شعار قسم مدونات

ماذا لو رأيت داخلي؟

مدونات - النفس

إنَّ أسمى ما نملكه ويختلج النفس هي الروح المختبئة وراء ملامحنا، فقد اعتدنا كبشر رؤية ملامح بعضنا دون التركيز قليلاً ماذا يختبئ ورائها من ملامح أخرى وأغلب الوقت نتعامل مع الوجه الخارجي وتفاصيل الجسد دون اهتمام أو مبالاة لما وراء كواليس هذا الجسد؛ فالأمر أقرب إلى مسرحية ناجحة، لا تتم فقط لمجرد أن الفنان المؤدي للدور فنان محبوب أو مؤدي موهوب، إنما الجهد الأكبر للمبدع المختبئ وراء الكواليس، يُعَدل الصوت والإضاءة، ينتبه لخطوات وحركات المؤدي، يُذكره ببقية الحوار بكلمات مفتاحية، وهكذا تماماً الإنسان مسرح بجِسد فنان والروح ذلك المبدع المختبئ وراء الكواليس والذي لا يأخذ من الجمهور حقهِ حتى بالتصفيق والتصفير ولا يُشكر على جُهِدهِ المُبذول.

الروح؛ شيء عميق لا نستطيع استشعارهِ أو إدراكهِ إلا بعد أن تُجُرح، عندما تشعر بِضيقة لا يمكن وصفها أو ألم دون عوارض خارجية. شيء ليس بمحسوس أو مادي، شيء ليس لهُ علاقة لما يدور خارج الجسد من ظروف أو طقس حياتي روتيني، تشعر بها عندما تَحَزن وتضيق بك مواسع الأرض، تشعر وكأنما يد داخلك تدق صدرك وكأنما تُحذرك أو تُذكرك بأنها هي هُنا تُخبرك انتبه قليلاً عليَّ، ارعى شعوري وأنني أتألم وهون على نفسنا. ولتلك اللحظة هناك ردين فعلين لا غيرهما، إما تجاهلها وهذا دليل على سُمِكَّ الجدار بينك وبين روحك وإن دَّل على شيء؛ فدَّل على قسوتك، توقف معي لحظة وحاول أن تتذكر شيء أحزنك.. هل تذكرت لمسة صدر داخلية؟ أو صوت أنين نادى من داخلك مسبقاً؟

  

هناك بالفعل من يستحق تعمقك والبعض الآخر عليك أن تكون أكثر سطحية وانغلاق معهُ حيث ليس بالضروري أن تجد الامتنان من الجميع

نعم إن النفس أو الروح التي تُعاني هي التي لا يدركها صاحبها ولا يستطيع التعامل معاها وكأنها فتاة بريئة لا ذنب عليها ولكنها سُجِنت لظروف قدرية لا علم بها سوى الغيب، فغالب الأحيان أغلب من حولنا لا يدرك روحه وهذا يظهر بتصرفاته القاسية، وملامحه المُجهمة وتوتره الشديد من الحياة وقد يكون مريض وبحاجة للعلاج ولكن يرفض حقيقة أن هُناك خلل في نَفِسهِ ولا يستطيع أن يتعامل مع مشاكلهِ أو الأفراد من حَولهِ. أما رد الفعل الآخر هو الذي يُدرك روحه ويكتشفها ويستشعرها وأحياناً يتحدث إليها، ويقاتل بكل أسلحتهِ الرقيقة لحمايتها، فإن أغلب من يُدرك روحهُ يكون لين طيب النفس، يرتاح له من حولهِ وتتلافت له الأنظار والأرواح الداخلية للآخرين حتى الغير المُدركين، فإن الأرواح الداخلية الحبيسة تنجذب للأرواح الحُرة لتتعلم منها كيف تنال حريتها وتنتصر هي وصاحبها أيضاً وكأنها حرب ناعمة تدور على ساحات حياتنا، على شكل ظروف صعبة، أشخاص مخادعين وأحلام مكسورة ومشاعر قاسية والبطل نحنُ..

  

عادة مُدرك الروح، ثمة مشاعر مُرِيحة اتجاههِ فيبدو من الوهلةِ الأولى إنسان إيجابي، ابتسامتهِ جميلة وفي ملامحهِ راحة أكبر من بقيةَ من حولهِ ويغلب على وصفه بأنهُ أكثر مسؤولية وأكثر توجهاً له من الناس لأجل أخذ العبرة منه وأحياناً تجدهُ حنون في التعامل حتى مع الأغراب ويستطيع بالفعل تمييزك فوراء ابتسامتك المزيفة حُزن، أو تمييز حيويتك الزائدة هي عبارة عن جُرح تخاف أن يِفضحك أمام العامة وهذا عادة لا يستطيع البشر اللامدركون أرواحهم تمييزه قد يشق عليهم حتى تمييز حيويتك وبعضهم قد يطمع بها عن طريق الحسد أو الغيرة ومحاولة امتصاصها بالانتقاد القاسي أو التجريح بالكلمات أو التصرفات. وقد ينزعج لمجرد أنكَّ سعيد دون تمييز هل هذه مكابرة أم بالفعل سعادة حقيقية ولكن المدرك يحتوي روحك لحرية روحهِ فأتوماتيكياً تجد نفسك تخبره أسرارك، مشاكلك، ترتاح بالتعبير عما يَدُور بنفسك ويكون مستمع مُنصت ولا يطبطب فقط إنما يحاول ايجاد الحلول معك على شكل نصائح ولا يصعب عليه مشاركتك طُرِقه ومحاولاتهِ لإيجاد فرص أفضل، فهو يشاركك من علمهِ دون تخوف، من خبراتهِ دون قلق أن تصعد السُلم دونهِ وهكذا من تجاربهِ أو علاقاتهِ وهذا نقيض اللامدرك. 

