.. هي كشفته وحسب! بيد سفيه جعل من نفسه إلاها، فعبد نفسه.. وجعل من بلاده ظهيرا للطغاة المتكبّرين، وللسفهاء المارقين الذين يلهون بمصائر قومهم، هو لم يخجل من التصريح بدعمه المطلق لهم، وإعجابه بظلمهم، وبارك دما يتقطّر مِن بين أصابعهم، هم مرايا لروحه المضطربة المريضة! ظن بمنتهى الحمق أنه الأوحد، ففرض شريعته، وراهن الظالمون على صمت الضعفاء، ونسوا أنّ للسماء قانونها وميزانها، فاستهزؤا بوعيدها، فتوالت الآيات.

 

اليوم تدفع أمريكيا فاتورة قديمة.. فاتورة دماءٍ جُبلت بها ناطحات السحاب! أمريكيا التي تقف ظهيرا لأئمة الفساد تطلّ بوجهها البغيض وقد تغذّى على العنصرية، وارتوى مِن التمييز البشع ضد الآخر.. تمنح نفسها بمنتهى العنجهيّة والتكبّر حق سفك الدماء، وإزهاق الأرواح بلا حساب، أمريكيا لم تتغيّر! هي منحت نفسها فرصة مواجهة الكاميرات بلا أقنعة، فتهاوت الحرّية التي نادت بها، لتسيطر بصوتها على الضعفاء الحالمين، والمنتفعين المتكبّرين، والغارقين في دماء الأبرياء، الدول التي تقوم على الظلم تتآكل مِن تلقاء نفسها، يُفسد فيها المترفون، وتتهدّم بأيدي سفهائها! وكم مِن نظامٍ انهار بأيدي أصحابه، وقد بدا في عين الناظر عظيما مرهوب الجانب، وما الاتحاد السوفييتي منا ببعيد، لم يترك الطغاة منفذا لثوابتنا إلّا سلكوه بسمّهم وسكاكينهم! تسلّلوا للأسرة باسم الحرية ومقاومة التمييز، أرادونا أغرابا عن ثقافتنا، أرادوا تشويه تاريخنا وصورنا في أذهاننا، عملوا على تبديد قوّتنا، وسلبنا ملامح إرادتنا.. سيّدوا أراذلنا، وحاصروا فينا الشرفاء! سفكوا دمنا.. ساندوا الطغاة فينا والأشقياء!

 

خلعوا عن المرأة لباس التقوى والحياء، وزجّوها في متاهات تغدو فيها سلعة بلا ثمن.. تعلّقت بخطوها القلوب التي ضلّت طريقها، وامتدت إليها الأيدي الفاجرة.. طعنوا الأمومة وأحرقوا ذاكرتها عن نفسها، أرادوا امرأة مشوّهة الروح منتهكة الجسد، وقلّدوها أوسمة الزور، لتزهق روحا تنبض في داخلها.. رسموا خرائط الفساد، وسَعوا لإجبار الناس على مسالكها، فالعنصرية هم قادة لوائها، وهم تجار الرقيق فيها وجلّادوا النساء، وهم قتلة الأطفال والأبرياء.

 

يتلاعبون بالمفردات كما يفعلون بمصائر الشعوب المعتقلة خلف قضبان حكّامها الطغاة، مكشوفون غير أنّ العمي كثر! وأكثر منهم مَن ينكر ما يُبصر، طمعا في السير في قوافل الظلم، وأملا بالكسب! ظانّين بالله الظنون.. هم العدو فاحذروهم، وارسموا الطريق لفجركم واسلكوه، فالنهار موعدكم لا تخطئوه! آيات الله تتوالى فلا تكذّبوا أفئدتكم.. اقترب وعد الله فأصلحوا أنفسكم وارتقبوا.. لملموا شعث أُمتكم، واعمروا بيوت الله ففيها خلاصكم! يذكّركم الله بأيّامه فاجعلوا القدس بوصلة قلوبكم، هي ميزان الضمائر، ومؤشر الحق، ومقبرة الطغاة، فسدّدوا باسم الله رميكم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.