شعار قسم مدونات

الوصايا المغربية العشر

blogs المغرب

عندما كنت أستعد لأول زيارة لي للمملكة المغربية، ذهبت إلى مقر السفارة المغربية بالدوحة، وأول ما لفت انتباهي في مدخلها أن المراسيم الرسمية المعلقة في داخل بهو المبني مكتوب أعلاها -سلام تام بوجود مولانا الإمام دام له النصر والتأييد- وهذا كان مُثيراً بالنسبة لي، وطرح على عديد الأسئلة عن شكل وطبيعة النظام السياسي في هذا البلد، وحقيقة الاستقرار والحرية فيه، فقلت في نفسي: لا تتعجل غدا تذهب وترى الواقع بنفسك، وتسمع رأى الناس بأُذنك، وتبصر طبيعة الوضع الاجتماعي والاقتصادي بعينك.

 

وقد كان فهبطت في مطار الدار البيضاء، ومن ثم تنقلت في جغرافيا المملكة المغربية، ومررت بالعديد من المناطق والمدن مثل مكناس، والرباط، وبوزنيقة التي تطل على المحيط الأطلسي الصاخب، ثم توجهت في رحلة طويلة وممتعة لجنوب المغرب وصولاً إلى مدنية كلميم، وتينغير ومدينة أزور، ومرزوكة، والريصاني التابعة لإقليم الراشدية، وجلست مع أهلها الطيبين الضاربين بقوة في ىسويداء الكرم، وفسطاط حسن الضيافة، وتنقلي في جغرافية المملكة ترافق معه حسن الاستماع والإصغاء للعديد من المثقفين، والقوي السياسية، والشباب من كافة الأطياف، والفئات، والمشارب التاريخية والجغرافية، وقد تمخض حصاد هذه الجولات الجغرافية والثقافية مع الأخوة المغاربة في العشرة فوائد التالية:

 

الخطاب الثقافي المغربي يتسم بالتوازن الوجداني والانفعالي، ومسكون بالنفس الفلسفي التأملي، ومهموم بالبحث عن المآلات، ومتقدم جداً في فقه المقاصد الإسلامية؛ لأنه متحرر إلى حد كبير من حيز الأيديولوجيات الضيقة الغارقة في تقديس الوسائل والأدوات

أولاً: هناك فجوة معرفية تحجب أبناء المشرق العربي عن فهم سيكولوجية وطبيعة أبناء المملكة المغربية ثقافياً واجتماعيا وسياسياً.

ثانياً: المغاربة بشكل عام يعرفون عن المشرق العربي أكثر مما يعرف المشارقة عن المغرب خاصة فيما يتعلق بالجانب الثقافي والإنتاج الفكري والأيديولوجيات السائدة.

ثالثاً: معظم الأسئلة التي تشغل العرب المشارقة لا تأخذ حيزاً وجدانياً، أو فكريا، أو اجتماعيا عند المغاربة، فقضايا مثل إقامة الدولة الإسلامية، واستعادة الخلافة الراشدة، وتحكيم شرع الله، والقلق على مستقبل الدولة، والصراع بين الجماعات الإسلامية والسلطة وغيرها من الملفات لا تشغل بالهم بالمرة.

رابعاً: علاقة المجتمع المغربي والقوي السياسية والقيادات الثقافية والفكرية مع النظام الملكي القائم بقيادة الملك/ محمد السادس قائمة على التقدير والاحترام والاعتراف بأهمية دور الملكية في استقرار وتماسك المكونات الاجتماعية المغربية.

 

خامساً: النظام الملكي المغربي يتسم بالمرونة ولا يميل للتصادم ولديه قدرة عالية على الاستيعاب السياسي، وحسن التعاطي مع المستجدات السياسية والاجتماعية، ولذلك تعامل باحتراف مع مطالب الحركات الاحتجاجية في العام 2011 وسارع بإنجاز تغيرات دستورية وقانونية سريعة تتناسب مع مطالب الشارع السياسي ساعتها.

سادساً: الخطاب الثقافي المغربي يتسم بالتوازن الوجداني والانفعالي، ومسكون بالنفس الفلسفي التأملي، ومهموم بالبحث عن المآلات، ومتقدم جداً في فقه المقاصد الإسلامية؛ لأنه متحرر إلى حد كبير من حيز الأيديولوجيات الضيقة الغارقة في تقديس الوسائل والأدوات وعبادة المقولات التراثية.

سابعاً: مقاربة الكثير من المثقفين المغاربة لقضايا الحكم والسلطة والدولة قائمة على فلسفة أن النظام السياسي له مقاصد وغايات كبرى إذا حققها للمجتمع وللناس فلا يهمهم شكله السياسي سواء كان ملكياً أو جمهورياً؛ إذ يرون أن النظام السياسي مهمته أن يحقق هذه الثلاثية (الاستقرار، والتوزان، والتنمية).

 

ثامناً: الجسم الأبرز في الحركة الإسلامية المغربية وخاصة جماعة التوحيد والإصلاح، وحزب التنمية والعدالة الحاكم خطابهم السياسي والدعوى واضح ومنحاز للنظام الملكي، وقد قطعوا شوطا كبيراً في التمييز بين الدعوي والسياسي ولم يخوضوا معارك صفرية مع الدولة، وهذا ساهم بدرجة كبيرة في استقرار المجتمع، والفريق الإسلامي الأخر الذي ينادي بنظام جمهوري -جماعة العدل والإحسان- لم تتورط في أعمال عنف تهدد استقرار وسلامة المملكة وإنما تعمل بسياسة التراكم والانتظار وأنشطتها متاحة للشعب ومفتوحة للمجتمع.

تاسعاً: المرأة المغربية تساهم بقوة في الحياة السياسية على مستوى الحضور والتمثيل السياسي والمشاركة الحزبية وخاصة في الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ولها نصيب وافر على مستوي الانتاج الفكري والثقافي وخاصة في شمال المغرب وهذا بطبيعة الحال عكس الحالة العربية المشرقية في مصر والعراق وسوريا مثلاً، وأما في جنوب المغرب فقد وجدت أن مساهمة المرآة المغربية في الحياة الاجتماعية متقدم جداً ومدى انفتاحها على أنشطة المجتمع يعد كبيراً جداً.

عاشراً: الحالة العربية المشرقية بحاجة ماسة للتواصل المعرفي والثقافي والاجتماعي مع دول المغرب العربي للاستفادة من الخبرة المغربية في المجال الديني والثقافي والرؤية الفلسفية للعديد من القضايا الإسلامية.

 

في الختام كانت تلك عشرة فوائد كاملة خرجت بها من زيارتي الأولى للمملكة المغربية والتي جعلتني أميل بدرجة كبيرة نحو تعميق النظر الفلسفي والمقاصدي للأشياء بعيدا عن الانجذاب السريع للشعارات والمسميات التي أحيانا ما تحجب الرؤية وتمنع من الاعتبار والاستفادة من تجارب الأخرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.