  

ليس بالضروري أن تجد الامتنان من الجميع، والتشجيع على كل خطوة أساسية تتخذها بحياتك أو حُسن النية اتجاه لطفك والاهتمام من أي شخص يُخبرك بأنه يحبك

اللامدرك عادة يكون غاضب وليس غاضب أعني بها الصوت العالي أو الضرب وتكسير ما حوله أو يتسم بالانفعال السريع، ولكن الغاضب من داخله، يمتلك طاقة سلبية تَغَلُب على تصرفاته على شكل عدم تفهمه لظروف بقية من حوله، أنانيته المفرطة في إيجاد راحته على حساب راحة الآخرين، الطمع في امتلاك كل شيء من حوله من أناس أو ممتلكات أو معلومات وثقافة كاذبة غير عميقة وغير كاملة وحبذا عدم تغيير وجهة نظره أو رأيه أو أن تكون أصح منه في نقاش أو معاتبهِ على أخطائهِ، تغلب عليه السطحية فتجده لا يهتم بالأشياء الصغيرة وتفاصيلها ويُفضل الاجتهاد في النجاح وجمع المال على أن يُكونْ أسرة صغيرة سعيدة  وكاملة أو يكون فرد مريح في مجتمعه شكور لما حوله، شبيهِ بالحصان الكسول والذي لا يتحرك إلا بضرِب الكرباج وهذا مرفوض.

على الأغلب تكتشف هؤلاء الأشخاص ضمن حياتك العملية أو العاطفية، وفي كل مرة نغوص بها في بئر أنفسنا فنُكثِر التعارف والحديث وكذلك التعامل، ولا تكتشف نفسك إلا بعد مرورك بتجارب صعبة لم تتخيل يوماً بأنهُ بإمكانك تجاوزها وأحياناً لا تتجاوزها ولكن لطف القدر ومرور الأيام يخفف من صعوبتها عليك، فتصبح أكثر ميولاً لحصر معارفك وأصدقائك، تتجنب التعامل بعمق مع الجميع وتحاول مواساة الناس بما يُرضي ضميرك وإيجاد الحلول في كيفية توجيههم لإيجاد حل مشاكلهم، فتصبح أكثر ذكاءً بالتعامل، فهناك بالفعل من يستحق تعمقك والبعض الآخر عليك أن تكون أكثر سطحية وانغلاق معهُ حيث ليس بالضروري أن تجد الامتنان من الجميع، والتشجيع على كل خطوة أساسية تتخذها بحياتك أو حُسن النية اتجاه لطفك والاهتمام من أي شخص يُخبرك بأنه يحبك أو يرغب بوجودك بحياتهِ.

نحن في الأغلب نكون أكثر ميولاً لمدرك الروح فنكون أكثر صدقاً معه ونخجل من الكذب عليه فهو يستطيع تمييزنا من عيوننا وهناك جاذبية اتجاهه ومغناطيس خَفِي أن يكون بحياتنا دائماً، وهو عادة يستقبلنا بِلطف ويعطينا دائماً فرصة أن يكون بحياتنا ونكون بحياته ولكن غالباً هو يلعب الدور الرئيسي فدائماً نطلبه في أحزاننا أكثر من أفراحنا وأن نفضفض له على أن يفضفض لنا، يحترم خلواتك مع نفسك ويفرح لامع العين في كل عودة لك ولكن علينا أن نوزن فيما نطلب ونأخُذ منه فكثرة الأخذ دون أدنى تقدير أو شكر قد تتعبه وفي كل مرة لا ننجح في تقديره ورفع شأن شعوره والحفاظ عليهِ، تنقص فرصة استمراره معنا فيبدأ تدريجياً ينفعل عليك ويصبح أكثر حساسية من تصرفاتك فيحزن، يخلو مع نفسه لأجل إدراك مدى جُرحهِ فتتفاجئ بأنه بدأ بتجاهلك وأكثر غياباً عنك، أحياناً يتحدث معك ولكن يكون أكثر رغبة بعدم وجودك معه، وأحياناً ينصحك ولكن لم يَعُد يبذل مجهود بعد تخييب ظنهِ بك وعندما يقرر الذهاب يُكثر عليك التحذير بأنه سيذهب وفي كل مرة تستهين بها تنتهي فرصك فيذهب دون عودة فالغاضب دائماً يعود والمدرك لا يعود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.