شعار قسم مدونات

الساروت قائد حل المعضلة لكنه ليس الأوحد

blogs الساروت

أميتنا في قراءة القادة تجعلنا نعظم القادة المنافقين ولا نعرف قدر القادة الحقيقيون إلا بعد موتهم، هل الشهادات العليا أم الأموال أم الشجاعة أم الصوت الجميل أم الكاريزما أم الكلام المنمق أم الكذب أم التحفيز ودورات التنمية البشرية هي من تصنع القادة، أم أن هناك معايير أخرى تحدد القادة أطباء المجتمع ورواد نهضته.

 

الكثيرون يشتهون ويحلمون أن يكونوا قادة وقلة منهم من تعرف الطريق لتصل إليها، غالبية مطلقة من السوريين وكثير من الصحف العالمية شغلتها قصة الساروت ذلك الثائر الأشعث الأغبر فلماذا يا ترى؟ ما هو السبب الذي ميز الساروت عن غيره من آلاف الثوار والسياسيين؟

 

فنياً لم يملك الصوت الجميل أو العيون الزرقاء أوالوسامة والأناقة التي تجذب الفتيات، ولكنه ملك المشاعر والكلمة الصادقة حين غنى للثورة وللشهداء فانجذبت له القلوب حين غنى نحنا بدنا حرية وحين غنى يا يمى زفي ابنك شهيد بيوم العيد فكانت شهادته آخر أيام عيد الفطر، ولم يدرس في الجامعات والأكاديميات ليتعلم فنون السياسة والخطابة ولكنه خاطب الناس بلسان ابن البلد الحر المالك للوعي الفطري الرافض للظلم والمحب لكل أبناء الوطن.

 

الكثيرون مثله ملكوا الشهرة قبل الثورة كرياضيين وشاركوا ببدايات الثورة لكنهم انحدروا تجاه أنانياتهم ومكاسبهم الشخصية فسقطوا في حضن خائن الوطن وسقطوا معه، سقط كثير من الثوار والقادة في مطبات المال والشهرة والداعمين فتغير حالهم وتغير خطابهم وصارت لهم تسعيرة أحدهم يحددها الداعم أما هو فأنجاه الله بصدقه من ذلك.

    

  

لم يصبه اليأس رغم المحبطات المختلفة كانتشار الفاسدين والمتسلقين أو حرب الدول الظالمة لمنع الشعب عن حريته بل على العكس ذكرنا بفعل الصحابي أنس بن النضر في أحد إن كان رسول الله قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه نبيكم ثم شهر سيفه وقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين وانطلق بين صفوف المشركين فقاتل حتى استشهد.

 

معظم المشاهير يصابون بمرض الأضواء فيصبحون متعجرفين ومتعالين أما عبد الباسط فلم ألمس منه شخصياً وكل من عرفه إلا التواضع واستيعاب دوره كفرد من ثورة شعب تصفحت الكثير مما كتب في تأبينه فوجدت أبرز ما كتب في وصفه الآية الكريمة "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ"، ولعل صفة الصدق هي المعضلة التي حلها الساروت والعقدة التي يعجز القادة عن حلها الصدق مع الله ومع الشعب حين تتناول الدور القيادي أنى كان، الصدق هو الذكاء القيادي الفطري الذي يعلم صاحبه أنك قد تخدع الناس حيناً ولكن الخديعة لن تدوم أبدا.

 

من لم يمت بالسيف مات بغيره ويبقى ما قدمه المرء في حياته من إرث للأجيال فالأموال تذهب للورثة ويبقى عمل المرء أمامه

ماذا تريد لا يهم لكن كن صادقاً فيما تريد فأمضه أو اعتزل إن كنت لا تستطيع أن تقف بوجه الظلم فلم ادعيت الثورية وإن كنت تخاف الموت الحر فابقى في حظيرة الأغنام لتنتهي هانئاً على سكين الجزار، فهمها الساروت فترك تركيا وعاد للمعركة بوطنه رغم علمه بخطورة المعركة وقلة الزاد فدخل ليرفع الهمم كما تحدث عنه من عاصره أو ينال الشهادة فيكون مشعلاً متقدا للحرية وقد كان.

   

الساروت ليس القائد الأوحد

إننا لا نعطي للرجل إلا أقل من حقه حين نشيد بإيجابياته الكثيرة و نعلم أن له دورا قد أداه بصدق واقتدار فكان أحد أنموذجات شعب كبير وقفت المنظومة السياسية الدولية في وجهه لتمنعه عن استقلاله الحقيقي وهناك مئات وربما آلاف من القادة في كل الميادين هم سبب صمود الثورة السورية بوجه الديكتاتور الأسد والدول التي تدعمه نذكر على سبيل المثال لا الحصر حمزة الخطيب والعقيد يوسف الجادر أبو فرات والحر غياث مطر ورزان زيتون ومجد جدعان والدكتور عبد الرؤف كريم وعبد القادر الصالح والمقدم حسين الهرموش وغيرهم الكثير الكثير.

 

أننا حين نجيد قراءة الأبطال ونستفيد من قدراتهم في حياتهم فسنكون نحن المستفيدون ووطنا مؤهل للإزدهار أما تمجيدهم بعد الموت فقط هو خسارة كبيرة لنا ولأوطاننا، إن نهضة شعب وأمه تحتاج آلاف القادة في كل الميادين ومن المهم أن نميز بين قائد جماهيري وآخر عسكري وثالث اقتصادي ورابع دبلوماسي أو سياسي لكن ملاط الصدق والوطنية ينبغي أن يزين سلوكهم جميعاً وتكون مصلحة شعبهم هي معيار أدائهم.

 

من لم يمت بالسيف مات بغيره ويبقى ما قدمه المرء في حياته من إرث للأجيال فالأموال تذهب للورثة ويبقى عمل المرء أمامه وخلفه إن خيرا فخير وإن شرا فشر

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.